‎حكاية من حلتنا يكتبها آدم تبن: ياغريب يله لبلدك

134

عندما يقترب العام الميلادى من نهايته فى كل عام تتجدد أجواء الحرية والاستقلال التى ضحى من أجلها الرعيل الوطنى الذى عاش بجسدهوروحه شاهدا على تلك الحقبة الاستعمارية  ذات السنوات الحالكة السواد فى تأريخ مضى من عمر بلادنا لم يرخ فيه الاستعمار قبضتهالحديدية على الشعب ومقدراته ، إلا أن ذلك لم يكن إلا وقودا يشعل فى النفوس مزيدا من الشجاعة والتضحية لمواجهته وتحمل التبعاتمحفوفة العواقب ، ويحكى تأريخنا أن لأهل السودان حقبة حافلة بالتضحيات والنضال فى البحث عن التحرر من المستعمر الذى فرق بينهمونهب خيرات البلاد مستفيدا من الأجواء الى خلقها ليجد متسعا من الوقت يمكنه من زرع الفتنة وإزكاء نارها لتلتهم جسد الوطن رويدا رويدا، وياله من مستعمر أوجد لنفسه برهة من الزمن جعلته يعرف من أن أين تأكل كتف الوطن ، فكان له ما أراد ونال من البلاد ما نال إلا إرادةتلك الأجيال قهرت المستحيل وتوحدت فيما بينها لتكون البلاد مرفوعة الرأس حرة مستقلة يرفف علمها خفاقا فوق سارية برلمان البلاد معلنامغادرة الاستعمار لأرضنا مغنيا ياغريب يله لبلدك.

ولمن لايعرف طعم الاستقلال من الأجيال الجديدة وكيف نالت البلاد إستقلالها عليهم بقرأة التأريخ الذى وثق لتلك الفترة ليعيش تلك الحقبةبعقلة وروحه حتى يقترب من معانى الاستقلال الحقيقة التى يعيش على تضحيات الأجداد والأباء مهما كانت صغرت أم كبرت فالمستعمرلافرق عنده بين شمال أو جنوب غرب أو شرق فكلهم سودانيون لذا فقد كان شديد البأس معهم قابل ثوراتهم الوطنية ضده بالبطش والتنكيلوالسجون ،فكان له ما أراد فى تأريخ  الاستقلال لكنه لم يستطيع أن يخمد الثورات فى نفوس الأحرار وتوقهم للحرية التى عملوا لأجلها حتىنالوا ما أرادوا ورددوا سويا النشيد الوطنى الخالد (اليوم نرفع راية إستقلالنا ويسطر التأريخ مولد شعبنا يا أخوتي غنوا لنا غنوا لنا) فكانلهذا النشيد وقعه على النفوس الحرة الأبية التى لم تستلم للاستعمار فكان لها ما أرادت بفضل الله تعالى ومن ثم قدرتهم على إحتمال الأذىالنفسى والجسدى الذى سببه الاستعمار وجعلهم يدا واحدة نالت ماسعت له بإعلان إستقلال البلاد من داخل البرلمان .

وتطوف حكاية من حلتنا حول المكان الذى أعلن فيه الإستقلال ، حيث تتردد عبارة البرلمان مقرونة بالاستقلال ، فهنا قد يسأل سائل أين موقعالبرلمان المقصود؟ فأتى الاجابة بأن البرلمان يقع داخل مدينة الخرطوم شرق شارع عبد المنعم محمد وجنوب شارع الجامعة وشمال شارعالجمهورية يفتح على القنصلية المصرية وبرج إتحاد الغرف التجارية ، وإطلق عليه فى سنوات سابقة إسم المجلس التشريعى لولاية الخرطوموالى الآن إلا أن عبارة البرلمان سابقا لازالت تلازمه فهو مرتبط بها إرتباطا تأريخيا لافكاك منه ، وها قد رفع علم الاستقلال فى ساريته سراياالحاكم العام وتبدل للقصر الجمهورى الذى أصبح مقرا للحكم الوطنى فى الأول من يناير من العام 1956م فتحمل الصورة الارشيفية لمنقدم مقترح الاستقلال من داخل البرلمان وهو النائب عبد الرحمن دبكه ومن ثناه وهو النائب مشاور جمعه سهل وهما يرتديان الزى القومىالجلابية وتزينها العمامة على الرأس وفى المقابل تبدو صورة الاستاذ إسماعيل الأزهري أول رئيس لمجلس الوزراء السودانى وبجانبه زعيمالمعارضة محمد أحمد المحجوب وهما يرتديان الزى الافرنجى الكامل وبينهما الشاويش صاحب الصورة الأشهر الجاك بخيت رافع علمالاستقلال، وهنا يدور سؤال فى الذهن لماذا تبدلت الأزياء بين تأريخ إعلان الاستقلال من داخل البرلمان فى التاسع عشر من سبتمبر وتأريخرفع أول علم للإستقلال بألوانه الثلاثة الأصفر والأزرق والأخضر فى الأول من يناير؟.

ولاتزال جزوة الاستقلال مشتعلة ومتقدة فى نفوس الأبناء الذين قدموا التضحيات المقدرة لبلادهم وبلادى ياسنا الفجر ياينبوع الشذىالعطرى ، وبلادى بلاد ناس تكرم الضيف وحتى الطير يجيها جيعان من أطراف تقيها شبع، ولمن لايعرف (التقاه) بفتح التاء والقاف فهىالمكان الذى تجمع فيه سنابل الذرة تنظف أرضه جيدا ومن ثم تجمع السنابل فيه وتغطى لحمايتها من الحيوانات والطيور والأتربة والغباروتترك لفترة حتى تجف ثم تدق السنابل بآلة يدوية تصنع من الأشجار لها رأس مستطيل بطول أقل من خمسة وعشرين سنتيمتر وعرض أقلمنه يتم إحداث فتحه فى نصفها توضع بداخلها عود مثل العصاة يزيد طوله عند المتر يمسك بالأيدي لدق الذرة تسمى (المدقاق) بضم الميموفتح الدال ويسمى العمال أو النفير ب(الدقاق) كذلك بضم الدال وفتح القافين ، ينجزون مهمتهم فى فترات تطول وتقصر بحسب كمية الذرةالمجموعة فى (التقاه) يجدون ينشدون ويتغنون فرحين بهذه النعمة الربانية التى تعينهم فى حياتهم ويتعلم السودانيين من إستقلال البلادالكثير من الدروس والعبر التى نأمل أن تغير حال بلادنا من الأسوأ الى الأحسن بإذن الله تعالى وذلك كان هدف الرعيل الأول من نيلالاستقلال وأبدا ماهنت ياسوداننا يوما علينا.

Comments are closed.