الزين صالح يكتب: دور الإعلام في عملية التحول الديمقراطي يبدأ بالغاء وزارة الإعلام من أجندة تشكيل أي وزارة

97

بقلم :زين العابدين صالح عبد الرحمن

إذا كانت النخبة السياسية جادة في شعارات التحول الديمقراطي يصبح أهم قرار تتخذه إلغاء وزارة الإعلام، و يكونالتركيز الحكومي على وزارة الثقافة، باعتبار أن الثقافة يمكن أن تلعلب دورا مهما في مجتمع غني بتنوعه و ثقافاتهالمتعددة. أن إلغاء وزارة الإعلام ليس الهدف منه أن لا يكون هناك إعلاما قوميا، بل أن يكون هناك إعلاما وطنيا يعبر عنالمد الوطني في البلاد و يخلق الوجدان المشترك لأمة ذات تنوع، أن الهيئة القومية للإذاعة و التلفزيون هي المناط بهاإدارة أجهزة الإعلام التابعة للدولة. و ذلك يرجعنا لقانون 1986م للهيئة القومية للإذاعة و التلفزيون، و الذي تمت إجازتهفي الفترة الانتقالية لثورة إبريل، حيث أتبع القانون الهيئة القومية للإذاعة و التلفزيون لمجلس السيادة باعتباره سلطةشرفية و ليست تنفيذية، حتى لا تكون الهيئة خاضعة للسلطة التنفيذية، بل تكون الهيئة القومية تابعة لمجلس السيادة ويمكن أن تتبع للهيئة البرلمانية، باعتبار أن التمويل الذي يتم من قبل الدولة لهذه المؤسسات، يحتم أن تكون الهيئة تابعةلأحدى المؤسسات الدستورية، و تكون التبعية شرفية و ليست تنفيذية، أن لا تتدخل المؤسسة الدستورية أو المؤسسةالسيادية في العمل المباشر للهيئة القومية للإذاعة و التلفزيون، و لا تتدخل في سياسة الهيئة. أن وزارة الإعلام دائماتكون في الدول ذات السياسة الشمولية التي تريد أحتكار السياسة الإعلامية في البلاد بهدف حماية النظام الشمولي.

أن تبعية المؤسسات الإعلامية للسلطة التنفيذية سوف يجعلها تملي شروطها على العاملين في المؤسسة، و تحددسياستها الإعلامية و التحريرية، و في ظل تبادل السلطة بين القوى السياسية تكون الهيئة واقعة تحت رحمة الأحزابالسياسية التي تريدها أن تخدم برامجها السياسية. أن تحرير العاملين من قبضة السلطة التنفيذية يعني تحرير قرارالهيئة و إطلاق القدرات الإبداعية للعاملين في خدمة الديمقراطية، و توسيع دائرة إنتاج الثقافة الديمقراطية، كما تصبحالهيئة لها استقلالية في اتخاذ القرارات التي تجعلها تلعب الدور المطلوب أن تلعبه في دعم المبادرات الوطنية، و أن تلعبالدور الرقابي على كل مؤسسات الدولة حتى على المجلس التشريعي، و الرقابة على المال العام من أصحاب النفوسالضعيفة، و تتابع قرارات الدولة و تحليلها إذا كانت تخدم القضايا الوطنية أو القطاع الذي تعمل فيه، أو أنها تحاول أنتخدم منافع خاصة أو حزبية ضيقة.

