الزين صالح يكتب: الزيلعي وتاريخية الصراع بين عبدالخالق والمكي

123

بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
يعتقد القيادي اليساري صديق الزيلعي؛ أن حديثه حول مفهوم ” التغيير الجذري” يعتبرها أفكارا مغايرة عن أفكار الحزب الشيوعي حول التغيير” باعتبار أن الجذرية التي يجب الحديث عنها في هذه الفترة أن ترتبط فقط بمهام الفترة الانتقالية، لذلك يجب أن تكون على مرونة تستطيع أن تفتح منافذ عديدة للحوار بين المجموعات السياسية و الاجتماعية المؤمنة بعملية التغيير الديمقراطي، خاصة أن الفترة لا تحتاج لشعارات ذات حملات أيديولوجية، بل هي تحتاج إلي توافق بين التيارات الفكرية المختلفة و المتنوعة، فأي تطرف في القول و وضع شروط للأخرين سوف تنتج صراعا حادا بين التيارات المختلفة. و إذا كان الحزب الشيوعي يريد من القوى السياسية أن تفكر في الأشياء التي يطرحها الحزب و يناصروها، كان يجب أن يتخير الأفكار و يقف موقف الندية و ليس الاستاذية على الآخرين. و الحزب الشيوعي سوف يشعر أنه يقف لوحده في الساحة بعد الأغلبية التي بدأت تنسحب من ” تحالف التغيير الجذري” لكن هل القيادة التاريخية الاستالينية سوف تدرك ذلك؟

في عام 1965م قبل حل الحزب الشيوعي و إبعاد عضويته من البرلمان، كان سكرتيره السياسي عبد الخالق محجوب قد كتب عددا من المقالات بعنوان ” الثورة السودانية و أزمة الوسط” و جاءت مقالات عبد الخالق انعكاس لما حصل بعد ثورة أكتوبر و حل حكومة جبهة الهيئات إلي جانب الصراع مع الحزب الوطني الديمقراطي حيث كان يعتقد عبد الخالق يشكل له مضايقة لرغبته أن يتمدد الحزب في الطبقة الوسطى، التي كانت ملتفه حول الوطني الاتحادي، إلي جانب صوت الحركة الإسلامية الذي بدأ يعلو، و دعوتها المناهضة للشيوعية، لذلك جاء في كتابات عبد الخالق محجوب ( أن قوى الدفع الشاملة للصراع السياسي في السودان، و الآتي من سياق عالمي، قد أدت عمليا إلي الغاء دور قوى ” الوسط” في الساحة السياسية السودانية لصالح صراع بين اليمين و اليسار، و بالتالي أن المرحلة لم تعد ذات طابع ” وطني ديمقراطي” بل هي مرحلة اشتراكية ديمقراطية) و وفقا لتلك المرحلة ذات السياق التاريخي الماضوي، أين كان يقف المجتمع منها؟ و هل أن الصراع على الموارد و الاهتمام العالمي بالسودان بسبب ضعف قوى الوسط؟ أم أن القوى السياسي هي التي لم تستطيع أن تبني قدراتها الفكرية و قاعدتها الثقافية الديمقراطية لكي تواكب عملية الوعي وسط الأجيال الجديدة، و عجزت أيضا أن تقوم بدور الموجه و المنتج للثقافة الديمقراطية. أن مشكلة الحزب الشيوعي هي غياب العناصر المفكرة، و أغلبية القيادات الاستالينية التي تقبض على مفاصل الحزب يغلب عليها العمل التنفيذي، أي أنها جاءت من قطاعات العمل التنفيذي، و ليس لها علاقة بالنشاط الفكري، هؤلاء لن يكونوا صناع أفكار يستطيعون أن يخرجوا الحزب من أزمته، و لا يستطيعون أن يخرجوا الوطن من أزماته، لأن رؤيتهم لا تبعد عن مواطيء أقدامهم، و طوال تاريخ الحزب هؤلاء لم يكونوا جزءا في أي مناظرات فكرية. و دلالة على ذلك تجدهم يعتمدون على الشعارات، كي يملأوا بها فراغا وقتيا، حتى لا تدخلهم في حرج الحوارات الفكرية.

