حكاية من حلتنا يكتبها: آدم تبن
تمضى مسيرتنا فى الحياة بين يسر وعسر وهى لاتدوم على حال معين فمن بين العسر يأتى اليسر وعندها يفرح المعسر بفرج الله تعالى الذى غير حاله الى أحسن حال، ومن اليسر والرخاء يتسلل العسر خلسة فيحزن الميسور ويبكى ويحزن على حاله الذى تغير الى أسوأ فى لحظات لم تمهله مشيئة الله قليلا ، فهنا تظهر معادن أهل الإسلام وقوتهم وصبرهم على الإبتلاء الذى جاء من الله تعالى ، فيرجعون إليه ويسألونه تخفيف ما أصابهم من ضرر وإبتلاء ومصيبة ، فيكونوا على هذه الحالة الى أن تنجلى تلك اللحظات الصعبة والعسيرة ، وعندها تكون لهم مع ذكريات وحكايات لاتنسى مهما تطاولت السنين وتباعدت الأماكن ، فهى تبقى محفورة فى الذاكرة تتجدد دوما ، فمن عاش عسرا فى حياته قل أن ينساه مهما ناله من يسر وسرور ، ونتذكر كلمات ذلك الإعرابى للأمير الذى تولى عرش الأمارة فجاءه وقال له (أتذكر إذ لحافك جلد شاة ونعلاك من جلد البعير) فكانت إجابة الأمير صادقة وعالمة بأن الله هو من يغير حال الإنسان فكان رده جميلا ومقنعا ومؤثرا فقال له (نعم أذكره ولا أنساه).
وبالطبع فإن الكثير منا عاش فى حال اليسر زمنا كثيرا وتنعم فى نعم الله تعالى لسنين طوال ولكن فجأة إنقلبت حياتهم رأسا على عقب دون مقدمات بعد إندلاع حرب الخامس عشر من أبريل فى بلادنا السودان ودارت رحاها فى عاصمة البلاد الخرطوم ، وهى حرب أفقدت الملايين من المواطنين مساكنهم التى هجروها خوفا من ما تسفر عنه الحرب ، ونعرف أن المسكن هو مكان الراحة التى يستجم بها الإنسان من معترك الحياة اليومى ، ويبدأ رحلة جديدة للبحث عن مكان يأوى إليه ويرتاح فيه ومن ثم يبحث عن مصدر دخل يعول به أسرته ، وهى مهمة ليست بالسهلة وفقا لظروف الحرب التى أخرجته مع أمثاله وأفقدتهم المسكن والعمل وأصبح صاحب العمل عاطلا وعامله كذلك وتعطلت آلاف المنشئات الإقتصادية والخدمية وتشردت جموع العمال الى أماكن لم يألفوها من قبل ولم يتوقعوا أن يكونوا يوما زائرين لها ناهيك أن يسكنوا فيها ويبحثوا عن رزقهم ومعاشهم فيها ، لكنها هى أقدار الله فى عباده لايعرف أحدنا أين تذهب به بعيدا عن أهله أو قريبا منهم.
ومضت شهور صعبة على الجميع إلا أنها حملت فى طياتها المنح والهبات الربانية التى أطلت على الناس رغما عن أن الحرب لها تأثيرات كبيرة على كل البلاد لكنها بالمقابل ظهرت أهمية وسائل الإتصالات (هاتفية وشبكة نت ومواقع تواصل إجتماعى) صحيح أنها لم تكن بالمستوى المطلوب لأنقطاعها لفترات تطول وتقصر ومايعيبها أنها لاتقدم لمشتركيها إعتذارا يزيل عنهم معاناتهم فى البحث عنها دون جدوى ، ولكنها أفادت كثيرا وربطت الذين تفرقوا داخل البلاد وخارجها بعضهم ببعض وقربت المسافات ووحدت مشاعرهم تجاه الأحداث والمصائب ، حيث عاشوا الظروف حلوها ومرها وساهم البعض منهم فى تقليل حجم المحنة التى ألمت بالبعض ، فعندما ينقل شخصا معاناته من قتل أو نهب أو سرقة أو طلبا للمساعدة فإن الجميع يرفعون أكف الضراعة والدعاء للمصاب بأن يبدله الله خيرا مما أخذ منه وتأتيه المساعدة من بعض الناس ، فيقابل تلك الدعوات والمشاعر والأحاسيس الإنسانية بطيبة نفس وفرح وسرور ويشكر من وقفوا معه فى محنته ويتناسها بعد ذلك ، وهنا أثبت البعض أن معادنهم صلبة وقوية لا تهزهم مثل هذه المحن مهما كبرت بل يلجأون الى ربهم يطلبون منه أن يبدلهم خيرا منها ويثبتهم على تقبلها مهما عظمت ، وأصبحوا مثالا يحتذى به فى اليقين والصبر والاحتساب يتعلم الناس القوة والثبات فى المواقف الصعبة ، ونقول هنا حلات بلدى وحلات ناسا وحلاة الطيبة والطيبين.
Comments are closed.