أن وجود هيئة حكومية إعلامية مستقلة في إدارة شؤونها، و تحديد سياستها الإعلامية و التحريرية، و تكون هي وحدهاصاحبة قرار تخطيط لوحة برامجها، دون أي تدخل للسلطة الحاكمة في خارطة برامجها، سوف يمنح العاملين فيهامساحات واسعة من الحرية المسؤولة تجاه القضايا الوطنية، و يحرر العاملين في الإعلام من الخوف لفقد وظائفهم، وهذا يساعد بصورة كبيرة في تفجير الطاقات الإبداعية للإعلاميين، باعتبار أن الحرية شرط ضروري لممارسة الإبداع، ويعطي الهيئة التمدد الواسع في كل مساحات الوطن و يساعد أيضا على إلإنتاج الإعلامي الذي يجب أن يتم من مصادرهالرئيس في كل أقاليم السودان المختلفة. أن الإعلام منذ انقلاب 17 نوفمبر 1958م العسكري، و تكوين وزارة الإرشاد التيجعلت الأميرالاي محمد عثمان نصر يشرف أشرافا كاملا على العمل الإعلامي، أو صبح منذ ذالك التاريخ الإعلام تابعمباشرة للسلطة التنفيذية و قرارها، و لا تستطيع الأجهزة الإعلامية أن تاخذ حرية في القرار، بل كانت ترجع دائما للسلطةالتنفيذية و أخذ موافقتها، الأمر الذي قلص مساحة الحرية، و أصبح العاملين في الأجهزة الإعلامية خاضعين لهذهالسلطة، هذه السياسة قد أثبتت فشلها تماما. الغريب في الأمر؛ عندما جاءت ثورة ديسمبر 2018م كان الاعتقاد، أنالحاضنة السياسية أو حكومة حمدوك الأولى لها مشروع سياسي ديمقراطي للعمل الإعلامي، و أن تحرر الإعلام منقبضة السلطة التنفيذية لكي تمنحه مساحة واسعة من الحرية يساعدها على عملية التحول الديمقراطي في البلاد، ولكن للأسف أن الأثنين كانا لا يملكان أي مشروع سياسي للعمل الإعلامي، فقط الذي تم هو أغالة عدد من العاملين و تعينعدد أخر دون فتح الوظائف إلي للتنافس بين أبناء السودان، و مارست السلطة الجديدة ذات السياسة السابقة التي كانيمارسها نظام الإنقاذ الشمولي، و تم تعين و كيل أول لوزارة الإعلام ليست له علاقة بالعمل الإعلامي، عندما بدأتالجلالات في أجهزة الإعلام تنذر بانقلاب 25 أكتوبر، و خرجت جماهير الشباب بصدور مفتوحة تدافع عن ثورتها، فروكيل وزرة الإعلام الأول ناجي بنفسه داخل السفارة الفرنسية،  و كان المعتقد أنه سوف يقود تظاهرات التصدي للانقلاب،مثل هؤلاء غير جديرين أن يخوضوا معارك النضال من أجل الحرية و الديمقراطية.

أن تأسيس هيئة مستقلة بقانون يضمن لها الاستقلالية و الحرية، أيضا تحتاج إلي هيكل وظيفي جديد، و تحتاج إليشروط خدمة جديدة، تعطي هؤلاء العاملين المكانة الأئقة بهم مثلهم مثل أقرانهم في الدولة الأخرى، و شروط الخدمةالجديدة مع عدد من البدلات تؤمن لهم العيش الكريم و قضاء الحاجات التي تعينهم في أداء مهامهم الوطنية. كما أنالاستقلالية تمنح الهيئة مساحة واسعة من الحركة لكي تستفيد من تاريخها في العمل لكي تعدد مصادر الدعم الذييجعلها تنجز خططها بالصورة المطلوبة. فالهيئة قادرة أن أن تطور منشأتها و مؤسساتها البحثية و الإعلامية، و قادرةأن تؤسس لها مؤسسات تابعة تعينها في أداء وظائفها و تلبي حاجات العاملين من تدريب و تأهيل و صقل للقدرات، وإرسالهم للدول الديمقراطية في أوروبا و أمريكا و استراليا و كندا و غيرها لكي يأخذوا دورات تدريبة في مؤسساتهاالإعلامية. و هذه لا تحتاج إلي صرف من الدولة لكنها تحتاج إلي تكوين إدارة لها اتساع في الأفق و بناء علاقات واسعةمع المنظمات العالمية و مع القطاعات الإعلامية في العالم لكي تتحصل على منح،و هذا ينقلنا للهيكل المؤسسي للهيئةعلى أن يكون على النحو الأتي:-

