حكاية من حلتنا (يكتبها: آدم تبن)

60

فى أيام قليلة نسجت العنكبوت بيوتها على أبواب وشبايك أعداد كبيرة من المنازل فى عاصمتنا الخرطوم بمدنها الثلاث وهى لاتحتاج الى تعريف فقد سبقتها سمعتها الى خارج الحدود وأصبحت مثالا يضرب للعواصم الآمنة ، حتى أن بعض المسؤلين الأجانب ظلوا فى حراك إجتماعى ورسمى دون خوف من أن يصيبهم مكروه ، وهذا وإن دل ذلك إنما يدل على أنهم يشعرون بالأمان والأمن فى بلاد مقرن النيلين التى كتب عنها الشعراء وصدح لها أصحاب الحناجر الذهبية أمثال الراحل سيد خليفه ، (ياالخرطوم العندى جمالك/ طول عمرى ماشفت مثالك) ورفرفت أعلام الدول الشقيقة والصديقة على مقار سفاراتها وكانت عشقا يتمنى أهل الدبلوماسية أن تكون الخرطوم أحد محطات عملهم ليعيشوا مع أهلها الأمن والإستقرار الذى سمعوا به ليروه رأى العين تحقيقا لمقولة (ليس من رأى كمن سمع) ، وتحضرنى هنا تلك الإفطارات الرمضانية التى كانت تعزز بها هذه السفارات التواصل الإجتماعى مع الخرطوم ومع بعضها البعض ، وتليها إحتفالاتها بأعيادها الوطنية سنويا ، ولم تكن الخرطوم بمعزل عن ذلك مشاركتها دائمة تحقيقا للتعاون مع عدد من البلدان التى يهمها تعميق أواصر الصداقة والإخاء وفتح آفاق أرحب للعلاقات الرسمية والشعبية.

وحكاية من حلتنا فى تواصلها الإجتماعى مع الزملاء والمعارف والجيران خاصة أولئك الذين يسكنون العاصمة الخرطوم وبعد إندلاع حرب الخامس عشر من أبريل مر بى شريط طويل من الذكريات التى لاتتوقف فى كل لحظة وتحضر خلالها لحظات جميلة وسعيده وأخرى غير ذلك ، فقد غادر الملايين منازلهم دون حتى كلمة وداع أو مع السلامة على غير العادة ، وتفرق الناس أيدى سبأ منهم من آثر الذهاب الى أهله وموطنه الأصلى ومنهم من غادر الى مناطق تبعد أو تقرب من العاصمة وآخرين خرجوا الى دول الجوار بحثا عن حياة أفضل بعيدا عن وقع الأسلحة ودوى المدافع وأزيز الطيران ، وتبدلت حياتهم التى كانوا يعيشونها فى منازلهم بسعادة وهنا وراحة ولكن (دوام الحال من المحال) (ومن سره زمن سائته أزمان) تركوا خلفهم كل متاع هذه الدنيا التى لاتساوي عند الله جناح بعوضة ، كما قال عنها الصادق المصدوق نبينا محمد صل الله عليه وسلم ، وهنا يأتي صوت أحدهم مخاطبا أحد معارفه ياأستاذ إنت موجود فى الخرطوم ولا طلعت فيأتيه الرد طلعت قبل فترة وحاليا مع الأهل فى أمن وسلام بعيدا عنها ، فهل ياترى سيعود الناس مرة أخرى الى عاصمتهم الجميلة أم سيزهدون عن العودة إليها مجددا ليعيدوها الى سيرتها السابقة؟.

ومايحمد لحرب الخامس من عشر من أبريل أنها أعادت العلاقات الإجتماعية الى وضعها الطبيعى حيث إنعدمت فى فترات سابقة وتقطعت صلة الأرحام والزيارات بين الأسر بعضها البعض ، والذى قدر له الخروج من العاصمة يرى ذلك بأم عينيه ، فهناك من سكن مع أسرته الكبيرة وهناك من سكن بالقرب منهم حيث سهلت على الناس مواصلة الأرحام يوميا بدون إنقطاع ، ويابخت من وفق فى مواصلة الأرحام التى حث عليها الشرع الحنيف ، حيث تعرف الأطفال على أسرهم الممتدة وقويت علاقاتهم بأندادهم وتعرفوا على عادات وتقاليد إجتماعية لم يعرفوها قبل ذلك ، وهاهم يمرحون ويلعبون مع بعضهم البعض لا يخافون من الخروج للشارع الذى كان يشكل خطرا عليهم عندما كانوا يعيشون فى العاصمة خوفا من الظواهر السالبة التى تستهدف الأطفال ، وهاهم الآن يخرجون من المنازل دون الرقيب الذى كان ينهاهم عن الخروج الى الشارع ، فالشارع هنا يستمدون منه الراحة والطمأنينة واللهو المخلوط بشلاقتهم المعروفة ونغنى معهم (رب لاتحرم بيت من الأطفال) .

Comments are closed.