الزين صالح يكتب: الحلم الأمريكي والديمقراطية في السودان

116

بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
بعد قبول الفريق أول عبد الفتاح البرهان أوراق أعتماد السفير جون غودفري سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية لدى السودان. وعقب مراسم الاعتماد قال السفير غودفري في تصريح صحفي (أن اعتماده سفيرا لبلاده لدى السودان، بعد فراغ امتد ٢٥ عاما، يعد تأكيدا علي التزام الولايات المتحدة بتعزيز وتعميق علاقاتها مع الشعب السوداني) وأضاف قائلا (أنه يتوقع خلال المدى القريب، تشكيل حكومة جديدة في السودان بقيادة مدنية، ضمن سياق حوار وطني شامل يضم جميع الأطراف السودانية) يصبح السؤال كيف يستطيع أن يوفق بين جميع الأطراف المتصارعة، والعديد من المبادرات التي تخرج في كل يوم من مجموعة تختلف عن الأخريات؟ الإجابة على السؤال؛ هو التحدي الذي يواجه السفير الأمريكي والمجموعة الأخرى التي توافقه الرأي، وسوف تعمل معه في ذات الاتجاه، بهدف تقريب وجهات النظر، والهدف الأساسي هو الوصول لفترة انتقالية تنقل البلاد لعملية تحول ديمقراطي حقيقي.

معلوم لكل الذين إطلعوا على التشريعات الأمريكية التي تحدد كيف تتعامل أمريكا مع البلاد التي يقع فيها انقلابا عسكريا أن توقف كل التعامل معها، وتوقف المساعدات التي كانت تقدم لها، فضلا عن توقيع عقوبات عليها، لكن الإدارة الأمريكية نفسها بعض المرات تتحايل على هذه التشريعات وفقا للمصالح الأمريكية، لذلك لم تعلن أمريكا أن الذي وقع في السودان صبيحة 25 أكتوبر 2021م هو انقلابا عسكريا، ثم تتعامل معه وفقا للتشريعات المنصوص عليها، بل اعتبرته انقلاب على الشراكة في الحكم بين طرفين موقعين على وثيقة دستورية ويمكن إصلاحه وفقا لهذه الوثيقة. لذلك أيدت مبادرة الأمم المتحدة لرأب الصدع وعودة المدنيين للحكم مرة أخرى بحكم ما جاء في الوثيقة، لذلك كان الاهتمام بالتواصل مع قوى الحرية والتغيير باعتبارها أحد طرفي الوثيقة الدستورية، والمحاولات التي قادتها نائبة وزيرة الخارجية الأمريكية مولي في أبان زيارتها الخرطوم مع سفير المملكة العربية السعودية وجمع طرفي الوثيقة الدستورية تؤكد ذلك.

وإذا نظرنا نظرة فاحصة إلي تصريح السفير الأمريكي، نجد أن حديثه مركز على سلطة مدنية خالصة، وهي القاعدة المتفق عليها بين كل الأطراف، وأبعاد العسكر من العمل السياسي عبر مؤسسات الدولة، القضية الأخرى أن السفير لن يسقط الوثيقة الدستورية، لأنها تعتبر نقطة انطلاقه للتعامل مع القضية السودانية وسعيه لعملية التوافق الوطني. لذلك استهل السفير لقاءاته مع بعض من اسر الشهداء، وهؤلاء هم الذين وقعت عليهم الفاجعة، ويكونون أكثر ألما وحزنا من متغيرات السياسية وتقلباتها. ثم ألتقى ببعض المجموعات المهتمة بالسياسة ولكنها ليس بالقرب المطلوب من دائرة الانتماء الحزبي. وسوف يواصل هذه اللقاءات مع كل الذين جعلوا أقدامهم علي خشبة المسرح السياسي، هذه اللقاءات سوف تجعله يأخذ فكرة عامة عن مجريات الوضع السياسي في السودان، إلي جانب معرفة كيف يفكر الناس في الحل، وهي محاولة لجمع المشتركات وتصنيفها وتحيلها، ثم كيف التعامل من خلالها.

