قانوني الصحافة والإعلام بأفكار شمولية

90

بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
السؤال المركزي هل نحن في حاجة إلي قوانين خاصة بالإعلام والصحافة، إذا كانت البلاد بالفعل تريد تحولا ديمقراطياً؟

أي فكرة لعمل قانون خاص يحكم العمل الإعلامي والصحفي، وعمل مؤسسة للصحافة لكي تراقب المهنة تكون العقلية التي فكرت في ذلك هي عقلية لم تستطع أن تفكر خارج صندوق الثقافة الشمولية.

منذ المدعو “التجمع الوطني الديمقراطي” في تسعينيات القرن الماضي؛ كانت فكرة قانون للإعلام والصحافة مختزنة في عقول العديد من قيادات الأحزاب ذات المرجعيات الشمولية.

الذين ما يزالون يحلمون بدور الإعلام المحتكر للسلطة أيام ألمانيا الهتلرية، ووزير إعلامها غوبلز، والذي استطاع أن يدخل الإعلام كأداة في الحرب النفسية علي شعوب الدول التي حوله، ويستخدم فيها كل ما انتجه علم النفس في ذلك الوقت.

وبعد غوبلز أصبح الإعلام أهم أداة للأنظمة الشمولية في الدول التي تحكم بأنظمة عسكرية، أو أنظمة الحزب الواحد.

وهؤلاء الذين جاءوا بفكرة قانون للصحافة والإعلام باعتباره يحفظ حقوق آهل المهنة ويؤدي إلي توسيع مواعين الحرية لكي يؤدي الإعلام والصحافة دورهم كسلطة رابعة في المجتمع.

ولكن دائما يصبح أداة لقمع الصحافيين والإعلاميين، حتى لا يتجاوزوا الخطوط الحمراء، وفكرة القانون أن تخلق رقيبا ذاتيا عند الممارسين للمهنة حتى يصبحوا أداة ناقلة فقط لرأي السلطة. أو إعلام يخدم السلطة لوحدها.

كانت المسألة مقبولة عندما كان السيد فيصل محمد صالح وزيرا للإعلام، فالرجل مايزال في حالة عشق لعبد الناصر ونظامه السياسي.

وبالتالي قانون الصحافة مسألة من أهم أجندة الناصرية التي تسمح بحرية مقيدة ذات ضوابط تقدرها المؤسسة الأمنية، وهي لا تخضع للدائرة السياسية، لذلك كانت السجون مليئة في تلك الفترة بكبار الصحافيين المصريين أمثال الأخوين “مصطفى أمين وعلي أمين”.
الغريب في أمر الشموليات أن القضايا التي تحتاج لقوانين المرتبطة بالعدالة لا يديرون لها بالا، لذلك قدمت سلطة الفترة الانتقالية قوانين الصحافة والإعلام علي قوانين المؤسسات العدلية.

فالداعين لقوانين إعلامية بهدف تقييد الحرية الإعلامية، هؤلاء يخافون من قضايا الرآي يسرعون في تأطيرها بالقوانين وممارسة القبضة القوية عليها.

كان المتوقع عندما تصبح الوزارة في أيادي قوى تحسب نفسها ديمقراطية، أن تراجع فكرة قوانين للإعلام والصحافة تقيد بها عملية الرأى، وممارسة ضوابط لتعطل استحقاقات تصاديق الصحف والقنوات الفضائية، فدعاة الديمقراطية دائما تفضحهم الممارسة.

ولذلك ليس غريبا أن الدكتور محي الدين صابر والدكتور موسى المبارك والدكتور أحمد السيد حمد كانوا اتحاديين ولكنهم شاركوا في إنقلاب مايو 1969م ضد النظام الديمقراطي في ذلك الوقت، وجلبوا نظاما شموليا ماركسيا نكاية في أسماعيل الأزهري والمذكرة التي كتبها “إلي من يهمه الأمر سلام”.

الإعلام والصحافة في الدول الديمقراطية في أوروبا وأمريكا واستراليا وكندا ليس هناك قانون مخصص لها، بل أن مشاكل الصحافة والإعلام تحاكم من خلال القانون الجنائي والمدني في الدولة.

والتصديق لها من خلال قانون الاقتصاد والاستثمار، باعتباره “Business” أن تخرج رقم العمل، وتخرج للسوق، الدولة فقط تريد أن تدفع لها ضرائب، أما التجاوزات الأخرى يطبق عليها القانون الجنائي والمدني كما ذكرت.

ونجاح الجريدة والوسيلة الإعلامية يحدده الشارع، لذلك السلطة التنفيذية تسأل فقط عن الضرائب، باعتبار أن التعبير عن الرآي مسألة كفلها الدستور ويجب أن لا تضع لها العديد من أدوات الحجر والضبط وغيرها.
والذين يصيغون قانون الصحافة والإعلام لا يجردون أنفسهم من الولاءات الحزبية والفكرية، وخاصة هذه حكومة غير منتخبة.
ووزارة الإعلام خضعت لمحاصصات سياسية ليس في قمة هرمها بل حتى في وظائف الخدمة المدنية، والذين جاءوا من وراء ظهر الشعب جاءوا لكي ينفذوا أجندة سياسية، ربما لا تتوافق مع الديمقراطية.
أن الذين يدعون ألي تخصيص قانون خاص للصحافة والمطبوعات والإعلام، هؤلاء بعيدين عن الديمقراطية، ومدفوعين بفلسفة نظام الحزب الواحد الذي يريد أن يسير الصحافة والإعلام بالرغبة الحزبية والسلطوية.
وحتى إذا كانوا متجردين من الانتماءات الحزبية، أن الثقافة العامة الموجودة الآن هي الثقافة الشمولية التي خلفها النظام السابق، الذي أخضع الصحافة والإعلام إلي رقابة لصيقة، جعلها تعاني كثيرا، نسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.