الزين صالح يكتب: النخبة السودانية والمصرية على صفيح ساخن

347

بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
الأسئلة المهمة المرتبطة بالمصالح السودانية خارج الحدود والتي يجب أن تجيب عليها النخبة السياسية السودانية “عسكرية ومدنية” على مختلف تياراتهم الفكرية قبل الدخول في مضمون المقال. هل هذه النخبة واعية لمصالح البلاد الحقيقة في آطار علاقتها مع الدول الأخرى، وكيفية تحقيق هذه المصالح؟ هل هذه النخب مدركة أن تحقيق المصالح والحفاظ عليها هي مهمة الدولة ومؤسساتها؟ هل مصالح الدولة السودانية تحققها لها إدارة دولة أخرى أم الإدارة السياسية في الدولة؟ وأين الإدارة السياسية في الدولة السودانية التي يقع عليها عبء الحفاظ على المصالح السودانية؟ لماذا فشلت النخبة السياسية السودانية منذ الاستقلال وماتزال تواصل الفشل في صناعة مؤسسات الحكم الدائمة لكي ترع المصالح السودانية؟ مصر واعية لمصالحها في السودان وتفحص باستمرار أدواتها المناط استخدامها لتحقيق هذه المصالح. هل النخبة السودانية السياسية واعية لمصالحها في مصر وكيفية تحقيق هذه المصالح؟ وهل لنا في السودان مراكز بحوث ودراسات تسهم في توضيح هذه المصالح؟

أن الندوة التي أقامها المنبر الثقافي بجنوب كاليفورنيا بعنوان “مستقبل العلاقات السودانية المصرية في ظل المتغيرات الراهنة” وتحدثت فيها الدكتورة أماني الطويل الباحث في مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية. والدكتور النور حمد والأستاذ غسان عثمان على “مقدم برنامج الوراق في قناة سودانية 24” وعقب عليها الدكتور طلعت محمد الطيب. ليست هي الندوة الأولي التي ناقشت قضية العلاقة والمصالح بين السودان ومصر، بل كانت هناك ندوات عديد أقيمت لمناقشت الموضوع، حيث أقام “مركز أبحاث الديمقراطية والدراسات الاستراتيجية” في أستراليا ندوتين استضاف فيها الدكتورة أماني الطويل، والغريب أن الدكتور دائما تتعرض للتجريح الشخصي من قبل المتداخلين، ورغم ذلك لا ترفض تلبية الدعوات من المنابر السودانية.

الملاحظة الأولى: في الندوات التي يقيمها السودانيين عن العلاقات السودانية المصرية، والتي يجب الإشارة إليها أن أغلبية النخب السودانية خاصة المتداخلين يحضرون الندواتو هم غير مطلعين على الموضوع أطلاع علمي يجعل حديثهم مرتبا يعتمد على منهج نقدي أو تقديم وثائق تجعل الموضوعية في الحديث، بل يحضرون رغبتهم تفريغ مخزون يعتقده تظلمات يجب على الأخرين الاعتراف به، الأمر الذي يحرج الذين رتبوا لهذه الندوات.

الملاحظة الثانية: أشار إليها الأستاذ غسان عثمان بقوله: أن النخبة السودانية لم تستطيع أن تخرج من شرنقة التظلمات التاريخية حتى تستطيع أن تنظر للمستقبل بصورة أفضل لتأسيس علاقة مستقبيلية قائمة على المصالح المشتركة.

