التحليل الثقافي حوار من أجل التفاكر

134

بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن

عند ذكر منهج التحليل الثقافي؛ يبرز أسم الدكتور محمد جلال هاشم الذي جعل هذا المنهج أدته التحليل للظواهر الاجتماعية في السودان. حيث يعتقد هاشم الثقافة هي المحرك للصراع و الجدل في المجتمع. كانت هذه مسار الندوة التي أقامها “منتدى سوداناب الثقافي في مدينة سدني” عبر خدمة “Zoom ” بعنوان ” الثقافة و الديمقراطية” تحدث فيها محمد جلال هاشم الذي ابتدر ندوته بالقول نحن في حاجة للتفاكر حول قضايا الثقافة و الديمقراطية.

و قال الدكتور هاشم أن الثقافة هي دائرة الصراع لتوليد السلطة وهي أيضا مجال الصراع حول السلطة، و هي التي تحدد آليات الصراع الاجتماعي. و يعتقد أن الثقافة هي التي تحدد أدوات الصراع في مجتمع متنوع الثقافات مثل السودان.

و معلوم أن الدكتور هاشم له السبق في أختيار منهج التحليل الثقافي لكي يكون أداة تحليلية لظواهر الاجتماعية في السودان، باعتبار أن الثقافة هي محور الصراع في المجتمع، و قال عندما اتحدث عن الثقافة العربية لا اتحدث عن ثقافة لها احترامها و لكن اتحدث عن الأيديولوجية، باعتبار أن الأيديولوجية تعتبر تزيف للوعي الاجتماعي.

ثم عرج و قال أن الهوية هي الأساس المكون للدولة الوطنية بعد ما اضمحلت الامبراطوريات في العالم و خاصة في أوروبا، و يعتقد أن دولة الهوية هي نفسها دولة المواطنة. و الدكتور هاشم بأتخاذه منهج التحليل الثقافي أدة تحليلية يكون قد فتح حوارا فكريا عميقا في الساحة الثقافية السياسية السودانية.

رغم التباين في الرؤية لمنهج التحليل الثقافي، باعتباره أداة تحليلية يقول عنه الدكتور المصري السيد يسن الذي كان يشغل من قبل مدير مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية هو منهج يتناول تحليل الأفكار في المجتمع، و من خلال تحليل هذه الأفكار يدرس الظواهر الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و التطورات داخل المجتمعات.

و كتب الدكتور السيد أمين شلبي مقالة في جريدة الإهرام بعنوان ” السيد يسن و منهجه في التحليل الثقافي” يقول فيه “تميز باكتشافه لمنهج التحليل الثقافي وتركيزه علي نظم الافكار في شئونها وتحولها وتغيرها والمنارة هذا المنهج مدخل اساسى لفهم ما حدث للرأسمالية والماركسية ، وعلي هذا فهو يعتمد التحليل الثقافي باعتباره المنهجية الملائمة للدراسة وتحليل وتفسير التغيرات الكبرى التي حدثت في العالم وتتأكد عنده قيمة هذا المنهج بعد ان تبين عجز المناهج السياسية والاقتصادية السائدة ليس فقط عن التنبؤ بمصير النظام القديم وانما ايضا عن تفسير الظواهر المصاحبة لانهياره واليوم.

وبعد 20 عاما من تقديم منهجه في التحليل الثقافي ، يشرع الاستاذ يسين في تجديد هذا المنهج وتأصيله وتوسيع نطاق تطبيقه علي المجتمع العربي وعلي التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية التي شهدها المجتمع المصري بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو.” و هنا يختلف مع الدكتور هاشم الذي يعتبر المنهج أداة الصراع في المجتمع. و لكن السيد يسن يعتبره منهجا للدراسة و التحليل بعيدا عن أدوات الصراع. و هو أختلاف رؤى.

