حكاية من حلتنا يكتبها آدم تبن: كتابى الأول صور تنبض بالحياة

94

وتظل الذكريات عالقة بالأذهان محفوظة فى الدواخل مهما طالت عليها السنوات وتراكمت عليها الهموم والمصائب صغيرها وكبيرها تعود أكثر ألقا وتوهجا عندما تأتى لحظات تسترجع مواقفها الجميلة أو حتى تلك التى لا يستطيع الانسان أن يبوح بها ويسر بها الى أقرب الناس إليه دعك من البعيدين منه ، ومامضى من الذكريات بالتأكيد يتصيد الناس الحديث عنه ليعيشوا لحظاته التى مرت عليهم بشخوصها وزمانها ومكانها وأحداثها كيف وقعت ومن هو بطلها الذى يشار إليه ويكون مدار الحوار والنقاش والعبر والدروس والنتائج المستخلصة التى يستفاد منها ، وأجمل لحظاتها التى ينظر الناس إليها بمختلف الزوايا إجتماعية كانت أو ثقافية أو إقتصادية.
وهنا نقول أن صورة فى غلاف أحد المطبوعات الثقافية بحضور أحد الزملاء علق عليها بأنها تشابه صورة غلاف كتابى الاول فى المرحلة الابتدائية حيث نقلتنا الى سنوات خلت وأعادت لحكاية من حلتنا ما علق بالذاكرة فى بداية أيام الدراسة التى يأتى إليها الأطفال وهم فى شغف وحب للدراسة وجدول الحصص اليومى الذى كان ينحصر فى الحصة الأولى للحساب أو الرياضيات والثانية العربى أو اللغة العربية والثالثة الدين أو التربية الإسلامية، بنظام الحصتين الاولى والثانية وبعدها الفطور والثالثة والرابعة وبعدها الفسحة والذهاب للمنازل ويطلقون عليها البيوت وعندها يخرجون فى فرح وسرور بانتهاء يومهم الدراسى بعد أن أدوا ما عليهم من واجبات فى حل المسائل والتمارين والحفظ والتسميع والكتابة والتصحيح ، حيث كان دور المعلم بارزا ويجد التقدير من الدولة والمجتمع باعتباره معلم ومربى للأجيال ومأتمن عليهم يقوم بواجبه خير قيام ودائما ماتجد التلاميذ يرددون بيت الشعر المعروف قم للمعلم ووفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا.

وكتابى الأول الذى يدرس للتلاميذ فى الصف الأول الابتدائي يعتبره التلاميذ صديقهم الأول الذى يلجأون إليه لما فيه من دروس وصور تنبض بالحياة وتعكس العادات والتقاليد المجتمعية وواقع البيئة وجمال الطبيعة التى يعيش حولها التلميذ ويعرف كيف يتعامل معها وفق تقاليد مجتمعية راسخة ومتوارثة لم تدخل عليها تغيرات إلا بعد سنين طويلة تأثرت فيها العادات والتقاليد المحلية بالعولمة التى أحاطت بها إحاطة السوار بالمعصم ، لكنها لاتزال تقاومها وترد هجماتها المتواصلة بنفس طويل وصبر وحكمة تصمد أحيانا وتعجز أحيانا أخرى ، ومن جميل تلك الصورة النابضة بالحياة صورة حسن والطيور وأحمد كتب وأمل كتبت وزيدان الكسلان الذى ظل يسند ظهره الى جزع الشجرة وارفة الظل ويسرح بخياله بعيدا بانه سيقوم بنظافة زراعته من هنا الى هناك الى أن إنتهى فصل الخريف وهو جالس فى مكانه لم يحرك ساكنا وكان مثار تندر وسخرية من مجتمعه المحلى.
وقد إشتهر الناس فى تلك المجتمعات بالعمل والنشاط على مدار العام فى مجال الزراعة ورعى الحيوان والتجارة والأعمال الحرة لاتهدأ حركتهم إلا قليلا بعد إنتهاء الدورة الزراعية ثم يعاودون الكرة مرة أخرى لتبدأ دورة زراعية مماثلة ينتظرون بشائرها فى ترقب دائم للسماء وهى تنشط فى تكوين السحب الماطرة وحركة الرياح الجنوبية الغربية التى تحمل زخات المطر بين جنباتها ويطلقون بعض المسميات على تلك البدايات ب(أم بشار طارت) (وريحة الدعاش) و(الخريف اللين من بشايره بين) وتظهر أسراب الطيور المهاجرة وهى قادمة فى جماعات عديدة تضع عصا ترحالها فى أعلى الأشجار المعروفة مثل الهبيل والأندراب واللالوب لتبنى عليها أعشاشها التى تحميها من الرياح والامطار وحرارة الشمس وتربص الصيادين والطيور الجارحة والثعابين السامة كل منهم يبحث على فريسة يصطادها كوجبة غذائية تساعده على الإستمرار فى الحياة مع مجموعته.

Comments are closed.