الملاحظة الثالثة: جاءت من خلال حديث الدكتورة أماني الطويل في ردها على الدكتور النور حمد؛ وكانت الدكتور أماني الطويل قالت: أن سلاح المهندسين المصريين هو الذي جاء بالكباري المركبة التي عبرت بها القوات السودانية الأنهار العديد و المجاري المائية لاسترداد أراضي الفشقة الكبرى والصغرى. رد عليها الدكتور النور حمد هذه العملية هي التي خلقت جفوة بين السودان وأثيوبيا. قالت أماني الطويل ردا على ذلك أن الخلاف بين النخبتين السودانية والمصرية هي طريقة التفكير. النخبة المصرية وحتى المجتمع المصري يعتقدون أن الذي يساعدك على استرداد أرضك هو الصديق الحقيقي، والذي يجب أن تقف إلي جانبه وتستمر في العلاقة معه. كان المتوقع من الدكتور النور حمد يقول شكرا على هذه المساعدة من قبل مصر ساعدتنا على أسترداد أرضي الفشقة، لكن ذلك لا يمنعنا من حق استرداد أراضي سودانية أخرى في “حلايب وشلاتين” أن يستخدم المنهج البرجماتي الذي يقوم على تحقيق المصالح. حقيقة أن النخبة السودانية ينقصها الخبرة في إدارة الأزمات وكيفية تحقيق مصالح الدولة. إذا وجدت مساعدة أن استرد أرضي سودانية تستثمر فيها دولة أخرى أرفض ذلك حتى لا تسوء علاقتي مع الدولة التي تستحوذ عليها، هذا بالفعل منطق قريب. أخذ ارض وأدخلها لحضن الوطن وهذا لا يمنع أن أسعى أيضا لاسترداد حلايب وشلاتين.

الملاحظة الرابعة: أن الدكتورة أماني الطويل منذ أوائل تسعينات القرن الماضي وهي تمارس مهنة الصحافة، كانت مهتمة بالشأن السوداني، ثم أصبحت باحثة في مركز دراسات الأهرام مسؤولة عن الشأن الأفريقي، ومن ضمن هذه الدراسة يحتل السودان مساحة واسعة، وبالتالي هي متخصصة في الموضوع الذي دعيت له. السودانيين يهتمون بالجوانب الإعلامية والسياسية دون وضع اهتمام للتخصصية، الأمر الذي يجعلهم ينحرفون بالحديث إلي استدعاء التاريخ وتظلماته، مما يجعل الحديث فاقد للمنهجية، وعدم الإتكاءة على القاعدة المعرفية والوثائقية. أن دعوة المتخصصين في الموضوع المطروح وتقديم فرص المداخلات فقط للمتخصصين مسألة ضرورية جدا، حتى نعرف ماذا نريد أن تكون هذه العلاقات. لكن تقديم فرص لمتداخلين ليس لهم إلمام بالموضوع معرفيا يضر بالندوة وأيضا بالمنبر صاحب الدعوة.

الملاحظة الخامسة: مصر عند تحقيق مصالحها في السودان تكون مستوعب لهذه المصالح، وبما أنها دولة قديمة، وتلك مؤسسات راسخة، تحاول توظيف كل هذه المؤسسات لخدمة مصالحها، ولا اعتقد يقع عليها اللوم. لكن الدولة السودانية غير المستقرة والنخبة التي تتصارع حول السلطة، ليس لها الفسحة التي تمكنها أن يكون لها تصور عن ماهية المصالح السودانية في مصر وكيفية تحقيقها، بل تصبح القضية كلها من باب الاجتهادات الفردية، أو مجموعات لا تستطيع أن توظف كل مؤسسات الدولة وحتى المؤسسات المدنية من أجل تحقيق مصالح الدولة.

الملاحظة السادسة: هناك بعض النخب السياسية السودانية عندها اعتقاد أن النخب المصرية تجعلهم في دائرة التنميط الدوني. الحقيقة أن السودانيين هم الذي يضعوا أنفسهم في دائرة التنميط الدوني، عندما تقدم للشخص فرصة للمداخلة في قضية مطروحة للنقاش في ندوة و ينحرف بالحديث إلى الاتهامات وأقوال تفارق مسار المعرفة والمنهجية، ما هي ردة الفعل المتوقعة من الجانب الأخر؟ لابد أن تضع انطباعا سالبا عند الجهة المقابلة في اعتقاد هذه الحديث ينبع من نخبة مثقفة لا تراع للمنهجية وفاقدة للمعرفة. أن الحوار لا يمنع أن تطالب بالحوار في قضية حلايب و شالتين باعتبارها أرضي سودانية لكن كيف؟