أن صراع الأفكار الذي دار بين القيادات التي كانت تشتغل بالفكر داخل الحزب الشيوعي في عقد الستينات، خاصة بعد طرد نوابه من البرلمان و حل الحزب الشيوعي في عقد الستينات، و قبل انقلاب مايو، أخذ حوارهم منعطفا أخر حول الخيارات لعودة الحزب أو أفكاره للساحة السياسية. كان أبطال السجال الفكري عبد الخالق محجوب و عمر مصطفي المكي الذي كان مسؤولا عن مجلة الشيوعي التي تهتم بالأفكار و أحمد سليمان. و كان الجدل الفكري قد أخذ منحنيات عديدة، لكنها كانت تبين أن الزملاء يفكرون في أقصر الطرق للوصول للسلطة، يقول عبد الخالق محجوب في كتاب “الماركسية و قضايا الثورة السودانية” في رؤيته لقضية الديمقراطية ( أن القوى الثورية تمتلك إمكانية واسعة لتطوير نشاطها في ظل النظام الديمقراطي البرلماني الليبرالي، و هذا النظام تتقطع أوصاله يوما بعد يوم على على يد قوى اليمين، فتصبح الحقوق الديمقراطية نفسها أداة في يد الحركة الثورية لتطوير نضالها، و دعم مواقعها في البلاد” و فكرة عبد الخالق عن الديمقراطية غير واضحة، و الواضح تماما رفضه لفكرة الديمقراطية الليبرالية. لكن عبد الخالق كان مؤيدا لحل الحزب الشيوعي المصري نفسه و دخوله في الاتحاد الاشتراكي المصري. و خلال ندوة له في عطبرة قد أيد الحل. و في ذات الاتجاه كان أحمد سليمان يؤيد تحرك القوات المسلحة من أجل الوصول للسلطة. و في ذات الاتجاه كتب عمر مصطفي المكي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي في ذلك الوقت مقالا يحاور فيه عبد الخالق محجوب بعنوان ” الديمقراطية في أفريقيا” يقول في المقال ( أن الديمقراطية لا تأتي في تعدد الأحزاب بل في وجود قيادة ثورية تحرك الجماهير و تدفعها. و لا يمكن توفر الحرية و النظام الديمقراطي في ظل الاستعمار و أن قضية الديمقراطية ترتبط ارتباطا عضويا دقيقا بقضية التحولات الاجتماعية بدون هذه الصلة تكون الديمقراطية جوفاء) و حوار الأفكار لم يظل داخل منشورات الحزب الداخلية، بل أنتقل إلي خارج الحزب، حيث كان عمر مصطفي المكي يكتب مقالاته في جريدة ” الأيام” و عبد الخالق محجوب يكتب في جريدة ” أخبار الأسبوع” مما يؤكد أنهم يريدون تشكيل رأي عام حول فكرتهم عن الديمقراطية التي يؤسسها الديمقراطيون الثوريون، و هي فكرة الحزب الواحد التي طبقتها مجموعة عمر مصطفي المكي و أحمد سليمان و معاوية أحمد إبراهيم بعد انقلاب 1969م، هي قيام “الاتحاد الاشتراكي السوداني” على خطى مصر.

بعد انقلاب مايو الذي قام به “الشيوعيين و القوميين” نقد عبد الخالق حل الأحزاب، لكنه لم يسقط فكرة أن الديمقراطية تؤسس على الثورية، و يمكن أن تتمثل في حزب واحد. حيث كتب ( أن مستقبل الثورة السودانية؛ و هي تعيش مرحلتها الوطنية الديمقراطية، و تنتقل من فترة إلي أخرى جديدة يعتمد على مواصلة النشاط الثوري للحزب الشيوعي، و كافة القوى الثورية لبناء الجبهة الوطنية الديمقراطية) عبد الخالق يعتقد أن الانقلابات يمكن أن تحدث واقعا ثوريا ديمقراطيا يسيطر عليه الحزب الشيوعي. هذه الرؤية الفكرية لقضية الديمقراطية في البلاد، هي السائد في العقلية الشيوعية. و إذا كان المؤتمر الخامس و السادس للحزب الشيوعي أدان الانقلابات العسكرية للوصول للسلطة. لكنهم لم ينقدوا أفكار عبد الخالق و عمر مصطفي المكي بأن الديمقراطية ليست شرطا أن تكون ليبرالية، بل يصنعها الديمقراطيون الثوريون. و النموذج الذي كانوا قد اتفقوا عليه هو ” الاتحاد الاشتراكي في مصر و نظام الحكم في غينيا الشبيه به” إذا فكرة الحزب الواحد مع ديمقراطية صورية، هي الفكرة التي تدعو لها القيادات الاستالينية اليوم، عندما تتحدث عن تحالف القوى الثورية. و تأسيسها ل” تحالف قوى التغيير الثوري” أن رفض الحزب الشيوعي الدخول في حوار مع أي قوى سياسية، أو تحالف سياسي نابع من هذه القناعة. بأن الحزب الشيوعي يجب أن يختار القوى التي يجب أن تتحالف معه لإنتاج نظام الاتحاد الاشتراكي الذي أسسه عبد الناصر. باعتباره الرؤية الفكرية المثبته في أدبيات الحزب الفكرية، و حتى الأن لم تجد أي نقد لها من قبل العضوية حتى يتم تخطيها و اعتبار أن التاريخ قد تخطاها.

