مستقبل السودان كما يراه دبلوماسيون أميركيون

66

رصد:(صحوة نيوز)

في ظل التصعيد الحاد الذي تشهده الساحتان السياسية والميدانية في السودان، والتحذيرات الأممية من «تدمير كامل» للبلاد «وكارثة إنسانية» في المنطقة، استعرضت «الشرق الأوسط» آراء مسؤولين أميركيين سابقين في الملف السوداني، وسألتهم عن تصورهم لمستقبل البلاد واحتمالات التوصل إلى حل.

وتطرق الحديث إلى جولة القائد العام للقوات المسلحة الفريق عبد الفتاح البرهان، وتصريحات قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) حول الفيدرالية، بالإضافة إلى دور دول المنطقة في مساعي إنهاء القتال، والدور الأميركي في ظل احتجاج وزارة الخارجية السودانية على تصريحات السفير الأميركي في الخرطوم، جون غودفري، الأخيرة، التي دعا فيها طرفي النزاع إلى وقف القتال

.يقول المبعوث الخاص السابق إلى السودان دونالد بوث، إن 4 أشهر من القتال بين القوات المسلحة وقوات «الدعم السريع» ولّدت «كارثة في البلاد»، مشيراً إلى مقتل «الآلاف، وتهجير نحو 5 ملايين سوداني، وانهيار الخدمات الصحية على مستوى واسع». ويشدد في حديث مع «الشرق الأوسط» على أهمية وقف القتال بسرعة، مضيفاً أن «وقف القتال أساسي لإنقاذ الشعب السوداني من عذابه، لكن لا يبدو أن القوات المسلحة ولا قوات (الدعم السريع) مستعدتان لوقف القتال، والحديث معاً، ومع ممثلين عن الشعب السوداني المعذّب، حول كيفية إحقاق السلام في السودان. إذا استمر القتال؛ فسيواجه السودان مستقبلاً قاتماً من الفقر وتهديد الوحدة الوطنية»

ويوافق القائم السابق بأعمال السفارة الأميركية في الخرطوم، ألبرتو فرنانديز، على مقاربة بوث، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «ما دام هناك جمود عسكري دموي من دون مسار سياسي لإنهاء الصراع، فإن ما سنراه هو مزيد من الجوع والأوبئة والتهجير في السودان».

كلمات ردد صداها المدير السابق لمكتب المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، كاميرون هادسون، الذي حذّر من سيناريو مشابه لليبيا، وتوسع رقعة الصراع. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «استمرار القتال، وعدم تمكن أي طرف من تحقيق نصر كاسح، سوف يؤديان إلى استمرار البلاد على هذا المسار، مما سيخلق سيناريو انهيار للدولة مشابهاً لليبيا. وإذا حصل هذا، فسوف يؤدي إلى تصدير زعزعة الاستقرار في المنطقة بأكملها، مع خطر محتمل لتوسع الأزمة في الساحل لتصل إلى البحر الأحمر».

ويعرب هادسون عن تشاؤمه إزاء مستقبل السودان، مشيراً إلى أن الأمل في مستقبل البلاد «ضئيل ما دام القتال مستمراً». ويفسر سبب تشاؤمه هذا قائلاً: «لست واثقاً بأن المجتمع الدولي، يستطيع أن يدفع باتجاه مسار سياسي تنجم عنه نهاية للصراع وحكومة ذات مصداقية

لكن كلاً من فرنانديز وبوث يعارض المقاربة المتشائمة هذه، فيؤكد الأول: «بالطبع السودان لديه مستقبل. لكن في بعض الأحيان ولسوء الحظ فإن بعض البلدان تنهار جزئياً قبل أن تعود إلى الحياة. رأينا هذا الوضع في بلدان مثل ليبيريا وسيراليون، حيث شهدتا حرباً مفتوحة دمّرت معظم البلاد. اليوم البلدان يتمتعان بنظام ديمقراطي، لكن العذاب كان فظيعاً خلال سنين الصراع». ويعقّب: «في السودان تم تدمير الكثير، وهذا سيتطلب أعواماً لإعادة البناء في حال أعطيت البلاد فرصة لذلك».

موقف يدعمه بوث الذي تساءل: «طبعاً هناك أمل بمستقبل أفضل في السودان. فإلى أي مدى يمكن أن تسوء الأمور؟». وأشار بوث إلى أن تاريخ السودان «مشبع بفشل الحكومات العسكرية» وأضاف: «السودان أمة كبيرة ومتنوعة، والسلام لا يتطلب وقفاً للعمليات القتالية فحسب؛ بل أيضاً يتطلب نقاشاً وطنياً شاملاً حول كيف يمكن حكم أمة متنوعة بهذا الشكل، بطريقة تتم فيها معاملة الشعب السوداني كله بمساواة، وتمكّن من سماع أصواتهم واحترامها. لن يكون هذا نقاشاً سهلاً، لكنه ضروري لإنقاذ السودان من مزيد من التشتت

وأثارت تصريحات السفير الأميركي في الخرطوم، جون غودفري، استياء وزارة الخارجية السودانية، التي رفضت المقارنة بين القوات المسلحة، وقوات «الدعم السريع»، في دعوته الأخيرة لإنهاء الصراع… وقد دافع فرنانديز عن موقف غودفري، مشيراً إلى أنه «محق» وأن «كلماته اختيرت بعناية، وتعكس وجهة نظر الحكومة الأميركية

وأضاف فرنانديز؛ الذي خدم بمنصبه في الخرطوم من عام 2007 إلى 2009: «البعض في السودان احتضن بشكل كلي قضية الجيش ضد قوات حميدتي، لكن الجيش لديه تاريخ رهيب في قتل السودانيين وقمعهم على مدى عقود. البرهان وحميدتي شاركا في الانقلاب العسكري منذ أقل من عامين. والقوات المسلحة إضافة إلى قوات (الدعم السريع) عملتا عن قرب خلال المجزرة في دارفور منذ 20 عاماً. إن أيادي الجهتين غير نظيفة».

من ناحيته، يعدّ بوث أنه «من المنطقي أن يدعو السفير الأميركي الطرفين إلى وقف القتال والبدء بالحوار». ويقول إن «القوات المسلحة السودانية وبقايا الحكومة التي قادتها قبل اندلاع المواجهات مع قوى (الدعم السريع) في أبريل (نيسان) تروج لفكرة أنها تدافع عن السودان ضد وحدة عسكرية متمردة»، مضيفاً: «من المثير للاهتمام أن أغلبية المجموعات المدنية السياسية، ولجان المقاومة في الجوار، ومنظمات المجتمع المدني والموقعين على اتفاق جوبا للسلام، لا يدعمون هذه الفكرة. ويرفضون دعم أي من الطرفين، بل يدعونهما إلى وقف القتال والبدء بالحديث معهم حول مسار مستقبلي للسودان».

لكن هادسون؛ الذي يخالفهما الرأي، انتقد مقاربة السفير الأميركي، مشيراً إلى أن «الحديث بشكل عام هكذا غير فعال، ويتجاهل الخلافات الأساسية التي يتقاتل من أجلها كل طرف». ويفسّر هادسون هذا الموقف قائلاً: «بينما ارتكب الطرفان جرائم حرب، فإنه لا تمكن مقارنة مستوى ونطاق هذه الجرائم». ويذكر: «في النهاية، لن يكون هناك يوم في السودان من دون جيش وطني، لكن سوف يأتي يوم تغيب فيه قوات (الدعم السريع)، وتصريح السفير يتجاهل هذا الواقع الأساسي».

Comments are closed.