الملاحظة السابعة: من لقاء حوار قديم؛ كان في أواخر تسعينيات القرن الماضي، حيث لبيت دعوة حفل شاي في بيت محمد الحسن عبد الله يسن عضو مجلس رأٍس الدولة في ديمقراطية إبريل 1985م، وضم الحوار قيادات اتحادية منهم محمد توفيق أحمد الذي كان وزيرا للخارجية، وأحمد السيد حمد ومضوي محمد أحمد وعبد الله فرح رئيس الحزب في السعودية. ومن الجانب المصري اللواء عمر قناوي الذي كان يشغل وكيل وزارة المخابرات المصرية واللواء محمود عبدالخالق الذي يرأس ملف السودان في المخابرات في ذلك الوقت. قدم الاتحاديون سؤالين للأخوة في المخابرة عن رفض مصر تقديم دعما للمعارضة، والثاني أن الدولة المصرية فضلت التعامل مع البيت الختمي وليس الاتحاديين، وقالوا قد جاء أختلال العلاقة منذ تأييد الاتحاديون للاستقلال من داخل البرلمان. قال اللواء قناوي أن مصر رفضت تقديم أي مساعدة للمعارضة، أن كان يتمثل في دعم عسكري أو إعلامي، أي تقديم موجة في هيئة الإذاعة المصرية، وأيضا الرفض شمل تقديم صفحة في أحدى الصحف الحكومية، لأنهم جميعا محسوبين على الدولة المصرية، ولا نريد أن تكون الدولة المصرية مشاركة في عمل المعارضة السودانية، ولكن كل أحزاب المعارضة تقاتل الحكومة السودانية من الأراضي الاريترية، ويتنقلون بين مصر واريتريا، هل سألنا أي شخص في المعارضة عما يدور في أريتريا، هل اعترضنا على هذا التنقل لا. أما عن اختلال علاقة مصر بالاتحاديين، الختمية علاقتنا معهم في حدود الطريقة وهم يعرفون ماذا يريدون من مصر. هل الاتحاديون يستطيعوا أن يوضحوا لنا ماذا يريدون من مصر؟.

الملاحظة الثامنة: في ندوة كان قد أقامها الأمام الصادق المهدي في مؤسسة الأهرام، تطرق فيها للعلاقات السودانية المصرية. قال أننا يجب أن نتجاوز أخفاقاتنا التاريخية في هذه العلاقة، وأيضا نتجاوز الصراع الذي كان دائرا بين القوى السياسية السودانية من أجل الاستقلال “وحدة وادي النيل – الاستقلال” إلي علاقات جيدة تخدم مصالح الشعبين، وتكون النخب المثقفة في البلدين هي راعية لهذه العلاقات، لأنها سوف تحمل معها رؤى محكومة بثقافة جديدة، وتصورات جديدة تتجاوز مرارات الماضي، ويجب أن تستوعب القوى المثقفة حدود العلاقة أين تبدأ العلاقة الرسمية التي تتدخل فيها مؤسسات الدولة، وأين حدود العلاقة الشعبية التي تتحرك في مساحات واسعة.

أن العلاقة المصرية السودانية بالفعل يجب أن ترتبط بحبلين غير متداخلين الأول العلاقة المحكومة بمؤسسات الدولة، والتي تحدد فيها إستراتيجية العلاقة والمصالح المرتبطة بالعلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية، وعلاقات شعبية وأكاديمية وغيرها. فالنخبة المصرية الحاكمة وغير الحاكمة تعرف ما هية المصالح المصرية التي يجب تحقيقها في دولة السودان. ويجب على النخبة السياسية السودانية أن تعرف ماهية المصالح السودان التي تريد تحقيقها في أو مع الدولة المصرية. ونخرج من دائرة المشاحنات التي لم تحقق غير غبار كثيف مضر بالصحة في الدولة والإنسان. نسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.