الزين صالح يكتب: التسوية وحقائق اجتماعات الغرف المغلقة

330

بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
عندما اشتد الخلاف بين المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير قبل توقيع الوثيقة الدستورية بدأت اجتماعات سرية في الغرف المغلقة يقودها رجال اعمال سودانيين لتقريب وجهات النظر بين المجموعتين العسكرية والمدنية، واستطاع رجال الأعمال أن يعقدوا اجتماعات مشتركة بين عسكريين وقيادات مدنية الهدف منها كان كسب العناصر المرنة التي تستطيع التأثير في بقية القيادات الأخرى. وبعد الانقلاب أيضا تحرك رجال الاعمال بهدف الرجوع للشراكة وتعديل الوثيقة الدستورية، لكنهم لم يوفقوا في مسعاهم، واستطاعوا أن يقنعوا حمدوك بتوقيع الاتفاق تدعمهم بعض القيادات في قوى الحرية والتغيير، لكن فشل المسعى بسبب تمسك الشارع برفض الشراكة وتسليم السلطة للمدنيين، وأيضا حاول رجال الأعمال أن يحركوا بعض المبادرات إذا كانت من الجامعات أو مبادرات أخرى بهدف كسر الجمود السياسي في الساحة السياسية. وعندما بدأت اللجنة الثلاثية في السماع لوجهات نظر القوى السياسية حول رؤيتها لحل المشكل السياسي، وأصبحت القوى المدنية تعاني من انقسامات شل قدرتها على التفكير الصحيح، بدأ المجتمع الدولي يتحرك بين الأطراف لرأب الصدع بينها، وكان اللقاء بين قوى الحرية والمكون العسكري في بيت السفير السعودي بحضور أمريكي، ولم يسفر اللقاء عن حل للمشكل. ثم جاء اللقاء الثاني لم يسفر عن شيء، ثم اللقاء مع مجموعة الميثاق، وجميعها تهدف لتقريب وجهات النظر.

كانت اللجنة الثلاثية مدعومة من قبل المجتمع الدولي تبحث عن واجهة وطنية تستطيع أن تحدث أختراقا في الأزمة السياسية، وتقنع المجموعات المتصارعة للجلوس للحوار والتوافق من أجل الوصول لاتفاق لإدارة الفترة الانتقالية، والتي يجب أن تكون قصيرة المدة ودخول البلاد في انتخابات عامة، لذلك جاءت فكرة مبادرة أم ضوا بان للشيخ الطيب الجد، المبادرة في البداية لم تكن فكرة المؤتمر الوطني، ولا القوى التي كانت المشاركة في الإنقاذ، ولكن بعد هرولت عناصر النظام وقيادات القوى التي كانت مشاركة في النظام للمبادرة، أصبحت المبادرة لا تستطيع أن تخدم عملية الحوار السياسي بسبب مقاطعة قوى الحرية والتغيير بشقيها، وأيضا الحزب الشيوعي ولجان المقاومة، ولكن أصبحت الرؤية أن تكون المبادرة تجميع لقوى سياسية تقدم من خلالها رؤية للحل. والملاحظ في الجلسة الافتتاحية حضور عبدالرحمن الصادق المهدي من حزب الأمة وأحمد سعد عمر من الحزب الاتحادي الأصل. لكنهما لم يواصلا الحضور بعد تلك الجلسة. وأصبحت المبادرة تمثل قوى بعينها دون الأخرين.

