الزين صالح يكتب : الحرية المركزي و الخيارات الصعبة

407

بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن

عندما تم التوقيع على مسودة الاتفاق الاطاري، كان الاعتقاد أن الاتفاق يفتح منافذ عديدة للحوار بين القوى السياسية بهدف تطويره أولا، و الحوار نفسه سوف يخلق واقعا جديدا في الساحة السياسية يزيل حالة عدم الثقة السائدة بين هذه القوى، و الاتفاق بالفعل خلق حركية جديدة في الساحة السياسية التي انقسمت بين مؤيدين و رافضين، و هي أيضا مادة للتواصل عبر الحوارات المفتوحة، كان من مفترض أن تستثمرها قوى الحرية و التغيير في مد جسورها مع الكل لتطوير هذا الاتفاق الاطاري، باعتبار أنه يحتوي على رؤس موضوعات تحتاج للبحث و التطوير، و أيضا كان المتوقع أن الحرية المركزي توسع دائرة المشاركة التي تصبح بمثابة كتلة شعبية حامية للاتفاق من أي انحراف أو تجاوز، لكن للأسف فشلت الحرية المركزي أن تطور خطابها السياسي المتمحور حول السلطة و المحاصصة.هذا التفكير المغلق سوف لا يجعلها تجيد إدارة الأزمة بالصورة التي تحقق الاهداف الوطنية، أن الدعوة للديمقراطية تحتم على أنصارها الحوار و التفاوض مع الكل بغية توسيع قاعدة المشاركة، و التضييق لا يصنع غير نظم شمولية.

أن شعار (عملية التحول الديمقراطية) الذي ترفعه الحرية المركزي يتطلب الشفافية و الوضوح الكامل، اولا بنشر الاتفاق الاطاري قبل التوقيع عليه حتى تتسع دائرة المشاركة من قبل كل القوى المهتمة و أيضا المراكز العلمية و الأفراد الإعلاميين و الصحافيين و المحللين المهتمين بالعملية السياسية، و تعيد نشره بعد التوقيع عليه إذا كان جرى أي تعديل في بنوده، و حتى إذا لم يجري تعديل تنشره في الصحف السيارة، هذا لم يحصل. و في لقاء حواري في قناة ( سودانية 24) سأل المقدم شهاب احد قيادات الحرية المركزي لماذا لم تنشروا الاتفاق الاطاري في الصحف؟ قال لآن الاتفاق يحتاج لترجمة، هل النسخ التي تم التوقيع عليها كانت بلغة غير العربية؟ و هنا تغيب الشفافية تماما، و أغلبية الناس لم تقرأ المسودة التي تم عليها التوقيع. الأمر الذي فتح باب الاتهامات بأن المسودة تبين التنازلات التي قدمتها الحرية المركزي للعسكر. فتالنشر يقطع دابر الشائعات.

في برنامج الجزيرة مباشر؛ قال السيد الواثق البرير: أن هناك العديد من القوى السياسية و المنظمات قدمت طلبات بهدف التوقيع على الاتفاق الاطاري، و أضاف قائلا أننا بصدد تشكيل لجنة لفحص هذه الطلبات. هذه اغرب مقولة سياسية في تاريخ العمل السياسي السوداني منذ تكوين مؤتمر الخريجين عام 1937م، أن تنصب قوى سياسيةنفسها (محكمة تفتيش) على الآخرين، ماذا تفعل الشمولية غير أنها هي القوى التي تحدد للآخرين شروط العمل السياسي، الأمر الذي يؤكد أن بعض قيادات الحرية المركزي يريدون الرجوع مرة أخرى لفترة ما قبل انقلاب 25 أكتوبر، فالقوى التي لا تستطيع أن تتجاوز مصالحها الخاصة الضيقة ، غير جديرة أن تؤسس لقضايا وطنية، فالقضايا الوطنية تنطلق من تجرد القيادات من المصالح الضيقة و الانفتاح على الأفق الأوسع، لكن في ظل حرب الشعارات الدائرة الآن في الساحة السياسية، الظاهر أن اليسار استطاع أن يؤثر على تفكير الآخرين، و يجعلهم يتبنون شعارات فارغة المحتوى الديمقراطي. أي قوى سياسية مهما كانت صغيرة، و عضويتها لا تتعدى العشرة أشخاص، لن تقبل أن تفحص طلبها قوى منافسة لها في الساحة. التوقيع يأتي بعد قرأت المسودة و إذا اقتنعت سوف توقع عليها دون وصايا من قبل أي قوى سياسية. أن الذي قاله الواثق البرير يعتبر ثقافة جديدة على الديمقراطية، يجب عليه أن يقدم لنا اجتهادا فكريا كيف تكون عملية الوصايا على الآخرين عملا ديمقراطيا، إما إذا كان الخوف من عناصر الإنقاذ هؤلاء ضد الاتفاق تماما و أعلنوا محاربتهم له بشتى الطرق، و سوف يصارعون بشكل مباشر.

