الزين صالح يكتب:الحسن و الزعامة القادمة للاتحاديين

360

بقلم :زين العابدين  صالح عبد الرحمن

أن انسحاب السيد الحسن الميرغني من مهرجان استقبال والده في مطار الخرطوم، لا يعد حالة أنكسار للرجل في صراعهمع شقيقه الأصغر جعفر لزعامة الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، بل هو انسحاب بهدف تأجيل معركة سياسيةمتوقعة، و سوف تكون طويلة الأجل. و رغم أن الكل ينظر للساحة الاتحادية باعتبار أن السيد الميرغني قد حسمها لصالحأبنه جعفر، في البيان المسجل الذي طالبه فيه بحسم المنفلتين، و أيضا عندما طلبوا من الحسن مغادرة المطار لآن والده لايرغب أن يكون ضمن المستقبلين له، جميعها أفعال كيدية تبين أن المعركة ليس بين الحسن و والده، بل هي معركة بينالحسن و الذين كان قد وصفهم ب (الدواعش) هؤلاء أصحاب المصالح الخاصة الذين يبحثون عن مواقع لهم في القيادةدون أي قدرات ذاتية و معرفية أو سياسية تؤهلهم لهذه المواقع.

أن الثقافة السياسية السودانية تستمد جذورها من الثقافة الصوفية التي تنتشر كقاعدة للبناء الثقافي في التربية فيالسودان، و مدت جذورها لقاعة الدرسو التعليم، و هي التي تقيد حركة الثقافة الديمقراطية، عدم مجادلة الكبير و الشيخو الرئيس و الأستاذ و القائد، أي أن تحتفظ برأيك دون أن تفصح به، و الغريب في الأمر أن الثقافة الأيديولوجية السياسيةإذا كانت يمينا أو يسارا تلتقى في قواعدها المقيدة للرأي العام مع الصوفية، و أيضا مقيدة للشخص على أن لا يخرج عنتعاليمها، لذلك تجد الكل يرفع شعارات الديمقراطية و في نفس الوقت لا يستطيع أن يخرج من عباءة الثقافة الشمولية،كما جاءت النظم السياسية الشمولية ( ذات الثقافة العسكرية) لكي ترسخ قواعد الثقافة الشمولية في المجتمع، كل هذهالتناقضات مطالبة النخب السياسية أن تستوعبها، و تحاول إيجاد علاج لها، و خاصة دعاة الديمقراطية، و هذه الثقافةالشمولية المتوارثة، هي التي سوف تحكم الصراع الدائر داخل الساحة الاتحادية، و خاصة في الصراع الدائر داخل بيتالميرغني. حيث أن الثقافة الصوفية تؤكد على تبعية الشيخ أي علاقة ( حيران و شيخ طريقة) و أيضا الثقافةالأيديولوجية اليمينية تؤكد على تبعية الشيخ . و الثقافة اليسارية تبعية سكرتير التنظيم أو أمين سر القيادة القطرية، وكلها ثقافة تعظم دور الكارزمة القائدة، أن حالة التشظي التي تشهدها الساحة السياسية الاتحادية غياب الكارزمة التييمكن أن تلتف حولها الجماهير.

عندما كان الزعيم الأزهري قائدا للحزب كانت كرزمته طاغية لذلك لم يخرج منافس له، و أيضا الشريف حسين الهندي، لكنبعد موت الشريف جاء محمد عثمان الميرغني الذي لا يثق في القيادات الاتحادية، و اعتمد على قيادات الولاء ذات القدراتالمتواضعة و الخبرة المحدودة، الأمر الذي جعل هناك هوة داخل الحزب، مما أدى لحالة تشظي وسط الاتحاديين، حيث كلمجموعة كونت لها جسما منفصل عن الآخرين. السيد محمد عثمان كان كارزمة مبجلة عند جزء من الاتحاديين، و في ظلالصراع ضد الانقاذ و خاصة في فترةالتجمع الوطني الديمقراطيالكل احتفظ برأيه في القيادة في ذلك الوقت حتى لايتبين أن هناك خلافات وسط الاتحاديين، و بعد المفاصلة التي حدثت في النظام و خروج الترابي مه التابعين له، خرجالشريف زين العابدين الهندي برؤية الاستفادة من انشقاقات الإسلاميين، و خرجت معه مجموعة تؤيد رؤيته، و ظلالباقين تحت أمرة الميرغني، و بعد الثورة جاءت فكرة وحدة الاتحاديين لكي تصبح هي البديل لفكرة شيخ الطريقة، وأيضا لم تجد الإجماع الكلي أو الأغلبية، و ربما يكون أن هؤلاء ( التجمع الاتحادي) جاءوا بفكرة المؤسسية التي لا تجدقبولا كبيرا، بسبب تقليدية الثقافة السياسية الموروثة، أن تكون هناك كارزمة يلتف الناس حولها إلي جانب المؤسسية،وفي كل الأحوال لم تبرز كرزمة، و السيد محمد عثمان الميرغني لا يمكن أن يدير الحزب من البعد، حيث أن دور الكارزمة والقائد أن يكون وسط المعركة، و يدير الصراع السياسي مع عضوية الحزب، لكن الميرغني فضل أن يكون بعيدا، و هذا البعدعن ساحة معركة الصراع لابد أن ينتقص من قدر القيادة. فإذا كان مبرر الابتعاد كبر السن و المرض فهي حالة مازال الرجليعاني منها حتى اليوم. فالسياسة ليس أن تخرج بيانا كل عدة أشهر، بل هي ممارسة يومية تحتاج إلي طاقة و حركةجسدية ليس متوفرة عند الرجل.

