حكاية من حلتنا يكتبها آدم تبن: الخريف فصل العمل والانتاج

333

عندما يحل فصل الخريف فى بلادنا السودان وخاصة فى المناطق المشهورة بالزراعة المطرية والرعى فى بعض مناطق السودان مثل كردفان ودارفور والنيل الابيض والازرق والقضارف وكسلا، فأن الناس يستبشرون بمجيئه وحلوله كزائر عزيز عليهم ينتظرون قدومه بصبر وأمل كبير لأن يكون خريفا مبشرا تخضر فيه الارض وتكتسى بجميل الأشجار والنباتات والمحاصيل الزراعية الغذائية والنقدية، وتتكاثر فيه السعية أو كما نتعارف عليها الثروة الحيوانية فالحيوانات تكتسب زيادة فى الوزن وتتغير صحتها الى الأفضل فيقول لك أهل السعية بفرح غامر الخريف السنة سمح كناية عن كميات الامطار الوفيرة التى هطلت وروت الارض وأنتم فيها الكلام الذى تعتمد عليه الثروة الحيوانية فى غذاؤها وهو غذاء طبيعى يخرج من الأرض دون أن تضاف له اى من المواد الكيماوية التى أصبحت تدخل فى إنتاج الاعلاف فى المزارع والمشاريع الحديثة وهنا يحدث الفرق ثروة حيوانية ذات لحم طاعم ولذيذ ولبن ليس له مثيل تتذوق طعمه ورائحتة من أول رشفة كأنك لم تشرب لبنا من قبله فالمذاق والطعم والرائحة والفائدة الغذائية تختلف عن تلك الألبان واللحوم المنتجة من السلالات المهجنة حتى وإن إتفقنا على أنها ذات إنتاجية عالية وعائد مادى معتبر.

وكما قلت فإن الناس هناك فى لهفة وانتظار لهطول أول الامطار فى فصل الخريف ليعودوا الى ممارسة هوايتهم وحرفتهم المفضلة التى تدربوا عليها وعاشوا عليها سنوات طوال فالزراعة والرعى هما الحرفتان الأساسيات لأغلب السكان وعليهما يعتمدون فى معاشهم فإقتصادهم مبنى على زرع الأرض بما تجود به من محاصيل مختلفة باختلاف نوعية التربة فهنا تربة زراعية طينية لاتنتج إلا أنواع معينة من المحاصيل مثل الذرة والسمسم والفول والقطن وأخرى تربة زراعية رملية تنتج مختلف أنواع الذره ومعها السمسم والفول واللوبيا والبطيخ والبامية ومابين هذه التربة وتلك تزداد كثافة الامطار أو تقل حسب المناخ فى هذه المنطقة أو غيرها من المناطق ، فالمزارع محكوم بنوعية التربة الزراعية والمناخ فى منطقته، لكن يظل فصل الخريف هو القاسم المشترك بينهم كعامل أساس لتحريك الاقتصاد والتجارة فبدونه لايمكن أن يحدث إستقرار فى تلك المناطق، لذا فالخريف يكتسب أهميته البالغة عند مجتمعات تلك المناطق فيغنون له عندما تهل بشائره بالسحب الماطرة من ناحية الجنوب ويسمونها أم بشار كبشارة ينتظرونها منذ وقت طويل، وتلك لحظات تتغير فيها أمزجة الناس الى حالة الفرح والسرور بعد أن كانت متكدرة بفعل سخونة الأجواء فى فصل الصيف الحار جدا.

وفصل الخريف هو فصل العمل والإنتاج والنشاط المكثف فأهل الزرع والضرع لايفرطون فى أيامه المعروفة عندهم بالعين بكسر العين وهى فترة معروفة تستمر لمدة ثلاثة عشر يوميا ثم بعدها عينة أخرى الى أن يكتمل فصل الخريف ،عدا عينة الجبهة التى تزيد بيوم واحد ، ويعرفون كيف يتعاملون مع كل عينة حسب تجاربهم وخبراتهم المكتسبة، فأذكر عندما تدخل عينة الطرفة البكاية وسميت بالبكاية لأنها تهطل بإستمرار تتوقف برهة ثم تعاود الهطول وعندها يكون الناس فى حاجة للزمن لإنجاز نظافة الزراعة من الحشائش الطفيلة وتسمى هذه الفترة بالمر بضم الميم.

فهنا إذا أردت الذهاب للعمل فى الزراعة خلال هذه العينة أن تجهز ماتحتاج إليه من أدوات تساعدك فى العمل والأمطار مستمرة ،فعليك بأن تجهز مشمعات بعدد من يعملون معك أو شولات بلاستيك لتساعدك فى الحماية من أمطار الغرفة البكاية ،فبدونها يصبح العمل صعبا لأن لبرودة الأجواء وإبتلال الملابس بمياه الأمطار ،فهذه الطريقة الوحيدة لمساعدة المزارعين للإستمرار فى نظافة زراعتهم وإلا غلبتهم الحشاش بنموها السريع بفعل الأمطار المتواصلة، وعندها تسمى هذه الحالة عند المزارعين بأن بلاد فلان بارت من كثرة الحشائش التى لم يستطيع أن يكمل نظافتها وتعتبر هذه مزمة فى حق المزارع حيث يوصف بالكسل وعدم الإهتمام يقولون أن فلان بلاده غلبته يعنى لم يستطيع أن ينظف المحصول من الحشائش وتبور الأرض وعندها تتملك المزارع الحسرة والندامة وحينها لاتنفع حسرة ولاندامة فالخريف أيامه تمضى بسرعة الى خواتيمها.

Comments are closed.