الزين صالح يكتب: توافق الأيديولوجية ضد وثيقة المحاميين

326

بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
تعتبر الأيديولوجيا من أهم مظاهر الأزمة السياسية في السودان، باعتبار أن القوى الأيديولوجية دائما تكون في حالة نرجسية لا تستطيع أن تعترف بغيرها، وتعتقد أن رؤيتها رؤية مقدسة لا تقبل الجدل حولها، الأمر الذي يجعلها لا ترى في الساحة السياسية إلا نفسها، وبالتالي يجب الخضوع لما تقول جملة وتفصيلا، ورغم أنها ترفع شعارات الديمقراطية وتطالب بها، لكنها من باب التكتيك، أو الإنحناءة للعاصفة في بعض المرات. وإذا هي مؤمنة بها كانت مارستها داخل مؤسساتها. أن تجارب التاريخ المعاصر منذ الاستقلال حتى اليوم بينت أن الأيديولوجية قد دخلت في سجالات كثيرة مع القوى السياسية الأخرى بهدف تكسيرها وشيطنتها، لكن رغم علو صوت هذه القوى الأيديولوجية لم تقدم للمكتبة السياسية أي أطروحات فكرية تؤكد فيها رؤيتها لقضية الديمقراطية في البلاد ، إلي جانب أن مرجعياتها الفكرية تفارق الديمقراطية تماما. وظلت منذ تأسيسها حتى اليوم لا تجيد غير المناورة والتكتيك، الذي لم يثمر شجره أكثر من نصف قرن.

أن الذي يرفع شعارات الديمقراطية ويؤمن بها، يصبح الحوار والتفاوض مع الأخر هما الأليتين التي يتم من خلالها الوصول لتوافقات بهدف التغيير، لكن رفض الحوار والتمسك بالنتائج الصفرية السالبة يؤكد ضعف الثقافة الديمقراطية. ويتضح ذلك من خلال موقفها السالب تجاه الوثيقة التي أصدرتها اللجنة التسيرية لنقابة المحاميين، والتي كانت قد قدمتها للقوى السياسية والبعثة الأممية وعدد من سفارات دول الغرب، وقد اشادوا بها باعتبارها مسودة جيدة للحوار. لكن التأييد قد وجد هجوما من بعض القوى الأيديولوجية حيث اعتبرته بمثابة تشجييع لتسوية سياسية.

وهنا يجب أن نفرق بين ثقافتين في السياسة. أن سفراء الدول الغربية والولايات المتحدة عندما تقدم لهم مثل هذه المسودة، ينظرونا إليها ليس من باب الصراع السياسي الدائر بين الكتل السياسية المختلفة في الساحة السياسية، بل باعتبارها خطوة تفتح بابا للحوار بين القوى السياسية يمكن أن يقارب بينهم إذا كانوا جميعا يتطلعون إلي عملية التحول الديمقراطي، والحوار عندهم أهم عتبة يمكن أن توضع عليها القدم الصاعدة للعملية الديمقراطية، باعتبار أن الإقصاء يجب أن لا يكون له مكانة في الثقافة الديمقراطية لكن الأيديولوجية تفهم ذلك أنه شروع في تسوية تضع خططها هذه الدول الغربية وأمريكا أن القوى الأيديولوجية لا تستطيع أن تفكر خارج دائرة ثقافة المؤامرة.

بعد رد الدول الغربية على وثيقة المحاميين أصدرت هيئة علماء السودان بيانا قالت فيه (إنها بصدد إطلاق حملة لكشف خطورة المسودة لكون أن إسراع الدول الأوربية في الإشادة به يلقي بظلال من الريبة والشك حول بنود ونصوص الدستور وأهدافه) كان المتوقع ليس النظر لرد الدول الغربية على الوثيقة. أن تقوم هيئة علماء السودان بنقد الوثيقة نقدا علميا وتبين فيها مكامن الضعف والقوة، وأن ممارسة النقد للوثيقة هي نفسها تعتبر ترسيخ لعرى الديمقراطية، ولكنها تخيلت هناك خطورة قادمة من الدول التي أيدتها وبنت تصورها عن كيفية مواجهة الخطورة المتوقعة، فقط لآن الدول الأوروبية قد أشادت بها، ألأمر الذي يؤكد أن هذه القوى من الصعب أن تكون داعمة لعملية التحول الديمقراطي في البلاد، كان المتوقع أن هذه القوى الأيديولوجية بعد ثورة ديسمبر أن تقدم مراجعات فكرية حتى تتماشى فلسفتها مع الديمقراطية وأيضا أن تعيد النظر في نظرية المؤامرة التي لا تستطيع أن تفكر خارج صندوقها.

في الجانب الأخر نجد أن الحزب الشيوعي أيضا علق على تأييد الدول الغربية للوثيقة بأنه تعبيد لطريق التسوية السياسية، والحزب الشيوعي يريد أن يجمد كل الفعل السياسي من خلال الشعارات الثلاثية “لا تفاوض ولا مصالحة ولا مشاركة” وهي شعارات لا يمكن الالتزام بها في ظل الأزمة السياسية التي تتطلب الحوار والتفاوض، ولماذا يريد الحزب الشيوعي أن يجعل هذه الشعارات مقدسة لا يتم المساس بها أو تجاوزها، حيث يقول في كلمة جريدته “الميدان” الصادرة يوم 15 سبتمبر 2022م، استمرار خداع المجتمع الدولى للقضية السودانية وجاء فيها (في بيان مشترك أكدت سفارات فرنسا والمانيا وهولندا وإيطاليا والسويد واسبانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن مسودة الدستور التي صاغتها نقابة المحامين السودانيين والتي تتمتع بتأييد واسع تعتبرها هذه السفارات مبادرة جادة ومشجعة في طريق استرداد الحكم المدني، أن كل القوى الدولية والأقليمية وأمتداداتها الداخلية المصرة على فرض التسوية السياسية تتناسى عن عمد المواكب الجماهيرية العارمة التي ظلت تسيرها تنسيقيات لجان المقاومة في العاصمة والأقاليم) ليس هناك أعتقاد أن القوى السياسية المؤيدة للوثيقة أو الدول المشار إليها لا تعي دور المسيرات، لكن تحقيق هدف وشعارات المسيرات يتم أيضا عبر الحوار والتفاوض بين القوى المؤمنة بالديمقراطية. لماذا يحاول الحزب الشيوعي أن يفرض على كل طريقة واحدة للتفكير، لماذا لا يترك القوى والأجيال الجديدة أن تفكر خارج صندوق الإرث السياسي الثقافي الذي لم يحصد غير الفشل. نسال الله حسن البصيرة

Comments are closed.