قال السفير الأمريكي في ختام تصريح الصحفي جملة في غاية الأهمية، وهي تعد المفتاح الذي يحاول أن يدير به عملية التقارب بين مشتركات الكل، حيث قال (أعتبر وجودي في السودان؛ فرصة للتعرف على الشعب السوداني وفهم ثقافته بصورة أفضل.) ومعلوم أن الثقافة أقرب طريق لمعرفة كيف يفكر أهل الثقافة، كما هي المدخل لكل المجموعات المتنوعة التي تشكل النسيج السوداني في التنوع والسياسة، وأيضا هي التي تشكل شخصياتهم واهتماماتهم وأذواقهم وتؤثر في سلوكهم، وتقصر طريق المعرفة، فالرجل تم اختياره باعتباره كان يعمل منسقا لمكافحة الإرهاب ومستشارا في الرياض ومسؤولا سياسيا في سفارة أمريكا في سوريا، ويتقن العربية بطلاقة. والخرطوم تعتبر ترفيعا للرجل كسفير، هذه الخبرة تبين؛ من أين سوف يبدأ الرجل مشوار مهمته من أجل جمع السياسيين السودانين تحت رأية التوافق الوطني، بهدف الوصول إلي السلطة المدنية التي تعتبر أداة للانتقال الديمقراطي في البلاد، فالثقافة الشعبية هي جواز مرور أما الثقافة الديمقراطية التي يحملها هي التي سوف تضع قواعد الحوار وعملية الاقناع.

والسلطة العسكرية مادام سمحت لنائبة وزير الخارجية الأمريكي مولي في مجهوداتها مع السفير السعودي لرأب الصدع بين المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير، أنها لا تمانع في تحرك السفير الأمريكي من أجل التقارب بين المكونات السياسية المختلفة، وليس هناك قناعة أن تضع بعض الشروط لعملية التوافق. لكن السفير سوف ينطلق من قاعدة مهمة جدا “هي ثقافته الديمقراطية” وهناك فارق كبير بين المثقفين الغربيين والسودانيين حاملي الثقافة الديمقراطية، فالأخيرة ثقافة ديمقراطية ضعيفة مختلطة بكثير من شوائب الثقافة الشمولية المتراكمة لأكثر من نصف قرن، هي حكم النظم الشمولية التي حكمت البلاد، وكانت الإنقاذ أكثرها إنتاجا للثقافة الشمولية، وهو التحدي الذي سوف يواجهه السفير الأمريكي في عملية تشكيل السلطة المدنية. أنه يتحدث مع قوى ترفع شعارات ديمقراطية و تتعامل من خلال ثقافة شمولية، والثقافة الأخيرة هي التي تدفعهم أن يقدموا شروطا تجعل كل فئة تريد القول هي الأصلح أن تدير البلاد دون الأخرين.

المشكلة الأخرى في الأزمة السودانية؛ أن المجموعات السياسية المختلفة ليست متجردة في عملية التحول الديمقراطي، فكل مجموعة تعتقد هي الأحق في استلام سلطة الفترة الانتقالية، الأمر الذي يصعب المهمة على الذين يحاولون البحث عن مخرج للأزمة. فتعلق كل مجموعة بالسلطة يجعلها تضع شروطا تحاول أن تحرم بها بقية المجموعات الأخرى، أو السعي لحرقها جماهيريا. وإذا استطاعت هذه المجموعات أن تتجرد من فكرة السلطة، سوف تفسح الطريق للحل السياسي والاتفاق على تشكيل حكومة مدنية. لكن الخوف الأكثر أن كل المجموعات السياسية ليس عندها القدرة الكافية أن تقنع لجان المقاومة أن توقف خروج مسيراتها المتواصلة، وأيسر الطريق هو أن يبدأ الحوار مع لجان المقاومة، خاصة الذين ليس لهم ولاءات سياسية أو انتماءات سياسية. وهؤلاء هم الذين سوف يشكلون الأرضية الأولى للحوار حول السلطة المدنية. أن حديث السفير الأمريكي بأنهم بصدد تشكيل حكومة على المدى القريب، سوف لن يتم لها النجاح إلا إذا بدأت الحوار الجاد مع لجان المقاومة غير المحزبين. ونسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.