الزين صالح يكتب : السودان و مأزق التغيير و النهايات 2 -2

177

بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن صعود قيادات ذات قدرات متواضعة على قمة أغلبية الأحزاب السياسية و خاصة التقليدية، قد أضعف الأحزاب السياسية و دورها، أن صعود هذه القيادات للقمة أصبح همها الأول كيف تستطيع أن تحافظ على مواقعها، و بالتالي لم يكن لها أي مصلحة أن تدخل في قضايا الثقافة و الفكر و تطوير القدرات و توسيع مساحات الحرية و مواعين الديمقراطية داخل مؤسساتها، و عجزها لأنها لا تستطيع أن تدخل في جدل يكشف تواضع قدراتها أمام الذين تقودهم، ذلك ضيقت مواعين الديمقراطية و صعدت قيادات أقل منها قدرات في كل الجوانب لكي تحافظ على مواقعها. هذا الضعف العام هو الذي يجعل الأحزاب السياسية تفشل أن تقدم مشاريع سياسية و تطرحها أمام الكل للحوار، و هي تعلم أن التحول الديمقراطي يحتاج إلي تنشيط الأدوات التي تنتج الثقافة الديمقراطية، التي تشكل الأرضية المطلوبة لغرس نبتة الديمقراطية في المجتمع.

ثورة ديسمبر 2018م خلقت واقعا مغايرا عن الثورات و الانتفاضات السابقة خاصة في اتساع المشاركة الشبابية من الجنسين، و الثانية تواجدهم المستمر في الشارع لإثبات الوعي الجديد الذي تخلق وسطهم، هذا التحول كان يشكل ازعاجا كبيرا لتلك القيادات، و خافت أن ينسحب الوعي داخل الأحزاب، و أيضا خافت أن يحدث التحول الديمقراطي الحقيقي من خلال هؤلاء الشباب و تنكشف عوراتها، و لم يكن أمامها غير أن تفسد المسار نحو الديمقراطية، أما أن تدعى أن الفلول هم الذين وراء كل أعمال الفشل، أو أتخاذهم فزاعة ضد كل الذين يخالفونهم الرأي. رغم أن تحدي عناصر الإنقاذ للنظام الجديد كانت متوقعة، لأنهم يحاولون حماية مصالحهم بشتى الطرق، أو خلق تسوية تعيدهم للمسرح السياسي، و بالتالي التعامل معهم كان يحتاج لوعي و حكمة في أن تخلق واقعا مغايرا عن ممارسات النظام السابق، و ليس السير في ذات المسار و الممارسات، و بذات الثقافة الشمولية التي خلفها النظام السابق، الخلاف فقط نشر شعارات زائفة فشلوا في تنزيلها على الأرض، هذه الشعارات تم بها تسميم قطاع من السياسيين ذو الولاءات المغلقة، و الباحثين عن مصالح ضيقة.

كان المتوقع أن يلعب الإعلام و الصحافة دورا مغايرا لكي تستفيد من وعي الشارع، و تحاول أن توسع دوائر الوعي التي تخلقت وسط الشباب، و تجعلها تتحرك بشكل فاعل داخل المجتمع، بهدف الحفاظ على توازن القوى، و مهما كانت الخلافات بين القوى السياسية إلا أنهم جميعا أصبحوا صيدا في مصيدة الاستقطاب. هذا التراجع الكبير في قدرات القيادات في الأحزاب التقليدية، و التي كان من المفترض أن تقدم المبادرات و الحكمة، و قد نظروا لها من خلال منافذ ضيقة، أثرت سالبا على مسار العملية السياسية. مما جعلها تدور حول مصالح حزبية و شخصية ضيقة. أجهضت المصلحة الوطنية التي ركز عليها الشارع ” وحدة – سلام و عدالة” و هو شعار كان يحتاج لقيادات واعية و حكيمة في قيادة المسيرة بعقل و فكر. الغريب في الأمر؛ أن الديمقراطية تقتضي من الجميع أن ينظروا للمسار منذ يوم 11 إبريل 2019م ، هل كانوا مدركين أن الديمقراطية تحتاج لصدور مفتوحة رغم اتساع الخلاف، و عقول متقد قادرة على أن تصحح أول بأول الخطأ دون أن تصنع لها شماعات تعلق عليها أخطائها؟
كان الرهان على القوى الجديدة، في اعتقاد إنها لم ترث الإرث السياسي للتشاحن و الصرع الصفري، و تذهب مباشرة في اتجاه المسار الديمقراطي ،و تعبد طريقه، و تصنع أدواته، و توسع دوائر الحرية، و من السنة الأولى للحكم تعلن عن انتخابات للمحليات لكي تجعل الكل في ممارسة مع الديمقراطية، و تصنع لها شرعية قاعدية تدعمها في أي صراع يقف ضد الديمقراطية، لكنها كانت أضيق أفقا لأنها تعلقت بحبال السلطة، و افتكرت أن السلطة وحدها هي التي سوف تجعلها أن توسع دائرة عضويتها من خلال توزيع الغنائم في المركز و الأقاليم، و اغفلت أن الرهان على السلطة و غنائمها يخلق جيل من الانتهازيين و الوصوليين و ماسحي الجوخ، و أن الرهان فقط على السلطة سوف يوسع دائرة الصراع، و يغري الكثيرين بدخول الحلبة، كانت القوى الجديدة بأظافرها تحفر حفرا في طريقها. و رهان السلطة لا يمكن التحكم فيه، و عندما نشب الصراع، لم ترجع لكي تقيم تجربتها و تتعرف فيها على الأسباب الحقيقية للفشل، بل ذهبت في ذات منهج السابقين دعوة المنهج التبريري البحث عن شماعات تعلق عليها أخطائها، لذلك خسرت حتى الشارع في مسارها السياسي.
و الملاحظ ؛رغم شعارات الديمقراطية المرفوعة في كل الأوساط و المؤسسات الحزبية، لكن أغلبية الذين يرفعونها لا يمارسونها، و يضجرون منها لأنها تهدد مصالحهم. الديمقراطية لا تهدد مصالح الوطن بل تعزز هذه المصالح، و الديمقراطية تقلل من فرص بروز العنف في المجتمع، و الديمقراطية تخلق الاستقرار الاجتماعي و السياسي لأنها دائما تتحول لوعي و قوانين تتحول لسلوك، لكنها كشعارات فقط تخلق وعيا زائفا لأن السلوك يناقض القول، و الممارسة تجدها تخالف القوانين، غيابها هو الذي يخلق النزاعات و الحرب في المجتمع.

أن الحرب الدائرة الآن سوف تستمر حتى إذا تم وقفها إذا لم تكن هناك نخبة واعية و مدركة لدورها ،و عندها الإرادة القوية للتحول الديمقراطي، و لكن نخبة تلهث وراء السلطة دون أي مشروع سياسي يتم محاسبتهم عليه، هي نخبة لا تستطيع ان تنجز مهمة أكبر من تصوراتها. أن الاتفاق على حكومة مستقلة من كفاءات مؤهلة أكاديميا و ذات خبرات إدارية و إلمام بالفكر السياسي، و الثقافات السودانية، و أن تذهب الأحزاب لتحضير نفسها للانتخابات، هو مدخل للحل، يخرج الكل من قضية المحاصصات و الصراع على سلطة الفترة الانتقالية. نسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.