1 – أن يكون هناك مجلس لأمناء الهيئة يتكون من ثلاثين شخصا عشرة منهم يتم تعينهم من قبل الدولة لضرورةالاستفادة منهم: ممثل لوزارة المالية و ممثل الوزارة الخارجية و ممثل لوزارة الداخلية و ممثل لوزارة العدل و ممثلينلوزارة الثقافة و ممثل لمجلس الوزراء و أثنين يمثلان لجنة الإعلام بالبرلمان و ممثل لوزارة الطاقة.  و عشرة  ممثلينتنتخبهم هيئاتهم النقابية و اتحاداتهم، ممثل لنقابة المحاميين و ممثل لنقابة الصحافيين و ممثل لنقابة الفنانين والدراما و ممثل للفنون الشعبية، ثلاثة ممثلين للكتاب و الشعراء و اثنين من قدماء الإعلاميين. و عشر يمثلون العاملين فيالهيئة، أن يكون ستة من نقابات العاملين و أربعة يمثلون الإدارة. و تكون مهمة مجلس الأمناء وضع السياسة العامةللهيئة، و أجازة ميزانيتها، و فتح منافذ للعلاقات الدولية مع المنظمات العالمية، و الهيئات المشابهة، و المجلس هو الذييعتمد رئيس الهيئة العامة و أيضا مدير الإذاعة و مدير التلفزيون، و يتم تعين هؤلاء من خلال انتخابات العاملين دورياكل أربعة سنوات. و يجتمع مجلس الأمناء كل ثلاث شهور لمتابعة تنفيذ الخطط الموضوعة، و معرفة الاحتاجات المطلوبة.

2- مؤسسة التدريب و التأهيل: تقوم المؤسسة بايجاد فرص التدريب للعاملين داخل السودان و خارج السودان، و أنتؤسس علاقة واسع مع المنظمات الشبيهة، و إيجاد الدعم من داخل السودان و خارجه لخطط تدريب العاملين و صقلقدراتهم، خاصة أن تكنولوجيا الاتصالات في تطور مطرد يحتاج لمتابعة مستمرة. أيضا فتح مركز تدريب و الاستعانة بكلالقدرات الإعلامية السابقة في هذا المركز، على أن يتطور المركز مستقبلا لكي يكون أكاديمية إعلامية لطالبي الدراساتالإعلامية.

3 – مركز الإعلام للهيئة: هو مركز يقع عليه عبء إيجاد دعم مادي لبناء مركز أعلامي قومي يقدم خدمات إعلامية، مثلإنشاء قاعة للمؤتمرات الإعلامية تستخدمها الهيئة و تؤجر لكل طالبي الخدمة الإعلامية المتطورة، باعتبار أن المركز هوالذي يقوم بدعوة الصحافة و القنوات التلفزيونية، إلي جانب مؤتمرات عبر خدمات ” Zoom” و غيرها إلي جانبتأسيس مكتبة كبيرة تساعد على تنمية الوعي و المعرفة للعاملين، إلي جانب تفريق شرائط المؤتمرات و الندوات وطباعتها في كتب و كلها خدمة مقابل الدفع.

4 – مركز إنتاج البرامج: معلوم للكل؛ أن السودان دولة ذات تنوع ثقافي و تعدد أثني، لذلك مهمة مركز الإنتاج، أن ينتجبرامج تلفزيونية تعكس الثقافات السودانية في الأقاليم المختلفة ، و يتم إنتاج هذه البرامج من الاقاليم و الاستفادة منالطاقات الإبداعية في الأقاليم و توظيفها في إنتاج هذه البرامج و يمكن بيعها للقنوات التلفزيونية السودانية في القطاعالخاص، و أيضا للقنوات التلفزيونية في العالم.

أن وجود هيئة إعلامية مستقلة غير واقعة تحت أمرة السلطة التنفيذية هو بداية الطريق نحو عملية التحول الديمقراطي،و أيضا بداية لنزع المخاوف الوساوس عند العاملين بأنهم مطاردين من قبل السلطات و السياسيين، أن الخوف يحجب كلملكات الإبداع عند العاملين. و يعطل هذه القدرات كما يخلق الرقيب الذاتي الذي تخلقه النظم الشمولية بهدف حمايةأنظمتها الهشة، أن الحرية هي أول كلمة في شعار الثورة. و يجب الحرص عليها و يجب أن تتضافر الجهود من أجلالحفاظ عليها. أن السودان به قدرات عالية جدا في العمل الإعلامي بشقيه الإذاعي و التلفزيوني ، و هؤلاء يحتاجونللتدريب المتواصل و التواصل مع المؤسسات الإعلامية في العالم المتقدم لكي يقدموا أفضل الخدمات. و نسأل الله التوفيقو حسن البصيرة.

Comments are closed.