مصطفى أبوالعزائم يكتب: أحلام معلّقة وآمال معطّلة(!)

57

 

هناك قضيتان شغلتا كل أهل السودان، ونقصد كل السودانيين في مختلف مواقعهم، في المركز أو الهامش الذي أوشكت أن تعتريه الذّلّة والمسْكْنة ، مع الضّعف البائن لسُلطة المركز على مرّ عهود الحُكم بإستثناء الفترة الإستعمارية ، الممتدة من سبتمبر ( 1898 م) وحتى مفتتح العام 1956م يوم إنزال علمي دولتي الحكم الثنائي ، ورفع العلم السوداني على يد الزعيم إسماعيل الأزهري ، والسيد محمد أحمد المحجوب زعيم المعارضة آنذاك .

والقضيتان اللتان أشرنا إليهما هما قضية علاقة الدين بالدولة، وقضية حق تقرير المصير، والأولى ترتبط بالمركز.. والثانية ترتبط بما أصطلحنا على تسميته بالهامش، خاصة الأقاليم التي عُرفتْ في فترة الإستعمار بإسم (المناطق المقفولة) وهي المناطق ذات الثقافات المحلية الخاصة ، والتي نرى أنها إن وجَدَتْ الفرصة لتقرير المصير سيكون إنفصالها حتمياً ، مثل ما فعل أشقاؤنا أبناء جنوب السودان ، حتى بعد توقيع إتفاقية سلام إعتبرها السودانيون والعالم نموذجاً واضحاً للإعتراف بالإختلاف، خاصةً وأنها تضمّنت الإعتراف بالخصوصية في التشريع المحلي ، والتخطيط الخاص لمناهج تعليمية وثقافية تميز شعب كل منطقة عن غيرها.. و.. مع ذلك حدث الإنفصال .

نريد القول بأن المسلمين فقدوا نموذج الحكم الإسلامي بنهاية الخلافة الراشدة ، لأنه ومنذ قيام دولة بني أمية ، ومن بعدها الدولة العباسية وما بعدها وحتى زوال آخر مظهر من المظاهر الإسمية للخلافة في الدولة العثمانية بداية عشرينات القرن الماضي ، كانت أنظمة الحكم إما وراثية أو إستبدادية إلى أن سقطت أكثرية الأقطار العربية في أيدى الإستعمار الغربي الذي أضطرته ظروف الصراع العالمي والمقاومة الشعبية الوطنية إلى الخروج من مستعمراته بالباب ليدخل من النافذة إن وجد فرصة لذلك ، وقد منحته القيادات السياسية لهذه الشعوب تلك الفرصة بسبب صراعها على السلطة ، خاصةً وأن أنظمة مابعد الحِقبة الإستعمارية ، كانت إما ملكية أو جمهورية ذات ملامح برلمانية أو رئاسية ، أو أنظمة تأتي عبر الإنقلابات العسكرية الناتجة عن ضعف الممارسة الديمقراطية الحقيقية .

صراعات السّاسة عطّلت نمو الفكر السّياسي وتطوره وأصبحنا – حتى نحن في السودان – نعيش ونعايش أمراض الإنقسام النفسي والفكري في ظل إيمان عاطل بالقيم والمبادئ لأننا لانتبع ذلك بالإجراءات والقواعد الثابتة ، ونجعل أمر تطبيق المبادئ العظيمة حلماً معلقاً ، نتناقله جيلاً عن جيل ، لذلك توّجب علينا أن نؤمن بأن الخلافات والإختلافات العقائدية والعرقية والدينية هي أساسٌ جامعٌ لا مُفرّق في حالة الدولة الوطنية الحديثة، وإلّا.. فعلي الدنيا السلام.
Email : sagraljidyan@gmail.com

Comments are closed.