الزين صالح يكتب: القيادات وتصورها لاستلام السلطة

375

بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
قالت الدكتور مريم الصادق عن لقائها مع فولكر بيرتس رئيس بعثة اليوتنامس، أنها أكدت له (أن الإسراع في استلام الحكم المدني حاجة ملحة لازالة المعاناة التي يكابدها الشعب السوداني من غلاء، و ندرة الدواء، وكوارث السيول والفيضانات ( وأضافت قائلة (أن الإسراع في استلام الحكم المدني حاجة ملحة لازالة المعاناة التي يكابدها الشعب السوداني من غلاء، وندرة الدواء، وكوارث السيول والفيضانات، فضلا عن بسط هيبة الدولة وإنهاء النزاعات التي عصفت بأمن المواطنين في مختلف الأرجاء واستعادة التعاون البناء مع المجتمع الدولي) لكن الدكتورة مريم لم توضح ما هي الخطوات المطلوبة لكي تتم عملية الاستلام؟ ومعلوم أن عملية الاستلام ليست مسؤولية البعثة الأممية، بل مسؤولية القوى السياسية السودانية، على أن تتفق على حكومة للفترة الانتقالية، أو حتى أتفاق على رئيس وزراء و توكل إليه عملية أختيار بقية حكومته بمعايير واضحة للأختيار.

لكن هل الدكتور مريم تستطيع أن تجاوب على سؤال؛ هل القوى السياسية لديها الإرادة والرغبة من أجل التوافق لاستلام السلطة من العسكريين؟ أم تريد العسكر لوحدهم يقدموا السلطة للمدنيين دون أي شروط لعملية التوافق الوطني؟ و إذا استجاب العسكر لتقديم السلطة إلي أي مجموعة مدنية أي مجموعة تعتقد أن تقدم لها؟
هناك بعض القيادات السياسية تحاول أن تجد لعجزها تبريرات، عندما تقول أن العسكر يناورون ولا يريدون البعد عن السلطة. أو تقول أن العسكر على يقين أن القوى السياسية لن تصل إلي اتفاق مطلقا، ويبقى العسكر في السلطة. وتصبح القضية مسؤولية القوى المدنية. والقيادات السياسية على علم كامل أن المجتمع الدولي هو الذي يضغط في اتجاه تسليم السلطة للمدنيين. وكان على القوى السياسية أن تضع العسكر في اختبار حقيقي بدلا عن البحث عن تبريرات تبرر بها عجزها. وحقيقة العجز تفرضه دوافع السلطة، باعتبار كل مجموعة سياسية تعتقد هي التي تمثل الثورة دون الأخريات، وهي التي يجب أن تسلم لها السلطة وتنفذها بالصورة التي تعتقد أنها تحدث التغيير الذين ينادي به الثوار. أن سيادة فكرة السلطة على العقل السياسي، هي التي تقيد هذا العقل ولا تجعله يفكر التفكير الصحيح الذي يخدم عملية التحول الديمقراطي في البلاد. وهي نفسها التي تجعل الحوار بينها غير ممكن. لآن فكرة السلطة واغتنامها تجعل صاحبها يحاول أن يضيق عملية المشاركة فيها حتى يكون هو القوى التي تتحكم في إدارة الفترة الانتقالية.

أن العملية السياسية بعد الانقلاب أصبحت أكثر تعقيدا، وتحتاج لتفكير خارج الصندوق، خاصة بعد حدوث شروخ عديدة في جسم القوى المدنية، إذا كانت في تحالفات الأحزاب أو القوى المهنية و منظمات المجتمع المدني، وهذه الشروخ كل يوم تزيد اتساع الشقة بينها، الأمر الذي يطيل عمر الانقلاب. والقوى المؤمنة بعملية التحول الديمقراطي هي المناط بها دون غيرها أحداث أختراق في جسم الأزمة، ليس بالتباري من خلال تقديم المبادرات، حيث يشهد كل صباح مبادرة جديدة يعتقد أصحابها هي المبادرة التي يجب أن يلتف حولها الجميع. بل المطلوب أن تشرع مجموعة مباشرة في تفتح حوارات عديدة مع كل المجموعات استثناء وتتحمل مسؤولية الخطوة التي تقوم بها، وتهدف من الحوارات أن تصل ألي تحديد المشتركات والقضايا المختلف عليها، ربما يستهجن البعض الخطوة لكن لا مناص من كسر الحواجز النفسية في العملية السياسية. أن السياسة تحتاج بعد المرات إلي خطوات جريئة تكسر بها التابوهات التي صنعتها القوى السياسية بنفسها في مراحل تاريخية، وتعتقد إنها سوف تحقق بها مقاصدها ثم تكتشف أنها عوائق صنعتها بنفسها.

أن القيادات السياسية المؤمنة بعملية التغيير والتحول الديمقراطي يقع عليها عبء تهيئة البيئة المناسبة للحوارات الفكرية والسياسية، لأنها سوف تساعد على خلق واقع سياسي جديد يحترم فيه الرآي الأخر، والكل يعتقد أنهم يملكون جزءا من الحقيقة، وليست الحقيقة كلها التي تهمش الأخرين. وأيضا يجب عليها أن تدير عملية فحص الأدوات التي تساعد على التغيير، وإنتاج الخطاب السياسي المناسب، و مهما كانت هناك قوى متطرفة في رأيها سوف ترضخ للحوار عندما تجد نفسها معزولة عن حراك سياسي بدأ يغير في وعي المجتمع، ويخلق وعيا جديدا يتناسب مع المرحلة القادمة.

أن القوى السياسية تشتكي من الدور الذي تلعبه عناصر النظام السابق، وفي الاعتقاد ليس هو المهم. لآن التحدي الكبير الذي تواجهه عملية التحول الديمقراطي، هي الثقافة الشمولية التي تراكمت عبر النظم الدكتاتورية العسكرية المختلفة لعقود، وهذه الثقافة الشمولية هي التي تشكل بها وعي الناس، وبالتالي أصبح الأغلبية يحملون هذه الثقافة مع رفع شعارات ديمقراطية تتناقض معها كليا لذلك تجد الممارسة تتناقض مع الشعار وأصبح التناقض واضحا، وتحاول القوى السياسية أن تجد له تبريرا مقبولا فلا تجد غير أن ترمي بالأئمة على عناصر النظام السابق. وكان على القوى السياسية أن تتحسب منذ سقوط النظام أن عناصر النظام السابق لن يستسلموا، بل سوف يخوضون صراعا عنيفا من أجل الحفاظ على مصالحهم. لكن مشكلة قوى التغيير أهملت عملية إنتاج الثقافة الديمقراطية التي يجب أن تنداح على الثقافة الشمولية وتحاصرها، وهذا يتأتي بالممارسة الديمقراطية المستمرة ليس على مستوى الدولة فقط. أيضا في الأحزاب نفسها والمنظمات المجتمع المدني وفي قاعات الدراسة والرياضية وكل النشاط الانساني، وحتى الندوات السياسية. فالثقافة الديمقراطية تنتج من خلال الممارسة اليومية. فالديمقراطية ليست سلطة وأدواتها فقط ، بل أيضا سلوك وممارسة يومية ترعاها الأحزاب السياسية. ونسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.