كامل عبدالله يكتب: كورونا.. سنة يا أنا

79

بقلم: كامل عبدالله كامل

كنت ومنذ سنيني الباكرة أمتاز بالكسل، حتي كوب الماء كنت أنتظر من يمر قريبا من الثلاجة ليروى عطشى، تلك عادة زرعها فيني دلال عمتي سميرة بت ستنا بت أم الناس.

حتي حان زواجي وأوان اول لقاءاتي بزوجتي العزيزة، فتقمصت شخصية المرتب المنظم الماهر في كل شيئ.

العارف حتى لعلوم الذرة وأحوال الكواكب الأخرى ، حتي ألفت انظارها، حتما هي تفاجأت بعد الزواج بالكم الهائل من الفوضى والكسل المبالغ فيه.

فأسلمت الأمر لصاحب الأمر، فالزواج قسمة ونصيب لكن يبدوا في حالتها أنها يد القضاء والقدر لكنها رضيت واحتسبت الأجر في كبد رطب.

فذلك الرجل كما يروي الحديث الشريف انه دخل الجنة في سقيا كلب، فما بالكم بالكبد الرطب التي أمثلها أنا، حتما ضمنت الجنة إن شاء الله.

ما أن حط الفيروس مقيما بيننا يشيع الرهبة والخوف، حتي أحسست أن أيامي معدودة على ظهر هذا الكوكب، راجعت نفسي مرغما على كم الأخطاء التي ارتكبتها في حق زوجتي.

قررت أن أكفر عن الذنوب، إخترت ميدان الكفارة بعناية بالغة، وهو أن أطعم أربعة مساكين وخامسهم أبيهم “العبد لله”.

وقد كان ساحة مطبخنا الضيق، والذي إستيقظت يومها في ذات صباح باكر على أمل أن أصنع أولى مفاجآتي التي اعتقدت بادئا انها ستستمر كل ايام العزل، أو الحجر.

لا.. بل حزمت أفكاري جازما ان تستمر طوال أيام العمر والتي ظننتها شحيحة بسبب كورونا، وما أصعب تأنيب الضمير الذي يأتي في لحظات مفاجئة، فاغرورقت عيناي بالدموع وانتابني الاحساس بالذنب.

إخترت أن أبدا من حيث إنتهى الآخرون، أخرجت فرخة كانت محنطة في الثلاجة منذ زمن، وفي لحظات إنتظاري تلك كنت سمعت سابقا عن السيدة الفضلي منال العالم، الطباخة المجاهرة بالوصفات اللذيذة.

فأدرت من ساعتها محركات البحث، أخترت وصفة الفراخ بالروز ماري، كان الإسم غريب علي، اعتقدته بدءا إسما لعطر أخاذ او انه احدي روايات أجاثا كريستي الطاعنة في البوليسية.

بحثت عنه بين علب البهارات ولم أجده، ومع حماسي الزائد ذاك أرتديت ملابسي على عجل، فالإحساس بإسعاد الآخرين يصنع الرضا في الدواخل، لم يكن دكان العطار ببعيد.

سرعان ما أتيت بالمطلوب والذي لم يكن سوى حشائش يابسة لها رائحة زكية، أحضرت كل المطلوبات كما وصفتها إبنة العالم.

جاء وقت تقطيع الفرخة الي ثمانية أجزاء كما أمرت هي، إخترت سكينا لامعة، مصقولة بعناية وبدأت في التقطيع، والذي لم يكن سوي محاولات بائسة.

كنت أطعن فيها الفرخة من كل ناحية، كلما أدارت ناحية إزداد طعنا وبإصرار، وازداد معه شكل الفرخة بؤسا، لكني لم أستسلم.

فأحلتها الي أشلاء بفعل عملية إرهابية، حتي أنني أحسست بأني أحد أمراء داعش المسرفين في القسوة.

ما هي إلا لحظات حتى اختلط عظم الفرخة بلحمها، وفي تلك اللحظات وبين الفينة والأخرى ألقى نظرتي على المساكين الأربعة الذين هم برفقتي وتحت وصايتي.

واستحضر في ذاكرتي كم الفرحة الهائل على وجوههم ساعة مصافحة عيونهم للفرخة وسط حدائق الروز ماري.

قطعت البصل الي أجزاء مدشدشة، كنت أهوي على البصلة بالسكين كما يهوي الجزار بساطوره.

صببت على القدر مقدارا من الزيت، كانت كافية لتحمير خروف كامل، وضعت البصل المهروس واتبعته بأشلاء الفرخة، ثم صببت كل كمية الروز ماري عليه، حتي بدا لي ما كأنه وجه فتاة مراهقة ملئ بالبثور وحب الشباب.

أهلت على الخليط كل ما توفر لنا من توابل، واحكمت غطاء القدر جيدا، وكانت الفرحة بالإنجاز تغطي حتى على احساسي بالذنب الذي تملكني منذ قليل.

ما هي الي لحظات وقد غطي البيت دخان كثيف، كنت أحاول ان اطرده بخرقة بالية ذلك خوفا من أن يظن أحد الجيران أنني ممن يتعاملون في تحضير الجن والشياطين.

وصلت الخرقة بصعوبة وانا اتحسس طريقي إلى المطبخ، فتحت النوافذ المغلقة، أدرت الشفاط وأشرعت أبوابا وأحكمت أخرى لكي لا أخرج القمقم من مخبئه.

ما هي إلا لحظات وبينما انا أطارد أسراب الدخان المنتشرة وبرائحة نفاذة تفاجأت بما تهيأ لي انها ملامح زوجتي الوديعة، كان يتطاير منها الشرر.

هنا كانت مكامن مخاوفي والتي أحالتني الي قط مهزوم، أجرجر أذيال الخيبة، إنشغلت عني بإطفاء الحريق الذي حتما كان سيقضي على أخضر بيتنا، ويابس تلك الوصفة اللعينة التي اتبعتها.

طلبت مني زوجتي بعد أن هدأت الأحوال، وتلاشت أسراب الدخان أن أطلب منها كل ما يجول في خاطر ذائقتي وسيأتيني كلما أشتهي وأنا على سريري.

لكن يبدوا انني من ذلك الصنف الذي لا يرضى بالحياة الرغدة، أعتقد أن الطبخ ليس ميدانا مناسبا لمهاراتى.

تبدوا الحلويات هو ذلك الجزء المضيئ من العالم الذي يناديني، سأبدأ في تجميع كل ما توصلت اليه الخبرات في عمل الكنافة بالقشطة!!.

والعاقبة للمتقين..

Comments are closed.