حكاية من حلتنا يكتبها: آدم تبن
وعندما تتهادى شمس كل يوم لتتوارى بعيدا عن إنظار الناس معلنة عن مغيبها فى ريف بلادنا الحبيب ، ويعود زرافات ووحدانا راكبين أو راجلين من مواقع أعمالهم إن كانوا فى المدينة أو المزارع أو المراعى ، فإن هموما ثقيلة تركوها ورائهم يحملون معهم أشواقهم وأمنياتهم لمشاهدة أسرهم التى تنتظرهم هى كذلك يتمنون أن يرونهم وهم بعافية وسلامة وأياديهم لا تخلو من ما ينتظرونه ، فمن يعمل بعيدا عن الريف وخاصة أولئك الذين تربط أعمالهم بالمدن مثل أصحاب عربات النقل والمواصلات والسائقين والتجار وغيرهم ، فإنهم لايعودن مثل ماذهبوا ، فمنهم من يأتى بالبضائع التجارية ومنهم من يأتى بالغذاء والدواء والكساء وآخرين يحملون معهم أمانات مختلفة تحتاج الى إيصالها لأهلها الذين يتلهوف الى إستلامها خاصة إن كانت أموال تعينهم فى معاشهم اليومى ، وبالتأكيد لا تختلف إحتياجات أهل الريف عن بعضها شرقا أو غربا شمالا أو جنوبا ، فحياتهم الإجتماعية والإقتصادية تتقارب مع بعضها البعض وما أجملها من حياة يسودها الأمن والإستقرار والتعاون والتكافل بينهم جمعيا.
ومن جميل حياة ريفنا أن أهله يمتهون مهنتئ الزراعة والرعى وهما مهنتان متلازمتان فأغلب الزراع يمتلكون ثروة حيوانية تتباين مابين الأبقار والجمال والأغنام (الماعز والضأن) وهى تحتاج الى مساحات تسهل عليها عملية الرعى بعيدا عن الزراعة ، فمن يرعى بثروته الحيوانية قريبا من الزراعة والبلدان فلا محالة سيقع فى التعدى على المزارع وهو ما يتسبب فى إتلافها ويعرض أصحابها للمحاكمات المحلية إما أن يمثل أمام (شيخ القرية) أو محكمة محلية تسمى (محكمة العمدة) ، فشيخ القرية هو مسئولا عن إرادته الأهلية فى القرية التى يسكن فيها ، أما العمدة فيقع تحت أمرته عددا من مشائخ القرى القريبة من القرية يسكن فيها ، ولايحتاج الناس الى الذهاب الى محاكم المدن إلا فى حالات قليلة ، فما يصدر من هذه المحاكم من أحكام يكون مقبولا لطرفئ النزاع (المزارع والراعى) ، وأغلب هذه الأحكام تكون مالية وقليل منها يكون بالجلد أو السجن أو التوبيخ ، فعندما تقرر المحكمة تغريم صاحب الثروة الحيوانية مالا عليه أن يقوم بسداد المال للمحكمة وهى بدورها تسلمه للمزارع المتضرر الذين يحتاج جبرا لذلك الضرر الذى أصاب محصوله خاصة إن كان المحصول (ذرة أو سمسم).
وحكاية من حلتنا تعيد مثل هذه الحكايات وتنقلها لقرائها كلما سنحت الفرصة لذلك ، وإسهاما فى نقل المعارف والخبرات والتجارب بين الأجيال وحفاظا على هذه الموروثات الثقافية والإجتماعية التى ظلت رصيدا وإرثا إبداعيا يحتاج أن نعرف ونذكر به مجتمعنا ، ونقول للناس هذا قليل من كثير يزخر به مجتمع بلادنا خاصة فى الريف ، والحق يقال أن من يقومون بمهام المحاكم والتقديرات له من القدرات التى حباهم الله بها وأهلتهم لأن يكونوا قادة يحترم المجتمع مايصدر منهم من قرارات مالية كانت أو عقابية لا يجروء أحد على تكسيرها أو النكوص عنها مهما كانت مكانة الشخص المعنى ، والمحاكم الأهلية فى الريف مبناها فى الغالب (راكوبة) مبنية من المواد المحلية ( الحطب والقش والحبال) ، وفى المدن الريفية يكون مكانها من الطوب اللبن ليصمد أمام حركة الرياح والأمطار التى تكون بغزارة وتستمر لساعات طويلة ، وإستطاعت المحاكم الأهلية أن تنال حظها من التقدير والإحترام من المجتمع وأثبتت أهليتها فى الفصل بين المتنازعين من المزارعين والرعاة ومن يلجأ إليها مظلوما يجد حقه من الإنصاف والنصرة وجبر ما حاق به من ضرر ماديا كان أو معنويا .
Comments are closed.