ضغط المجتمع الدولى على المكون العسكري لكي يتخذ هو نفسه مبادرة تهدف إلي فتح الطريق للحل، لذلك كان استقبال البرهان رئيس مجلس السيادة وقائد الانقلاب عدد من من أعضاء السلك الدبلوماسي، خاصة من دول “أمريكا والسعودية والترويكة الأوروبية” وهذه اللقاءات هي التي اسفرت بخروج العسكر عن الحوار السياسي، وجعل الحوار قاصرا فقط على القوى المدنية. لكن المشكل أن القوى المدنية نفسها هي منقسمة على نفسها، وترفض أي حوار بينها. هنا تدخل رجال الأعمال مرة أخرى لتقريب وجهات النظر. حيث أصبح رجال الأعمال أداة للعب دور في تقريب وجهات النظر بين المدنيين. وعقد لقاء حواري بين قوى الحرية المركزي والتوافق الوطني في منزل رجل الأعمال النفيدي، وقدمت القيادات السياسية تنازلات بهدف الوصول لاتفاق يمهد الطريق للحل، لكن كيف يتم ذلك في ظل الخلاف الحاد بين المجموعتين، لذلك جاءت فكرة ورشة للدستور الانتقالي التي أقامتها اللجنة التسيرية لنقابة المحاميين، باعتبارها مؤسسة مقبولة من قبل الجميع، وأيضا مقبولة من قطاع واسع من الشعب، والورشة هي التي تقدم الدعوة للقوى السياسية ماعدا المؤتمر الوطني، ومن خلال الورشة تستطيع القوى السياسية أن تدير حوارها السياسي، وتكون مخرجات الورشة هو البرنامج الذي يؤسس لعملية التوافق بين القوى السياسية. وأن القوى السياسية التي تحضر الورشة وتشارك في النقاش هي التي تخلق التحالف السياسي الجديد.

أن القوى السياسية التي حضرت الورشة متفقة بعدم الرجوع للشراكة مع العسكر، إلي جانب أنها أتفقت أن يكون هناك اتفاقا سياسيا بينها دون فرض أي شروط من قبل أي مكون. وليس هناك مانعا أن تكمل مجموعة الميثاق مشروعها السياسي وتنشره للحوار ، وأيضا أن تصدر مجموعة المركزي ميثاقها، ويتم طرح الميثاقين للحوار لتقريب وجهات النظر بينهما، لكن في هذه الفترة يجب تخفيف حدة الخطاب السياسي والتراشق الأعلامي، بل أن يصبح الخطاب السياسي أكثر مرونة بهدف نجاح المبادرة، ومن هنا بدأ الخطاب السياسي يكون أكثر مرونة وهدوء من السابق. ولكي تضمن عملية توسيع قاعدة المشاركة أصبح هناك قبولا للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، وأيضا لحزب المؤتمر الشعبي وعدد من القوى الأخرى التي شاركت في حوار ورشة الدستور الانتقالي.

المؤكد منه تماما أن المجتمع الدولي يراهن على أن تضم أي تسوية قوى الحرية والتغيير مجتمعة، إلي جانب لجان المقاومة، وهؤلاء هم الذين يشكلون القاعدة الأساسية لعملية التسوية السياسية المقبلة، باعتبار أن الحزب الشيوعي يريد حلولا جذرية، ولا يرغب في أي حل سياسي يجمعه مع القوى الأخرى. كما أن الحزب الشيوعي في ظل هذه الأزمة يريد أن يجعلها أداة لاستقطاب بعض الشباب في لجان المقاومة لكي يستعد لفترة معارضة لما بعد الفترة الانتقالية. والتسوية السياسية المقبلة لن تضم العسكر ولا عناصر المؤتمر الوطني، بل تضم كل القوى المؤمنة بعملية التحول الديمقراطي في البلاد.

واستطاعت عناصر من رجال الأعمال السودانيين أن تلعب دورا مهما جدا في ردم الهوة بين المدنيين، واستطاعوا من خلال اللقاءات في الغرف المغلقة أن يديروا العملية السياسية بهدوء كامل بعيدا عن السابلة والبصاصين، ويعتقد بعض من هؤلاء أن الديمقراطية لا تؤسس بالشروط التي تحاول بعض القوى السياسية فرضها على الأخرين، بل تحتاج للمرونة من أجل الوصول لتوافق وطني، وأيضا من أجل توسيع أكبر قاعدة للمشاركة الاجتماعية حماية للديمقراطية. ونسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.