حكاية من حلتنا يكتبها: آدم تبن

148

لاتزال آثار الحرب التى إنطلقت نيرانها الأولى فى وسط العاصمة الخرطوم تشغل الناس وتعكر أمزجتهم وحالتهم النفسية خاصة بعد تطاول أمدها ، وبات بعض الناس فى وضع خروج يومى من منازلهم بحثا عن منطقة أو دولة يجدون فيها مافقدوه فى عاصمتهم التى تسللت إليها عددا من المخاطر خلسة ، حيث كانت مضرب المثل فى الأمن والأمان يمارس فيها الغرباء حياتهم بحرية دون خوف من أحد ، ولكنها الحياة لا تستقر على حال كما قال الشاعر (هى الأيام دول / من سره زمن ساءته أزمان) فهاهو الحال فى العاصمة الخرطوم أصبح لايسر أحدا من سكانها ، أولئك الذين غادروها أو الذين ظلوا متواجدين بداخلها ، ومعروف أن للحرب أثارها المخيفة والمفزعة خاصة عند سماع أصوات الرصاص والذخيرة الحية التى لايقدر المدنيين على تحمل تبعاتها ، ومن هذه الأثار التى عايشها سكان العاصمة وحتى بعض المدن الأخرى إنقطاع التيار الكهربائي الذى ظل يتأثر بصورة متكررة بالإشتباكات التى تتوزع فى مختلف مدن العاصمة وتلقت الخطوط الناقلة للكهرباء نصيبها من الأضرار التى تضرر منها المواطنين داخل العاصمة وخارجها.

وظلت نغمة (الكهرباء جات) نغمة محببة تتردد على جميع الألسنة كبارا وصغارا ، منهم من يسألك مستفسرا عن عودتها ومنهم من يفيد الناس بعودتها ، ويظل إنقطاع الكهرباء هاجسا مخيفا يقلق المواطنين خاصة مع الأجواء الساخنة فى نهار شهر مايو الذى يعد من أصعب شهور فصل الصيف فى بلادنا وإنتشار ظاهرة اللصوص بكثافة ليلا ، طمعا فى سرقة ممتلكات المواطنين خاصة أولئك الذين غادروا منازلهم ولم يتركوا من يحرسها أو يراقبها ، وعند عودة التيار الكهربائي تعم الفرحة المواطنين ويبتهجون بها ويقابلونها بالصياح والصفافير والزغاريد ، وبالتأكيد فى عودتها لم تأت من فراغ ، ويعرف الناس جميعهم أن هناك من يعملون فى صمت لننعم نحن بالكهرباء ، ونحن نعرفهم لكننا لا نعطيهم حقهم الذى أقلاه أن نقول لهم شكرا على أداء واجبكم على أكمل وجه ، قد يقول قائل لماذا نشكرهم وهذا واجبهم الذى كلفوا به ويأخذون مقابلة رواتبهم وحوافزهم ، ويأتى ردنا بنعم هذا واجبهم ، ولكن هل يمنعنا ذلك أن نقول للمحسن أحسنت وهم أحسنوا صنعا فهل نبخل عليهم بكلمة (شكرا) لا أظن ذلك ، فنحن نعلم أنهم خلال الحرب قد عملوا فى ظروف مختلفة وليس وقت الحرب مثل وقت السلم .

والى وقت قريب لم تكن الكهرباء من أساسيات الحياة حتى فى المدن الصغيرة وأحياء العاصمة الطرفية دعك من القرى والأرياف ، لكنها فى عصرنا الحالى أصبحت من ضروريات الحياة فى المدينة والريف على حد سواء ، فقد ربطت محطات المياه الكبرى فى العاصمة بالكهرباء حيث كانت الى وقت قريب تعمل بالمولدات ودخلت معها الآبار كانت كذلك تعمل أيضا بالمولدات الصغيرة والموتورات الكهربائية أصبحت فى المنازل والأسواق والمصانع والشركات ، وعلى ذلك قس فقد أصبحت حياة السكان والحيوان والبساتين والحدائق والأشجار المنزلية كلها فى إنتظار عودة التيار الكهربائي ، وأصبح حتى الأطفال يتعلقون بالكهرباء ليتنعموا بالهواء البارد من المكيفات ويجلسوا أمام التلفزيون والألعاب الإلكترونية لممارسة هواياتهم المفضلة ، فحرمانهم من التمتع بالكهرباء بالطبع له تأثير فى حياتهم اليومية ، أما الكبار فأكثرهم تضررا من إنقطاع الكهرباء ربات البيوت حيث أصبحت الثلاجة (صديقة الأسرة) التى يلجأون إليها فى ساعة الضيق وإنعدام أو قلة المصاريف ، فهى تحمل بداخلها المأكول والمشروب الذى يمكن أن يخرجهم الى بر الأمان.

Comments are closed.