حكاية من حلتنا يكتبها: آدم تبن

49

الشجرة الكبيرة التى ظلت واقفة وشامخة فى طريق ذهابنا وعودتنا من والى الزراعة لم تكتسى أفرعها بالأوراق الخضراء التى جملت كل الأشجار حولها ، فما سر تلك الشجرة التى تحارب الخريف ولا تخضر فى أيامه ، كل عام يأتى عليها يجدها هكذا ذات أفرع يابسة لاحياة فيها ولا خضرة تتزين بها وسط رفيقاتها من الأشجار ، فالكل يعرفها بأنها تسمى شجرة الحراز أو الحرازايه وبعض القرى والمدن الصغيرة حملت أسمها لكثرة أشجار الحراز حولها ، وعندما تراها فى عز فصل الخريف وهى واقفة بكبرياء وشموخ دون أن تنكسر أو تنحني لعواصف الخريف ورعوده المخيفة والقوية ، تجد لها سببا لمحاربة الخريف وعدم الإخضرار خلال أيامه الطويلة التى تزيد عن المائة يوما ، وتعرف أنها تدخل فى حرب غير مباشرة مع الخريف حتى ألحق بها وصف الحرب إما حرب بفتح الحاء أو ضمها فيقول لك حرب الحراز مع المطر ، أى أنها تحارب المطر فى وقت تتصالح فيه بقية الأشجار وتخضر الأرض عند نزول الأمطار ويبتهج الزراع والرعاة بالخير القادم مع الخريف .

وشجرتنا الحرازة تتميز عل غيرها من الأشجار بأنها صبورة ومعمرة وقوية وضخمة الجذع والأفرع، فهى تشابه أشجار النيم والتبلدى والهبيل والقرض فى ضخامتها وعمرها الطويل تختلف عنهم فى حربها مع الخريف ، وإخضرارها مع بدء فصل الشتاء الذى تنتظر مجيئة بصبر وقوة ، فظلها الظليل تلجأ إليه الحيوانات عند إشتداد حر الظهيرة فى ذات ظل كبير يسع للعشرات منها، ويفضل الرعاة ثمارها التى تسمى ب(الخروم) بفتح الخاء وضم الراء يستخدمون عصيهم لإنزالها وحتها على الأرض لتأكلها حيواناتهم مثل الأغنام والضأن والجمال لعلف طبيعى فهى ثمار مشبعة لها ومدرة لألبانها ذات المذاق الطيب ، فمن ذاق إنتاج إلبانها فلن يكف عن طلبها والبحث عنها كلما سنحت له الفرصة، وكذا تتخذها بعض الطيور مثل السنبر والرهو موقعا آمنا تلجأ إليه لبناء أعشاشها لإرتفاعها عن الأرض بأكثر من عشرة أمتار ، لحمايتها وبيضها وصغارها من الأحجار والعصى التى يرسلها الأطفال للنيل منها بالرغم من أنها ليست من طيور الصيد التى يصطادها الصائدون ويستمعون بأكل لحومها مطهية أو مشوية، فهى طيور أليفة تأتى مع بداية هطول الأمطار تعيش على الحشرات فى المزارع والأشجار والأودية والسهول والبرك المائية.

وعندما تشيخ الحرازة وتبدأ فى أسقاط بعضا من أفرعها فهناك من يتربص بها وينتظر لحظة ضعفها وشيخوختها التى لا تستطيع عندها المدافعة عن نفسها ومواجهة من يعتدى عليها ويعمل على إسقاطها على الأرض ، فهناك من يذهب إلى الغابات بحثا عن رزقه وسط أشجارها ، وهم من بنى جلدتنا نسمي أحدهما ب(الحطابى) والآخر ب (الفحامى) فالحطابى هو من يبحث عن حطب فى الغالب للبناء أو الوقود للمنازل والأفران والكمائن أما الفحامى فهو من يبحث عن حطب ليستخرج منه (الفحم النباتى) لصناعة المأكولات والمشروبات الساخنة فى المنازل والمطاعم والقهاوى ، فعندما يجدون أن الجفاف بدأ يدب فى شجرتنا الحرازة ، فيسيل لعابهم للكنز الثمين الذى عثروا عليه وسط الغابة، فهى بالطبع كنز طبيعى يمدهم بما يحتاجونه من الحطب الذى يجعلهم يعملون ليل نهار لإستخراج أجود أنواع الفحم النباتى منه ، وبالطبع هناك أشجار لاتقل جودة من الحراز إلا أن ضخامتها تجعلها ذات ميزة لا سبيل لتركها دون الإستفادة منها ونقل خيرها للناس عامة ، لكنها بالطبع ستخلف حرازة أخرى فى مكان آخر تستطيع أن تقاوم كل الظروف المحيطة بها وتتأقلم مع أجوائها الى أن تبلغ من العمر ماشاء الله لها أن تبلغ .

Comments are closed.