هناك من يقول أن أفكار عبد الخالق وعمر مصطفي المكي فرضتها ظروف تاريخية “سياسية واجتماعية” والسياق الذي أنتجت فيه يختلف عن سياق اليوم. لكن الفكرة رغم بعدها التاريخي ماتزال تسيطر على عقلية القيادات الاستالينية القابضة على مفاصل الحزب اليوم، والتي ترفض أي حوارات فكرية يمكن أن تنقد تلك الأفكار، وتأتي بأفكار جديدة. أو يكونوا متمسكين بمقولة التجاني الطيب “أهدم عبد الخالق تهدم الحزب الشيوعي” في رده على مقال البرفيسور فاروق محمد إبراهيم الذي تناول فيه نقد عبد الخالق كل قرارات المؤتمر الاستثنائي الذي كان عقد في 1970 في الجريف والمنشور في مجلة قضايا سودانية التي كان أسسها الحزب من أجل الحوار حول مراجعة المرجعية الفكرية للحزب وتغيير أسمه.

أن صديق الزيلعي عندما يقدم تصوره حول “التغييرات الجذرية” ويربطها بعملية التحول الديمقراطي، هو يريد أن يفتح منافذ للحوار الفكري، وفي الندوة التي أقامها رابطة خريجي جامعة الخرطوم بالمملكة المتحدة وأيرلندا بعنوان “الوضع السياسي الراهن” حاول الدكتور صدقي كبلو أن يسير بعض الخطى على طريق الزيلعي لكنه لم يحدث موقفا جديدا. لأ، القضية موضع الحوار هي تحتاج لنقد يطال البنية الفكرية التي تقف عليها القيادة الاستالينية، ومثل هذا النقد إذا حدث في المنابر خارج الحزب سوف ينتقل بحكم الاقبال الذي يجده داخل الحزب الأمر الذي يرفضه مناصري “المركزية الديمقراطية” لذلك عندما كتب القيادي في الحزب الشيوعي تاج السر عثمان أبو مقالا بعنوان “ما الهدف من الهجوم على الحزب الشيوعي” لم يرجع للبنية الفكرية التي أنتجت هذا الهجوم مقارنة بأفكار قضية الديمقراطية المدونة في أدب الحزب ويحاول أن يوضح أن الحزب لم يستطيع أن يغيير ثقافته طوال هذه السنين رغم التغييرات التي تحدث في المجتمعات والمعارف. لكن لآن بابو لم يستطيع أن يخرج من الكتابات الكلاسيكية للماركسية التي أنتج أواخر القرن التاسع عشر، لم يستوعب أن النقد أحد الأعمدة الأساسية للديمقراطية، وأن الديمقراطية ترسخ في الثقافات والواقع من خلال الممارسة.

فإذا خرج الأستاذ من دائرته التاريخية وقرأ الكتابات الجديدة لماركسيين نقدوا الماركسية الكلاسيكية. سوف يوجه قلمه فقط للبنية الفكرية التي تعتمد عليها القيادات الاستالينية داخل الحزب. فالثورية لا تنتج ديمقراطية مطلقا. واعطينا تجربة واحدة في العالم أن هناك ثورين أقاموا نظاما ديمقراطيا. أن الزيلعي قد فتح بابا للحوار يحاول أن يقارب به بين المجموعات في الساحة السياسية، رغم الاختلاف معه أن الديمقراطية لا تؤسس باختيار القوى ورفض البعض الها، من اراد الديمقراطية عليه أن يفتح كل منافذ الحوار في المجتمع لكي يضم أكبر قطاع في المجتمع مساند لها مع التقدير والإحترام لنضالات الزملاء التاريخية. ونسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.