الزين صالح يكتب: الزيلعي والصراع الفكري داخل الشيوعي

345

بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
عندما بدأت الثورة في السودان أواخر عام 2018م، كان الأمل معقوداً أن يلعب الحزب الشيوعي السوداني دورا كبيراً في عملية التحول الديمقراطي في السودان، من خلال تجربته النضالية منذ عام 1946م والتحول الذي حدث في المنظومة السياسية من الجبهة المعادية للاستعمار إلي الحزب الشيوعي، حيث مرت المرحلة نفسها بمخاض كبير، تباينت فيه الرؤى على مراحل مختلفة من الصراع الفكري السياسي، حيث أختلف سكرتير الحزب مع رؤيتي عبدالوهاب زين العابدين الذي كان يرى المرحلة لا تحتاج لتكوين حزب شيوعي، بل تحتاج إلي جبهة وطنية عريضة لقوى الوسط والاستفادة من الزخم الجماهيري الذي تمتلكه الحركة الاتحادية، وابعد عبدالوهاب زين العابدين باعتبار أنه يمثل تيارا انتهازيا يمينيا، وجيء بعوض عبدالرازق، الذي قدم ذات الفكرة في مرحلة ما بعد الاستقلال أن تقود القيادات اليسارية عملية الإنتاج الفكري الموجه لعملية البناء السياسي والتنظيمي والفكري، وتستطيع أن تخلق كتلة كبيرة صلبة تحمى التحول الديمقراطي في البلاد. وأيضا أتهم بالتحريفية الانتهازية، وتم إبعاده من الحزب الشيوعي، وتولى عبدالخالق موقع السكرتير السياسي للحزب، عبدالخالق حاصر عملية حوار الأفكار داخل المنظومة لكي يصبح هو المفكر الوحيد، هذه الثقافة ظلت هي السائدة داخل الحزب الشيوعي.

هذه التحولات التي حدثت داخل المنظومة اليسارية كانت تنبيء، أن عملية الاجتهادات الفكرية داخل هذه المؤسسة عملية غير مطلوبة، إلا في حدود ارتباط الفكرة بالماركسية الارثوذكسية، قبل إعلان الحزب الشيوعي للتحالف الجذري، كانت القيادة السياسية قد عقدت مؤتمرا صحفيا بعد عودة سكرتير الحزب والوفد الذي صاحبه لزيارة جوبا وكاودة، والالتقاء برئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور، وأيضا رئيس الحركة الشعبية شمال عبد العزيز الحلو، وأعلن في المؤتمر الصحفي أن هذه المجموعة سوف تكون “تحالف الأقوياء” باعتبار أن التحالف سوف يضم الحزب الشيوعي وحركتين مسلحتين لهما قاعدة جماهيرية، لكن لم يظهر “تحالف الأقوياء” والذي ظهر على السطح هو “تحالف التغيير الجذري” مما يؤكد أن الحركتين رفضتا التحالف، والسبب أن هناك فهم سائد عند قطاع عريض في الشارع السياسي، أن الحركتين لهما علاقة تنظيمية بالحزب الشيوعي، وإذا كانت الحركتان قد انضمت للحلف سوف تثبت في الذهان هذا الاعتقاد. وفضلت الحركتان بدلا عن التحالف الذي يعطي القيادة للحزب الشيوعي، أن يكون هناك تنسيقا بين القوى التي تسعى للتغيير من أجل الديمقراطية. لذلك ما كان في ظل المتغيرات في الساحة إلا أن يعلن الحزب الشيوعي تحالف يضم “الحزب الشيوعي والواجهات التي يعمل بها وسط الجماهير إضافة لبعض من لجان المقاومة، التي لها علاقة تنظيمية بالحزب الشيوعي.

