حكاية من حلتنا يكتبها آدم تبن: الصديق وقت الضيق

49

وتظل عبارات الثناء والمدح قليلة فى حق أبناء شعبنا الكريم وهم يقدمون لنا كل يوم درسا عفويا فى التراحم والتكافل والتعاون الإجتماعى على مستوى الفرد والجماعة ، فهى سمة من السمات الجميلة فى تعاملاتنا اليومية ، حيث أصبحت تجرى فى الدماء كأنها ولدت معنا منذ خروجنا من بطون أمهاتنا ونحن صغارا لانعى ماحولنا وما ينتظرنا من معاناة فى دروب الحياة إن كنا بين أهلنا أو خرجنا مهاجرين الى بلدان أخرى تختلف ثقافاتها وعاداتها وتقاليدها عن ما نشأنا عليه من القيم الفاضلة التى تحمل كل ماهو جميل ومختلف شكلا ومضمونا ، فالزول السودانى له إحترام فى خارج وطنه من بعض الشعوب التى يعيش معها لما وجودوه عنده من نبل الطباع وكريم المعاملة وحسن الأخلاق التى أوصانا بها نبينا محمد صل الله عليه وسلم قائلا: (أحسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويألفون) حيث تقرأ يألفون الأولى بفتح الياء وتقرأ الثانية بضمها ، وتجد السودانى يألف من أغلب الشعوب مما أدى إلى تداخل إجتماعى فريد من نوعه بتزوج كثير من السودانيين رجالا ونساءا من أغلب الشعوب فى العالم ، وهذه محمدة كبيرة أن نجد قبولا عالميا نتميز به عن بقية شعوب.

 

وهنا أريد أن أنقل للقارئ المتابع لحكاية من حلتنا حكاية رائعة عن التراحم والاهتمام الذى يقوم به بعض الأصدقاء أو الزملاء بعضهم بعضا وكما نقول نحن فى مثلنا الشعبى (الصديق وقت الضيق) بمعنى أنك عندما تضيق بك السبل فصديقك الحقيقى سيكون لك عونا وداعما يسهل عليك كل مصعب عليك وتجد عنده حلا قد لاتجده عند أقرب الناس إليك ، فصديقك لاتستعصى عليه الحلول فهو يبحث فى إتجاه يساعده فى حل مشكلتك لايتوقف عن طرق كل الأبواب حتى التى لايتوقع أن لايجد فيها من يساعده فى الحل فهو يطرقها أملا فى أن يكون الحل موجدا بها ، وياله من صديق يستحق أن نحتفظ ونفتخر به أمام الآخرين (وصديقى من يرد الشر عنى ويرمى بالعداوة من رمانى) فعلينا جميعا أن نبحث عن مثل هؤلاء الأصدقاء أصحاب النفوس العظيمة والهمم الكبيرة لا ترتاح نفوسهم إلا بعد أن يجدوا حلا مكتملا لمشاكل أصدقائهم.

ويقول محدثى الذى أعجبته حكاية تكافل ونفير إجتماعى قمن به طالبات فى أحد الجامعات السودانية نقلها عن والد أحد الطالبات قائلا بأن الطالبة عليها رسوم دراسية نهاية العام وستحرم من الامتحان إن لم تقم بسداد ماعليها من رسوم وأن والدها عجز عن السداد ولزمت الطالبة البيت مقتنعة بما آلت إليه الأمور وأن جلوسها للامتحانات أصبحت غير وارد ولا حل يلوح أمامها أو ضوء فى آخر النفق تعيش عليه أملا فى تحقيقه، وهنا جادت عبقرية زميلاتها اللاتي عرفن بأنها ستحرم من الإمتحان ولجأن الى أفضل الحلول التى تعلمنها من أماهتن بالتأكيد فى حل كثير من المعضلات خاصة المالية حيث إبتدعن الختة والصندوق والكشف حلولا إجتماعية إقتصادية تعالج المشكلة ولا تهدر كرامة الإنسان وتزيد من الترابط الاجتماعى

بين الأسر والجيران والزملاء.
فهنا كما قال لى محدثى أن هؤلاء الطالبات قمن بالمشاركة فى حل سداد الرسوم لزميلتهن بدفعها تكافليا بالشيرنق بلغة طلاب الجامعات والشير بلغة وسائل التواصل الاجتماعى والكشف بلغة المجتمع المحلى ، فجاء الحل إجتماعيا من وسط الطالبات وكان للطالبة أن إستعادت قوتها ومكانتها الاجتماعية وسطهن ووسط أهلها بأن إبنتهم تعيش وسط مجتمع متكافل ومتراحم مع زميلاتها اللائى ضربن المثل فى الإحساس بالآخر فلهن أجمل تحية ، ويزيد الصورة نقاءا وجمالا أن والدها عندما علم بما فعلهن هؤلاء الطالبات لإبنته بكى ونزلت دموعه فرحا بأن المجتمع لايزال بخير ويكثر أهل الخير فى وسطه مصداقا لحديث الرسول صل الله عليه وسلم (الخير فئ وفى أمتى الى يوم القيامة) وهكذا تعلمنا هؤلاء الطالبات أن الخير متوارث جيلا بعد جيل حتى وأن كانت الظروف التى نعيشها صعبة وغير مساعدة ولا تسمح بذلك إلا أننا قادرون على أن نجعل الصعب سهلا ونصعد به الى أعلى القمم (وتأبى الرماح إذا إجتمعن تكسرا وإذا أفترقنا تكسرت آحادا) .

Comments are closed.