في بيان أصدره تنظيم ياسر عرمان قال فيه أن الاتفاق الإطاري يستدعي إكماله باتفاق نهائي وبناء الدولة دون التراجع أمام مؤامرات النظام السابق، مشددًا على أن بناء جبهة قوى الثورة هي الضمان لإنجاح العملية السياسية وفترة الانتقال واستدامة الحكم المدني أن بعض قوى الحرية المركزي يستخدمون مصطلح ( قوى الثورة) ليس انتماء لثورة ديسمبر 2018م بل هو شعار الهدف منه الإقصاء لأفراد يعتقدون يشكلون لهم منافسة في الساحة السياسية، فحزب الأمة يريده أداة مانعة ضد توقيع مبارك المهدي على الاتفاق الاطاري لأنه كان مشاركا في الإنقاذ، و يريد عرمان استخدامه لإقصاء عسكوري و أردول، بإدعاء تأييدهم للانقلاب. إذا كانت مشاركة الإنقاذ أداة مانعة لماذا تمت مشاركة مجموعتي كمال عمر في المؤتمر الشعبي و الحسن في الاتحادي الأصل؟ و إذا كان تأييد الانقلاب مانعا لماذا جلست الحرية مع قيادات الانقلاب؟ هذا كيل بمكيالين يؤكد الحضور القوي للمصالح الحزبية و الشخصية.

ننتقل إلي محطة أخرى حديث الفريق أول البرهان فيمعسكر المعاقيل بشندي، حيث انتقده ياسر عرمان القيادي في الحرية المركزي في تغريدة له قال فيها ” البرهان عاد في خطابه لما قبل الاتفاق الإطاري بتدخل الجيش في تشكيل الحكومة” و قال شريف محمد عثمان القيادي في الحرية المركزي لجريدة (الجريدة) ” أن تصريحات البرهان تحمل رسائل سالبة” رجعت لحديث لخطاب البرهان في احتفال التوقيع على الإطاري و حديثه في المعاقيل الحديث متطابق تماما. قال البرهان في خطابه في حفل التوقيع “إن الموافقة على هذا الإتفاق لايعني إتفاق مع طرف سياسي أو فئة أو كتلة معينة، وإنما هو توافق على قضايا وطنية يجب أن يتم وضع الحلــــول لها بمشاركـــة واسعة من القوى المدنية وأصحـــاب المصلحــة، بنية الوصول لمخرجات تنهي حالة الصراع والتشاكس القائم بين القوى المدنية المختلفة فيما بينها والقوى العسكرية حتى نعبد الطريق نحـو التحول الديمقراطي الحقيقي و قال البرهان في حديثه في المعاقيل الذي وقعناه ليس تسوية سياسية مع جهة واحدة و لا يجب أن لا يتم إخطتافه من واحدة. و عن خضوع الجيش الكامل للسلطة السياسية أكدها بعد الانتخابات حيث قال “تحويل الجيش إلي مؤسسة خاضعة للدستور والقانون والقيم والمؤسسات الديمقراطية المنتخبة ومنع تسيسه أو تحيزه إلي حزب أو جماعة أو أيدولوجياً.” و أضاف قائلا في ذات الاتجاه “الإقرار بأن السلطة المدنية هي المسئولة عن وضع غايات الأمن الوطني وربطها بالسياسة الخارجية والسياسة العسكرية هذه الغايــات التي ذكرت واجبة الإتباع في النظـــــــام الديمقراطي“هذا الذي أكده في حديثه في المعاقيل أن يخضع الجيش للسلطة المنتخبة. و في إشارة أخرى أن لا تكون الحكومة القادمة محاصصة بين القوى السياسية، و تتكون من عناصر كفاءات مستقلة قال البرهان في خطاب الاتفاق الاطاري ” التأكد على خروج المؤسسة العسكرية من العملية السياسية نهائياً يجب أن يصاحبه خروج القوى السياسية من المشاركة في حكومة الفترة الإنتقالية إستجابة لمطلب الثوار على أن تكون الحكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة هل كانت القيادات السياسية مغيبة الوعي في الاحتفال و لم تسمع خطاب البرهان بروية و تحكم فيه العقل، أم أن الشعور بنشوة الانتصار جعلتها تصفق للرجل دون أن تتمعن في حديثه.

أن الانقسام الذي يحدث بين القوى السياسية هو الذي يجعل العسكر يفرضون شروطهم على الآخرين، و كلما تشظت الساحة السياسية كلما زادت العسكر قوة. و كان المتوقع أن قوى الحرية و التغيير المركزي أن تدخل في حوار حقيقي و ليس شعاراتي مع القوى السيتاسية الراغبة في عملية التحول الديمقراطي، و خلق منها جبهة عريضة، لكنها للأسف لم تستطيع أن تتحرر من رغبات السلطة. و حتى الآن أمامها فسحة تستطيع أن تخرج من جلباب التفكير في السلطة إلي تأسيس الوطن. و الحرية المركزي ليس أمامها خيرات غير السير في طريق الحل السياسي الذي بدأته. قبل التوقيع على الاتفاق الاطاري كان لها خيارات، و الآن هي تستمد قوتها في صراعها مع الآخرين بتوافقها الإطاري مع العسكر، و هي تصارع في عدة جبهات، فخروجها من هذا الاتفاق سوف يضعف القوى المؤيدة لها، طريق ذو أتجاه واحد، لذلك يجب عليها أن تعدل خطابها حتى توسع قاعدتها التي تجعلها تتصدى للتحديات. و نسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.