الزين صالح يكتب : الزيلعي و قراءة في كشف المستور 2-2

40

بقلم :زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن التطور الذي حدث في الحركة النقابية العالمية، كان له انعكاسا على تطور العمل النقابي في السودان، و أن الحركة النقابية كانت ترصد و تتابع التطورات التي تحدث في المجتمع و تكيف نفسها وفقا لهذا التطور. هذا ما أشار إليه الزيلعي في الإجابة على السؤال الذي يبين كان هناك تفاعلا قويا و مفيدا للعضو الحزبي، خاصة عندما يكون فاعلا في العمل النقابي، حيث يضعف دوره داخل المؤسسة الحزبية لضيق مساحة الحرية التي يفرضها الالتزام باللوائح. فالتطور الذي حدث في العمل النقابي لم يصحبه تطورا على صعيد الفكر و الإنتاج المعرفي و الثقافي داخل المؤسسة الحزبية. و هذا ما أشار إليه الزيلعي في مقاله عندما قال (الديمقراطية النقابية، التي وضع أسسها العامة الزوجان ويب، قبل أكثر من 150 عاما، في كتابهما المسمى الديمقراطية الصناعية، الذي يعتبره النقابيون الأوائل انجيل الحركة النقابية. ومنذ ذلك الحين تم تطوير الممارسة الديمقراطية داخل النقابات، تمشيا مع التغييرات العميقة التي تعرض لها مفهوم ووظيفة وصيغة العمل. كما ان الحركة النقابية العالمية لا تزال مفتوحة القلب والعقل لاي تغييرات تزيد من ديمقراطيتها وفعاليتها وجدواها.) و كان ماركس يعول كثيرا على دور الحزب في عملية الوعي الجماهيري التي يستمد قوته منها، و مادام الوعي الثوري هو المهم لعملية قيادة الجماهير و التغيير، كان يجب على الحزب أن يسبق تنظيمات العمل النقابي في خلق الوعي الجماهيري، و يطرح أسئلة التغيير و أدواته و المناط الإجابة عليها، لكن للأسف أن الحزب ليس لديه أي دراسة تتابع المتغيرات في المجتمع و لا حتى في حركة الفكر في العالم، خاصة ما يخص الفلسفة الماركسية. و إذا حاولنا مقارنة هذا القول بالواقع في السودان نجد أن دور النقابات و التجمعات المهنية قد تجاوز الحزب الشيوعي من الناحية التنظيمية و الثقافية و أكثر تجاوبا مع الشارع بما يخدم قضايا الوطن و ليس القضايا الدونيا. و ذلك يرجع للجمود الذي أصاب الحزب من رواثب الاستالينية. رغم أن الكل يعرف أن أهم أداة للتغيير هي الفكر الذي غاب تماما الآن عن الحزب و الدليل فقر الإنتاج و النشر.

أن الحزب الشيوعي يراهن على مضادات المصطلحات، و هي تخلق حالة من الإرباك في الوعي السياسي، يقول الحزب في تقريره السياسي للمؤتمر الخامس ( يتمسك حزبنا ” الحزب الشيوعي” بالاستنتاجات الرئيسة التي توصل إليها نهائيا، منذ العام 1967م حول أن أنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية التعددية، و الانتقال للاشتراكية لا يتم إلا عبر الديمقراطية متمثلة في الحقوق السياسية للجماهير، و ديمقراطية النظام السياسي) السؤال لم يوضح الحزب كيف نربط جدليا بين الثورة و الديمقراطية، و بين الديمقراطية التعددية و الاشتراكية؟ و لكل واحدة من هذه ثقافتها و أدواتها المخالفة للأخرى. و لم يقدم الحزب أي طرح فكري لكي يثبت أن المضادات يمكن أن تخلق وعيا سياسيا ديمقراطيا. لكن يستطيع الحزب أن يتخلص من هذه المضادات في المصطلحات إذا قبلت العقليات الدغمائية التي تقوده التراجع عن تمسكها بالمركزية الديمقراطية، و تعمل من أجل توسيع مواعين الديمقراطية لكي تصبح المؤسسة الحزبية ساحة للجدل الفكري بين الأراء المختلفة حتى داخل المرجعية الواحدة، لكن تمسكها بإرث الماركسية الأرثوذكسية، جعل العديد من الزملاء أن يستثمروا أفكارهم في النقابات و تجمعات المهنيين و يستفيدوا من الحزب أن يدعمهم في تلك المنظمات، و بالتالي يصبح جل نشاطهم مرتبط بالنقابات و التجمعات المهنية التي تتيح لهم ليس فقط تطوير قدراتهم و مهاراتهم في العمل العام، و أيضا في أكتساب وعي جديد من خلال الاحتكاك بتيارات الفكر الأخرى. و الحزب يريد أن يستخدم تلك المنظمات ككروت ضغط على السلطة و الأخرين في صراعه السياسي، لكن هذا الكرت محدود الفاعلية.