أن عودة السيد محمد عثمان الميرغني بعد طوال هذه السنين، و التي شهد فيها السودان معركة إسقاط الإنقاذ، و استشهدفيها عدادا كبيرة من الشباب المناضلين في ساحة المعركة، لا يعتقد عاقل أن هؤلاء سوف يكونوا مرحبين بقائد جنب نفسهالدخول في معركة الديمقراطية، و لا يرغبون الانحياذ لقيادات كانت مشاركة في الإنقاذ ساعة سقوطها، أو قيادات لا تنظرإلي معركة الديمقراطية إلا من خلال مصالحها شخصية. و هؤلاء هم الذين كان قد وصفهم الحسن بالدواعشو هؤلاءهم الذين كانون من قبل يخوفون السيد الميرغني من قيام المؤتمر العام للحزب، في اعتقادهم أنه لن يأتي إلا بالذينيصفهم الميرغني ب (المنفلتين) و مع خالص الاحترام للميرغني من خلال موقعه كشيخ للطريق الخاتمية، لكن لابد من قولالحق الذي لا يرغب فيه أصحاب المصالح الخاصة. أن الميرغني لا يستطيع أن يقوم بواجبه كسياسي، و لا يستطيع أنيخوض معارك الصراع السياسي بحكم السن. و يقول القرآن الكريم بعد بسم الله الرحمن الرحيمو الله خلقكم ثميتوافاكم و منكم من يرد إلي ارزل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيأ إن الله عليم قديرو هذه لا تنقص من قدر الرجل، و لكنهحكم الله في خلقه. و هؤلاء الذين يناصرون جعفر يريدون أن يكون السيد الميرغني غطاء له حتى يضمنوا تأييد أهلالطريقة الختمية لخطهم السياسي، و هذأ مكر مفهوم و معلوم. و السيد الحسن يريد أن أن يقود معركته ككارزمة دونغطاء، رغم أن الذي دفعه للساحة السياسة باعتباره أبن الميرغني، لكن مؤهلاته الذاتية و ثقافته السياسية و قدراته وخطابه هو الذي يقوده لمعركة الكارزمة. و نجاحه على الأخرين.

أن أي صراع داخل البناء الطائفي لابد أن يحسب لصالح الديمقراطية، و لابد للنخبة الديمقراطية أن تكون جزء من هذاالصراع و تؤثر عليه لسير في اتجاه الديمقراطية، أن وجود كارزمة ديمقراطية لن تكون عائقا لبناء المؤسسة و فرضاللوائح داخلها، أن أهم ميزة عند الحسن أنه يريد أن يتخلص من كل الطاقم القديم الذي لا يرى في السياسة غير تحقيقالمصالح ذاتية، و هؤلاء لا يرغبون في بناء المؤسسة على أسس ديمقراطية لآن أمكانياتهم الذاتية لا تؤهلهم لخوض صراعديمقراطي، كما أن المؤسس التي تتفشى فيها الديمقراطية سوف تكشف قدرات العضوية، و هؤلاء يخافون من معاركالثقافة و المعرفة، هم يريدون كسب المواقع من خلال رضى الزعيم عنهم، و هي ثقافة ضد التحول الديمقراطي و قالتالأجيال الجديدة فيها رأيها بقوة عندما قدمت التضحيات الغالية من أجل أن تؤسس الديمقراطية بشروطها و ليسبشروط دعاة الشمولية. نسأل الله التوفيق و حسن البصيرة.

Comments are closed.