حكاية من حلتنا يكتبها آدم تبن: (الأم مدرسة)

65

فى بلادنا السودان عادات وتقاليد إجتماعية راسخة لم تغيرها الأزمنة والأمكنة يصعب التخلص عنها فقد أصبحت ميسورة يفعلها الجميع دون عناء أو تكلف ، فهى تصب فى مصلحة جميع أفراد المجتمع وتبنى جسورا متينة من العلاقات الإجتماعية بين الناس ،وتزيد وتيرتها داخل الأحياء فى الأحياء السكنية الطرفية فى المدن خاصة الجيران الذين يسكنون لفترات طويلة ويصبحوا أسرة واحدة، رغما عن أن هناك من يشذ عن هذه القاعدة الصلبة لكنه غير ذا أثر كبير فأغلبية الناس يتعاونون فيما بينهم ، تجدهم فى السراء والضراء كأخوة خرجوا من رحم أم واحدة علمتهم التراحم والتعاون فيما بينهم مهما قست أو جارت عليهم الأيام والظروف فتأبى الرماح إذا إجتمعن تكسرا وإذا إفترقنا تكسرت آحادا ، ويالجمال الأمهات عندما يعدهن المجتمع للمستقبل فالأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق ، شعب يتماسك ويشد بعضه بعضا إذا أظلمت الدنيا أمام أحد من أفراده فتجدهم متعاونين فيما بينهم الى أن يصل الذى يحتاج الى وقفتهم الى بر الأمان.
وفى أيام الأحزان فى بلادنا تظهر قيمة التكافل والتعاون والتراحم والأخوة والجيرة والنفير بشكل جميل ومنظم لا تسمع ضجيجا لمن يقومون بالافعال الجليلة التى تنم على أن أفراد المجتمع متحابين ومتعاونين بطريقة تشعرك بأن الناس هنا مثل أباء الرجل الوالد يدخلون ويخرجون فى خفة وهمة عالية يتفاكرون فيما بينهم دون وجد رئيس ومرؤس أو قائد وجنود ، وعندها تلحظهم أنهم يفعلون أكثر مما يتكلمون ، مجرد إشارات بينهم يعرفون معناها ويحفظونها جيدا يتسلل أحدهما أو بعضا منهم إلى مكان ما ثم يأتون بالمطلوب على جناح السرعة والدقة والتنظيم ، وهنا لايخطر ببال أحدكم أننى أتحدث عن فئة عمرية دون أخرى أو نوع دون الاخر فالجميع هنا همتهم واحدة وهدفهم واحد إنجاز عملهم بجودة عالية وتميز لا يغيب عن أعين المراقبين الذين لهم كذلك من الملاحظات والتعليقات التى تأتى فى وقتها المطلوب وتسمع نداء هنا أعمل كده أو جيب داك أو تعال بيجاى.
ومن ملاحظة عابرة فى الأحزان التى تقع بين الفينة والأخرى ، ففى أحدها أتيت متأخرا بعد الشى من العمل وكنت أنوى اللحاق بتشيع جثمان أحد الموتى نسأل الله تعالى لهم الرحمة والمغفرة ، لكن إرادة الله حالت دون ذلك ووصلت الى مكان العزاء ، إلا أننى لاحظت أن كافة التجهيزات المعروفة فى مثل هذه الأوقات قد تم تجهيزها بشكل مكتمل حيث وفرت المياه الباردة والعصائر والشاى ووجبة الغداء وضعت أمام المجموعات التى عادت لتوها من المقابر وتجهيزات صيوان العزاء لإستقبال المعزين ، وهنا أتذكر أن أهلنا فى سنوات سابقة كانوا يسمون المقابر ب(الترب) بضم التاء وفتح الراء والباء وهى كلمة مشتقة من التراب الذى يدفن تحته الموتى وهكذا يبرع أهلنا فى تسمياتهم التى تتناسب مع لغتنا العربية بطريقة إبداعية راقية ومبسطة ومحببة للنفس ونعجز أن نجاريها فى عصرنا الحالى.
وهنا تزجى حكاية من حلتنا أجمل تهانيها للأمهات فى بلادى فى البوادي والفرقان والقرى والأحياء والمدن الصغيرة والكبيرة لجهدن المبذول صباح مساء فى إعداد الأجيال الحالية الشباب من الجنسين لمقابلة حاضرها ومستقبلها الذى يتطلب أن يتزودوا بالعلم والمعرفة ويتمسكوا بجميل العادات والتقاليد المجتمعية التى ظلت تواجه سيلا من العقبات والصعوبات الداخلية والخارجية تنجح أحيانا فى كسر طوقها وتفشل فى أحيان أخرى ، إلا جهود الأمهات كذلك لم تتوقف لحظة فى التوجيه والإرشاد والمعالجة التى تتطلب كثيرا من الحكمة والتعامل بطرق مختلفة حتى يصبح الجميع فى خدمة مجتمعهم ، حيث تتطلب الأوضاع الإجتماعية والاقتصادية فى بلادنا مزيدا من التعاون بين الناس فى مختلف المناسبات الإجتماعية التى يتنادى لها الجميع من كل حدب وصوب وتتطلب جهدا فوق العادة.

Comments are closed.