في محاضرتين ذات اجتهادات فكرية كان قد قدمهما القيادي اليساري صديق الزيلعي في كل من “منبر السودانيين لدعم الثورة السودانية بمنطقة ديلمارفا – ميريلاند – أمريكا عبر خدمة Zoom بعنوان “دعوة للتفكير خارج الصندوق حول وحدة قوى الثورة” والأخرى في “غرفة Clubhoue لمركز أبحاث الديمقراطية والدراسات الاستراتيجية باستراليا” تحدث الزيلعي فيهما بصورة موضوعية حول تحالف القوى الثورية، وربط قضية التغيير الجذري باحتياجات عملية التحول الديمقراطي، وقد فرغها من الحولات الأيديولوجية التي شحنها بها الحزب الشيوعي، كما تحدث عن فتح حوار عميق بين قوى الثورة لإنتاج مبادرة وطنية تعزز عملية التحول الديمقراطي في البلاد. وقال يجب أن تخرج القطاعات المهنية من هيمنة الأحزاب السياسية لكي تصبح هي نفسها رمانة الميزان، لأنها تنظيمات بالضرورة تضم عضوية ذات انتماءات حزبية مختلفة،وقال يجب أن تقدم لجان المقاومة باعتبارها قوى جديدة قدمت تضحيات عظيمة تؤهلها أن تكون لها الريادة في عملية التحول السياسي في البلاد، وأيضا أكد أن قوى الريف يجب أن تحظى بأهتمام كبير باعتبارها قوى منتجة وذات فاعلية كبيرة في العمل السياسي. أن طرح الزيلعي وتصوره للتغيير الجذري يختلف تماما عن التغيير الجذري الذي يدعو له الحزب الشيوعي ذو الحمولات الأيديولوجية الذي يجد معارضة سياسية من قبل قوى سياسية لها قاعدة اجتماعية عريضة في المجتمع. ويؤكد الدكتور عمار محمد الباقر القيادي في التحالف الجديد عن هذه الحمولات الأيديولوجية في الخبر الذي نشرته جريدة “الجريدة المقربة للحزب” يوم الجمعة 29 يوليو 2022م ، يقول عمار في الخبر (أن مفهوم التغيير الجذري يعني تغييرا شاملا في طبيعة الدولة السودانية، ويعيد تعريف مضمون ومحتوى العملية الاقتصادية والتوجه التنموي، أضافة لبعد اجتماعي يخدم مصالح الأغلبية المسحوقة والمحرومة، ووضع حد لاحتكار الثروة والسلطة في يد مجموعات محفوظة ولكنها ضيقة) هذا القول يعني القضية غير محصورة بالفترة الانتقالية، وتتعداها، وكان على الحزب الشيوعي أن يحصر قضية التغيير في الفترة الانتقالية، ويقدم الرؤية الأيديولوجية في برنامجه الانتخابي لذلك نجد أن الزيلعي يربط تصوره بالفترة الانتقالية ومتطلباتها. الأمر الذي يجعل رؤيته تقبل الحوار الفكري بين التيارات مختلفة.

السؤال: هل الزيلعي قدم هذه الرؤية لكي تكون مخرجا للحزب الشيوعي من الشرنقة التي وضع نفسه فيها؟
لا اعتقد أن رؤية الزيلعي مرتبطة بعملية تكتيكية متفق عليها مع القيادات الاستالينية في الحزب، بعد ما تشعر القيادات أن ” تحالف التغيير الجذري” لم يستطيع أن يستقطب أي مكونات سياسية لها دورها السياسي والاجتماعي في المجتمع، وأن التحالف ظل محصورا بين الحزب وواجهاته، وبالتالي يتبنى رؤية الزيلعي باعتبارها رؤية يمكن أن تخرجه من الحصار الذي فرضه على نفسه. وحتى إذا تبنى رؤية الزيلعي يجب على القيادات التاريخية أن تقدم استقالاتها لكي تفسح المجال لقيادات جديدة مايزال خيالها السياسي ذو فاعلية يستطيع أن يخرج الحزب من الخندقة التاريخية حيث عجزت القيادات الاستالينية القادمة من مرجعيات تنفيذية أن تحدث تغييرا في الأفكار التقليدية للكلاسيكية الماركسية.

قال الزيلعي في رده على سؤال كان قد طرحه أحد الحضور حول فك تجميده والرجوع للعمل الحزبي هل يسمح له أن يقدم مثل هذه الرؤية؟ قال أن صراع الأفكار داخل أي منظومة سياسية مطلوب، لأنه يشكل قاعدة أساسية لتطوير المنظومة، ويحدث فيها نشاطا عقليا، الخلاف الفكري عندما يكون داخل المنظومة أفضل من أن يكون خارجها. هذه رؤية الزيلعي لكن التجارب تقول عكس ذلك. في أخر تسعينات القرن الماضي وفي القاهرة كنت على صلة قوية مع الخاتم عدلان والدكتور الشفيع خضر، وجمعتهما في حوار مفتوح في “منبر المركز السوداني للثقافة والإعلام” وكانت الندوة حول الحوار الدائر داخل الحزب الشيوعي فبهدف مراجعات فكرية وتغيير أسم الحزب. كنت واثق تماما من خلال حوار الإثنين مع بعضهما البعض، ليس هناك خلافا بين الخاتم والشفيع فكريا ومطلوباتهما، فقط الخاتم كان يعتقد أن القيادات التاريخية في الحزب الشيوعي والمركزية الديمقراطية لن تسمح بالحوار أن يأخذ بعده ويفضي إلي تلك المطلوبات، كان الشفيع يعتقد يجب أن يحدث الحوار داخل الحزب. وبالفعل استطاعت القيادات التاريخية أن تتهمه باتهامات لكي تبعده من حضور المؤتمر السادس للحزب وشكلت له محاكمة داخلية وبرأته، ولكن أصرت القيادات أن تطرده من الحزب خوفا على مصالحها. أن القيادات التي لا تتحمل الصراع الفكري داخل مؤسستها لا تستطيع أن تقنع الناس أنها تعمل من أجل نجاح العملية الديمقراطية في البلاد. نسأل الله التوفيق وحسن البصيرة.
نواصل الجزء الثاني الزيلعي التاريخ والصراع داخل المنظومة الحزبية.

Comments are closed.