حكاية من حلتنا ؛يكتبها ادم تبن ذكريات صحفية

85

وفترة الحرب أجبرت أغلب الناس خاصة فى عاصمة البلاد الى الجلوس فى منازلهم لفترات طويلة ، وبعد أن توقفت معظم الأعمال فى الوظائف والأسواق وغيرها ولم يعد فى مقدورهم التحرك من أماكن سكنهم خوفا من المجهول الذى يأتى دون سابق إنذار ، فسماع صوت أخلاق النار هنا وهناك بات من مألوف أيام الحرب ، وحتى هذه الأصوات أصبح بعض الناس يميزونها بأسمائها ويعرفون حتى مدى تأثيرها على الناس والممتلكات والمساكن ، فأصبحت ثقافة الحرب والمعلومات حولها هى المسيطرة على الجلسات فى المنازل والطرقات والمواصلات ، وحيثما يتلقى البعض تبدأ المعلومات تتدفق بغزارة عن مواقع الاشتباكات ومن هو الطرف الذى خسر ومن إستطاع أن يحقق أهدافه من الحرب التى باتت تشكل الحدث الأبرز فى البلاد فى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعى ولها روادها ومحلليها وخبراؤها الذين لايمكن تجاوزهم بأى حال من الأحوال ، وهم من يقدم الأخبار والمعلومات والتحليل والتقارير عن سيرها ، ولانقول أنهم يتساوون فى نقل الحقائق مجردة بل فيهم يحذف الحقيقة ومنهم من يحرفها لتتماشى مع سياسته وهواه ، وهنا تمكن خطوة النقل الذى رأيناه فى كثير من الأحيان يجلب السخط والتندر على مصداقة ناقل الأحداث ، ولكن تبقى الحقيقة على أرض الواقع بائنة وأن جردوها من صحتها وصدقيتها.

وعلى ذكر وسائل الإعلام فقد عادت بى الذاكرة للوراء لسنوات تزيد عن العشر عندما كانت وسائل الإعلام السودانى فى عاصمة البلاد الخرطوم لها من التأثير الكبير على المتلقى خاصة الصحافة المقرؤة التى كانت من أول الأجندة الصباحية التى يبدأ بها سكان العاصمة عندما يخرجون من منازلهم ويصلون الى مواقف المواصلات ، حيث كانت الصحف السياسية تزيد عن العشرين صحيفة وكان لها قدرة كبيرة على المتابعة والرصد الدقيق للأحداث داخل البلاد ، حيث شكلت الرأى العام السودانى بذلك الإهتمام، فتجد المواطنين يلتفون حول بائع الصحف اليومية ليقرأوا أهم عنوان الأخبار الرئيسة التى حملتها صحف اليوم ، وثم بعد هذه القراءة السريعة يشترى بعضهم صحيفته المحببة ليفسح مكانه لآخر يريد أن يطلع على أخبار صحف اليوم ، وكانت الصحف تتافس فى الأخبار المؤثرة فى حياة الناس خاصة أخبار الإقتصاد ومعاش الناس ، فقد أفردت أغلب الصحف صفحات إقتصادية يومية وتتبعها ملفات أسبوعية لاتترك شاردة ولاواردة إلا عملت على عرضها ومناقشتها بصورة علمية وعملية يشارك فيها معلقين وخبراء وكتاب من أصحاب الشأن الإقتصادى ، وأزدهرت مع هذا العمل الصحف الكبير الإعلانات التجارية فى الصحافة وكانت الرئة التى تغذى شريان هذه المؤسسات الصحفية بالموارد المالية التى تعينها على الإلتزام بجميع المصروفات من رواتب وحوافز وصرف على الخدمات الأخرى التى تدخل فى صناعة الصحافة وهى تكاليف باهظة لكنها مقدور عليها .

وحكاية من حلتنا أعادت تلك الأيام هنا بعد إتصال مع الزملاء الصحفيين المتميزين فى المجال الإقتصادى ، حيث طلبت منه رقم هاتف زين فأرسل لى الرقم الذى كنت أحفظه فى تلك السنوات ، وبدون مقدمات أعدت تلك الذكريات الجميلة التى كانت فيها الصحافة عموما فى العاصمة مزدهرة والصحافة الإقتصادية جزاءا منها ، فكانت صفحة الإقتصاد بصحيفة الرأى العام هى من أعادت تلك الذكرى ، وحضرت أسماء صحفية كبيرة كانت تقود دفة الصحيفة منهم الأستاذ الصحفي المرحوم إدريس حسن رئيس التحرير والأخ الصديق بخارى بشير سكرتير التحرير ، وقوة بشرية صحفية لايستهان بها كانت تدير القسم الإقتصادى بالصحيفة حيث كانت الأستاذه سميه سيد رئيس القسم وخلفها الأستاذ سنهوري عيسى الذى قاد القسم بحنكة وهدوء يتعامل مع الأرقام بمهنية عالية ، وشكل معه الزملاء عبد الرؤوف عوض وباكر الحسن وعمار آدم وإحسان الشايقي وأمانى إسماعيل ورقيه الزاكى وحنان الرشيد ومريم أبشر ، شكلوا حلقة متكاملة للقسم الإقتصادى منهم من أهتم بالاقتصاد الوطنى ومنهم من غطى إقتصاد الولايات ومنهم غطى الإستثمار وإقتصاد الصحة والتعليم والتنمية الإجتماعية ، وقدموا جهدهم بمهنية متميزة وشكلوا حضورا متميزا فى مختلف المحافل الإقتصادية ، يشار إليهم فى مظهرهم وتعاملهم وعلاقاتهم مع مختلف المؤسسات العامة والخاصة ، وهذه بمثابة تحية خاصة لهم جميعا أينما كانوا فقد تفرقت السبل بالناس بحثا عن حياة أفضل بعد أن تراجع دور الصحافة الورقية فى عاصمة البلاد ، بل وأغلقت معظمها أبوابها معلنة عن عدم قدرتها على تحمل أعباء الصرف اليومى مع تضائل الدخل أو إنعدامه كليا .

Comments are closed.