و أيضا تختلف رؤية الدكتور سمير أمين في مسألة الهوية عن الدكتور محمد جلال هاشم حيث يعتبر الدكتور هاشم أن الهوية القاعدة التي يؤسس عليها الدولة الوطنية و بالتالي هي ضرورية لذلك. بينما يعتقد سمير أمين أن الهوية أزمة. و يقول في كتابه حوار الدولة و الدين ” ليست الأزمة الراهنة للمجتمعات الإسلامية أزمة هوية على الإطلاق، فهي أزمة اجتماعية حقيقية ناتجة عن قوانين التوسع الرأسمالي علي صعيد عالمي و تحويل بعض مناطق الأطراف في هذا الآطار إلي مناطق مهمشة” ثم يؤكد بعد ذلك أن الصراع الاجتماعي هو طراع لملكية وسائل الإنتاج.

و هناك الرؤية المحافظة “الماركسية الإثوذكسية” يمثلها الأستاذ تاج السر عثمان بابو حيث يرد مباشرة علي الدكتور محمد جلال حول منهج التحليل الثقافي و يقول في مقالة بعنوان ” منهج التحليل الثقافي رؤية نقدية” يقول في نقده “بالتأمل في تلك الأفكار التي يطرحونها كبديل فأنها لاتخرج عن تلك النظريات الكبري التي طرحها مفكرون مثل: ماركس بعد افراغها من مضمونها وتقطيع أوصالها وتشويهها ، واستبدال المنهج الديالكتيكي الذي ينظر للظواهر في تطورها وحركتها وشمولها وتبدلها وإنفتاحه علي التطورات الجديدة بذهن مفتوح، بالمنهج الانتقائي الغيبي الذي ينظر للظواهر في سكونها وعزلتها عن السياق العام وتجزئة العلوم الاجتماعية بدلا من تداخلها وتكاملها، ومحاولة التوليف بين المتناقضات مثل :الاشتراكية والرأسمالية”.

و يضيف قائلا “لانكار وجود الطبقات والصراع الطبقي، والحديث عن الأسرة والقبيلة والقومية والأمة بمعزل عن الطبقات والصراع الطبقي. هذا فضلا عن خطورة أن يقود منهج التحليل الثقافي لصراع الثقافات والعنصرية والاستعلاء الثقافي والعرقي مثل: الفاشية والنازية التي عاني منها العالم وادت الى نشوب حرب عالمية ثانية باعتبارها كانت تعبيرا عن أشد أشكال الرأسمالية دموية ووحشية.”

أن بابو لا يريد أن يتنازل عن دور الصراع الطبقي في المجتمع وفقا لملكية وسائل الإنتاج. و رؤية بابو النقدية مهمة جدا لأنه يمثل أحد الأفكار المطروحة في الساحة السياسية و الوعي الجماهيري تكتمل دائرته بحوار الأفكار، لذلك كانت بداية محمد جلال في ندوته مقولته ” نحن محتاجين للتفاكر و الحوار أكثر من تقديم المحاضرات” و إذا كانت رؤيته صائبة أو يكتنفها بعض الغموض لكنها رؤية يجب أن تفتح العديد من الحوارات الفكرية في المجتمع.

هناك رؤية تقول أن منهج التحليل الثقافي بداياته كانت في إنتاج الأفكار داخل البناء الماركسي، و كان ثمرة لمجهودات أصحاب نظرية التحليل الثقافي أمثال جورج لوكاش و انطونيو غرامشي، و لكن التطور الحقيقي حدث من خلال رواد معهد فرانكفورت رواد فلسفة ما بعد الحداثة إلي جانب الفيسوف الفرنسي فوكو. و هي الاجتهادات و الدراسات التي أحدثت تطورا في العلوم الاجتماعية.

و كانت الندوة محضورة من قطاع واسع من المثقفين، و استطاع الدكتور محمد جلال هاشم أن يثير العديد من الأسئلة أضافة إلي منهجه نفسه مجادل جدل فكري باعتبار أن منهج التحليل الثقافي منهجا جديدا لم يأخذ حظه في النقاش خاصة في المنطقة التي حول السودان. مع تقديرنا للرجل و الاحترام. و نسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.