حكاية من حلتنا يكتبها: آدم تبن
ليلة المولد يا سر الليالى وأنت تسمعها بصوت المبدع الراحل عبد الكريم الكابلي تجيش فى نفسك تلك الذكرى العطرة التى تسير بها الركاب منذ أن ولد نبى الرحمة نبئ أمة الإسلام محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم فى مكة التى أعزها الله بهذا النبى الأمى ، فميلاده حدثا كبيرا وثقته كتب السير ودونته كل لحظاته التى يتمنى أهل الإسلام أن تتكرر عليهم فى كل العام وليس فى ربيع الأول الذى شهد مولد النبى فى ثان عشر منه ، وأصوات الدعاة تصدح فى المنابر مذكرة بهذه المناسبة العظيمة التى أحبها أهل بلادنا السودان وجعلوها موسما يلتفون فيه ويلتقون حبا وتعظيما لصاحب الجناب العالى الذى أرسله الله تعالى رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا ، يبشرهم بجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، وينذرهم ويحذرهم من النار التى أعدت للكافرين ، فهو شفيع أمته يوم القيامه عندما يقول كل إنسان نفسى نفسى إلا هو فيقول (أنا لها) فما أعظمه من نبى وما أرحمه من نبى ، وتلك من رحمة الله تعالى على أمة الإسلام أن بعث فيهم النبى محمدا ليكون محمودا فى السماء ومحمودا فى الأرض .
ولمولد النبئ صلوات ربى وسلامه عليه فى بلادنا نكهة روحية مختلفة من بلاد العالم الإسلامى ، وإن إختلف الناس مابين مؤيد للإحتفالات ورافض لها ، إلا أنها ظلت تقام سنويا دون إنقطاع لأكثر من مائة عام ، وعاصمة البلاد الخرطوم كانت صاحبة القدح المعلى فى تنظيم إحتفالات المولد النبوى الشريف ، وما زفة المولد فى الأول من ربيع الأول إلا وشاهد على ذلك ، ففيها تكتسى مدن العاصمة ومحلياتها السبع بمظهر الإحتفال والإحتفاء بإدارة الطرق وتزينها وتجهيز مواقع الاحتفالات وتنظيم المشاركين فى الزفة وتحديد مواقيتها ومن أين تنطلق وخط سيرها وآخر نقطة تصلها ، وفى هذا العام فى النفس شئ من حتى ، فهاهى حرب الخامس عشر من أبريل الماضى تعطل الإحتفال بالمناسبة كليا ، إلا أنها بالتأكيد لا تتعطل فى نفوس محبى النبى الكريم فأصل حبهم له لا تزعزعه مثل هذه الحرب العابرة التى ستنجلى بإذن الله تعالى وإن بدت مؤشراتها عند البعض أنها ستطول ، وأهل السودان فى مدحهم للنبي كتبوا وألفوا آلاف القصائد التى تمتلأ بوصف أخلاقه وصفاته وسيرته العطرة فقد مدحه الله تعالى قائلا : (وإنك لعلى خلق عظيم) ما أعظمه من مدح خصاه الله تعالى به ويقول : النبى صل الله عليه وسلم عن نفسه (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
وفى بلادنا السودان يحتفل أهل المدن وأهل الريف بمولد خير البرية محمد بن عبد الله صل الله عليه وسلم ، وفى عاصمة البلاد خصصت عددا من الساحات لذلك وسميت (بساحات المولد) تشد فيها خيام الإحتفال وأماكن بيع الحلوى الذى سميت كذلك ب(حلاوة المولد) وتضج الساحات بحركة الناس ليلا وتخبو نهارا حتى الثانى عشر من ربيع الأول (يوم القفلة) أى يوم الختام وبعده يتفرق الناس عائدون الى مناطقهم التى أتوا منها، فهنالك من يسكن خارج العاصمة ويأتى إليه محتفلا مع أهلها الذين يكرمونهم أيما كرم ، وإن غابت هذا العام تلك الزفات والإحتفالات فى ساحة (المولد بالسجانة) بالخرطوم و(ساحة المولد بميدان الخليفة) بأم درمان و(ميدان المولد ببحرى) وساحات أخرى بأم بده وكررى وجبل أولياء وشرق النيل ، إلا أنها بالتأكيد أن غيابها سيكون دافعا لبعض الناس بتنظيم الاحتفالات فى المناطق التى ذهبوا إليها نزوحا من الحرب ، حتى وإن لم تكن بذات التنظيم والترتيب الذى ظلت تنظم به فى عاصمة البلاد ، ويظل ميلاد أفضل الخلق سيدنا محمد صل الله عليه وسلم ، مدرسة للأمة الإسلامية تتعلم منه الدروس والعبر والعظات ، لتسلك بها طريق الحق والصراط المستقيم ، وإن الرسول لنور يستضاء فقد أضاء الكون بمولده صلوات ربى وسلامه عليه.
Comments are closed.