مصطفى ابوالعزائم يكتب: إنتبهوا للثورة القادمة

406

لا ينكر إلا مُكابرٌ أن ما حدث في السودان منتصف ديسمبر من العام 2019م ، كان ثورةً حقيقيةً، ثورة قوامها الشباب ، وقد كانت خالصةلهم، إذ قدموا فيها أرواحهم دون خوف أو وجل وبدون تردد ، لذلك فاق عدد الشهداء الثلاثمائة شهيد نسأل اللهم لهم القبول والمغفرة والرحمة.

نعم كانت ثورةَ جيلٍ كاملٍ ، إنتفض على الجيل الذي سبقه والذي إحتكر السلطة بعد أن ورثها عن آخرين إحتكروها سنين عدداً، وقد وجدالجيل الثائر نفسه بعيداً عن خارطة الحكم والتخطيط والتنفيذ، وظل الحاكمون مثلما كانوا منذ الإستقلال ، يتعاملون بأبوية سياسية تجاهمن يحكمون ، وهي أبوة لا يعترف بها جيل الشباب من المحكومين ، لذلك خرجوا شباب وفتيات لم يقبلوا إلا بأن تتم ترجمة هتافهم الأعلىتسقط بسإلى واقع ملموس دون النظر إلى ما بعد السقوط .

سقط النظام السابق ، وتمت تعبئة الشارع السوداني الشاب ضده تعبئة سالبة جعلت عقلاء النظام السابق لا يفكرون مجرد التفكير حتىفي مقاومة المد الثوري الجبار ، ولا يعملون على إبداء أي مقاومة للثورة والثوار ، ولعبت القوات المسلحة السودانية وبقية القوات النظامية دوراًعظيماً سجله لها التاريخ في الحفاظ على وحدة البلاد وحماية حدودها وصيانة حقوق المواطن السوداني فيها ؛ مجنبةً الوطن والمواطن مغبةالإنزلاق في مهاوي الفوضى .

جاءت الحكومة الإنتقالية الأولى بعد مخاض ، وبعد شدٍّ وجذب ، وبدأت المحاصصات وإستعراض القوة ، والضغط عن طريق الشارع ، ولميعد هناك مَنْ يسعى لإتخاذ القرارأي قرارإلا إذا تحسّب لكل إحتمالات ردة فعل الشارع، الذي أصبح (على الهبشة) بعد أن أصبحمعبأً بحيث لا يقبل إلا ما يرى أنه حق .

  ثم جاءت الحكومة الثانية دون تغيير يذكر إلا في الشخوص ، وجاءت مفاصلة الخامس والعشرين من أكتوبر قبل عام لتصحيح المسار ،وإستبشر المواطنون خيراً ، ولكن ثورة الشباب لم يخمد لهيبها بعد ، فالدماء الحارة ما زالت أنفاسها (حارّة) وفي هذا ضمان لإستمراريةالثورة وتواصل مدها الثوري ، لكننا نرى وميض نارٍ جديدة مشاعلها ليست في أيادي هؤلاء الشباب ، بل في أيادي آبائهم وأمهاتهم منالجيل الذي سبقهم ، ويتحمل الآن أعباء وتكاليف المعيشة، وبعض أبناء ذلك الجيل من المعاشيين الذين لاتكفي مواردهم المالية المحدودةلتكلفة ومتطلبات العيش الكريم ليوم واحد، هؤلاء هم الذين سيثورون على الضّيق وعدم القدرة على الصّرف ، خاصةً وإنه لم يلُحْ في الأفق مايبشِّر بإنفراج الأزمات المتتابعة والمتلازمة، في الخبز والمواصلات، وغلاء متواصل وإرتفاع مستمر في أسعار السلع بلا إستثناء .

الثورة القادمة نخشى أن يصعب على أي حكومة أن تصمد أمامها، خاصة بعد الرؤى المهزوزة والخطاب السياسي الضعيف للسياسيينالذين يسعون إلى المكاسب الضيقة التي لا تخرج عن وجودهم على المسرح ، ولم يعودوا معنيين بالخدمات وتوفير المال اللازم لتسيير عجلةالإقتصاد والتنمية في البلاد، فأصبحوا يتحدثون كثيراً عن كل شيئ إلا حياة المواطن الذي لا يرجو سوى توفير الأمن والعيش الكريم .

هذا الضعف في الطرح السياسي والأفق شبه المسدود لإيجاد حلول للأزمات المتلاحقة والمتناسلة نحسب أنه سيكتب نهايةً غير متوقعة لأيحكومة لا تهتم بشأن العيش الكريم والخدمات وأمن المواطن والوطن .

Comments are closed.