استلف مقولة لجورج طرابيشي في كتابه ” في الثقافة الديمقراطية” يقول فيها ( فالبنية الداخلية لأي حزب هي بالضرورة بنية سلطوية تقوم على الانفصال و تقسيم العمل ما بين القاعدة و القيادة. و مهما يكن من درجة ليبراليتها، فإنها تطالب العضو المنتسب إليها بالتخلي عن أرائه الشخصية و بالالتزام بالخط العام للحزب، و بالتقيد بانضباطيته التي لا خيار لها إلا في أن تكون مركزية) مثل هذه الخيارات علاجها ليس المنع، و رفض القناعات الخاصة، و لكن الحوار هو الطريق الأفضل للوصول لتوافق بين الرأي الشخصي و رأى الحزب الذي جاء نتيجة تصويت ديمقراطي بالاغلبية. و الديمقراطية أيضا تتيح الأقلية أن تطرح رؤيتها حتى تقنع الأغلبية. و هنا يصبح التناغم بين الرأي الشخصي الملتزم برأي الأغلبية و بين أتاحة الفرص لرأي الأقلية أن يستمر في الجدل بأطروحته داخل البناء الحزبي.

في تسعينات القرن الماضي؛ عندما سقط حائط برلين و سقط الاتحاد السوفيتي فتح الحزب الشيوعي حوارا حول تغيير أسم الحزب، و النظر في أن تكون المرجعية الماركسية واحدة من مرجعيات أخرى. و أصدرت القيادة الخارجية للحزب مجلة ” قضايا سودانية” تنشر فيها هذا السجال الفكري، و كانت خطوة جريئة و جيدة أن يشارك في الحوار كل صاحب رؤية فكرية. رغم أن الجدل الفكري كان قاصرا على عضوية الحزب، مثل هذا العمل هو الذي يخلق التفاعل الإيجابي بين الحزب كمؤسسة منتجة للمعرفة و الثقافة و الفكر و بين الجماهير الواسعة، و هذا الحوار يخلق وعيا جديدا في المجتمع يقلل فرص بروز العنف فيه. و للأسف توقفت المجلة، بعد المؤتمر الخامس. و كنت قد زرت المقر العام للحزب الشيوعي في نمر2 و تحدثت طويلا مع الراحل التجاني الطيب، و سألته لماذا أوقف الحزب هذه المجلة، قال كانت فقط مخصصة للحوار الذي حسمه المؤتمر. قلت له إذا كانت مخصصة فقط لذلك الحوار و وجدت نجاحا و إقبال من الجمهور، ماذا يضير الحزب إذا استمر في إصدارها؟ هل كانت القيادة تفكر فقط أن تجتاز تلك المرحلة و تغلق كل منافذ الوعي و التثقيف؟

أن المشكلة التي تعاني منها الأحزاب جميعا، و خاصة التقليدية، فقرها في الإنتاج الفكري و المعرفي و الثقافي، و مادام هي بهذا الفقر كيف تستطيع أن تقود الجماهير إلي التغيير الذي يحتاج لهذا الإنتاج. فالمؤسسات النقابية لا تتيح قوانينها و لوائحها الدخول في العمل السياسي بشكل مباشر، إلا من خلال مطالبها في تحسين أوضاع عضويتها، فهى لا تستطيع أن تسهم في مثل هذه الموضوعات إلا بطريق غير مباشر أن تشتري إصدارات بهدف التثقيف.
في الختام جزيل الشكر و التقدير للصديق صديق الزيلعي على الإجابة على السؤال و نشرها على الصحف يدل على الوعي و محاولة لاتساع دائرة الحوار في زمن تنشر فيه الفزاعات أكثر من الأفكار. و يخاف الناس حتى من طرح الأسئلة. نسأل الله حسن البصيرة

Comments are closed.