فكرة وطن 56 شماعة فشل النخب السياسية

41

بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن

أن فكرة إعادة النظر في دولة؛ 56 هي فكرة النخب قصيرة النظر، و التي فشلت في أداء دورها كطليعة يقع عليها عبء تطوير و تحديث مؤسساتها السياسية أولا، و الارتقاء بمؤسسات الدولة ثانيا، و العمل من أجل مشروع نهضوي يحسن شروط معيشة المواطن،  و يخلق قاعدة قوية للأمن و الاستقرار السياسي و الاجتماعي. أن النخب السياسية و عجز المثقفين من خلع رداء الولاءات السياسية و لبس رداء الوطن منعهم أن يقوموا بدورهم النقدي للتجارب السياسية، هذا العجز ساهم أيضا في خلق وعي زائف لا يصمد أمام الأحداث و التقلبات السياسية و الاجتماعية، لأنه لا يملك أدوات التحليل و لا أدوات العمل المثمر. أن تقاعس هؤلاء عن اداء أدوارهم بسبب الانحيازات الحزبية و الأيديولوجية قد فشلوا أن يقدموامشاريع سياسية و اقتصادية و اجتماعية للنهضة يلتف حولها الشارع. و الدول لا تشيد نفسها و تبني حضارتها بمعزل عن نخبها، بل النخب هي التي تفشل في انجاز مهامها، و عندما تفشل تواجه الفشل بالنقد لكي تعرف لماذا حدث و ما هي العوامل وراء ذلك، و لكن النخب السياسية السودانية لا تفعل ذلك تبحث لها عن شماعات لأنها أتخذ من التبرير منهجا لها، فهي تعيد التجربة بذات الأفكار و الأدوات السابقة.

أن النخب التي قادة مسيرة النضال حتى نال السودان استقلاله في الأول من يناير 1956م قد  أنجزت ما وعدت به. و هي تدرجت في سلم النضال االيومي ضد المستعمر من نادي الخريجين إلي مؤتمر الخريجين إلي تكوين الأحزاب، و كلها مراحل استطاعت أن تطور فيها أدواتها، و تصغل فيها فكرها، و تنتج ثقافتها الديمقراطية و الوطنية التي قادت للاستقلال دون إراقة دماء. أن الانحراف جاء مع عقلية التأمر، و التي سحبت الجيش إلي ساحة السياسة لكي تخلق واقعا جديدا في العمل السياسي، أو لمصحلة حزبية ضيقة. هذا الواقع غير موازين القوة في المجتمع، حيث دخل السلاح كطرف فاعل في الصراع السياسي، و أصبحت السلطة هي الهدف الحقيقي و ليست من أجل انجاز مشاريع ترتقي بالوطن و المواطن.

أن النخب السياسية التي ساعدت بدخول عامل جديد هي المسؤولة عن كل هذا الإخفاق تاريخيا. و أيضا بعد ثورة أكتوبر بدأت ظاهرة جديدة في الساحة السياسية، هي شعارات تطهير الخدمة المدنية، و الغرض منها محاولة للتمكين السياسي، و التي أدت لتخريب الخدمة المدنية حتى اليوم،لأنها أدخلت الخدمة المدنية كعامل في الصراع السياسي، و جاءت الإنقاذ التي وسعت دائرة التطهير لكي تصبح الخدمة المدنية لآهل الولاء. ثم جاءت مرحلة المصادرة و التأميم عام 1970م لكي يضرب الاقتصاد الوطني في مقتل، و يؤدي لهروبرأس المال الأجنبي مما أدى إلي تراجع قيمة الجنيه تجاه الدولار الأمريكي، و جاءت الإنقاذ لكي تحدث معادلة اجتماعية جديدة من خلال تغيير في رموز الاقتصاد الذين تعتقد أن ولاءهم لأحزاب أخرى، أن هندسة المجتمع التي فرضتها الإنقاذ اعتمدت على الطبقة الطفيلية التي تحتكر المال، و لا توظفه في الصناعة و الزراعة انما في المضاربات الهامشية التي تعود بعائدات أرباح سريعة، هذا التحول غيبت بالفعل حتى شعاراتها الطهرانية التي كانت ترفعها. هذا كان فعل نخب و مسؤولة عنه النخب السياسية ذات الشعاراتالأيديولوجية والريديكالية و ليست دولة 56. إن مقولة دولة 56 محاولة لهروب النخب السياسية الأيديولوجية والريديكالية التي كانت وراء كل هذه الأزمات، و عندما بدأ يتكشف دورها السلبي في مسيرة الوطن بدأت تبحث لها عن شماعة تعلق فيها أخطائها لذلك جاء بمصطلح دولة56، في محاولة لتحميلها كل أخطاء النخب التي تستحي أن تقدم نقدا موضوعيا و علميا لمسيرتها التاريخية، هناك فرق كبير أن تحمل المسؤولية لمجاز غير محدد الاوصاف، و بين القول أن النخب السياسية بعد الاستقلال فشلت أن تطرح الأسئلة الجديرة بمخاطبة جذور المشكل.

أن نخب الهامش؛ و التي تنادي الآن بإدانة دولة 56، هم أيضا ساهموا في الأزمة بعمق، أنظر ألي أي انتخابات قومية في فترات الديمقراطية أو حتى في النظم الشمولية، كان نواب الهامش يمثلون 65% من اي برلمان كان، لكن هؤلاء عندما يأتون للعاصمة يصبحوا من أعيان العاصمة و يبحثون لهم عن مساكن و إقامة دائمة، و ينسون الجماهير و المجتمع الذي يمثلونه، هؤلاء تتبدل أفكارهم و ثقافتهم، و حتى ملبسهم و تطلعاتهم، و تتغير أدواتهم الحضارية، هؤلاء هم الذين خانوا الهامش. و هؤلاء عندما تشتد الأزمات التي هم مسؤولين عنها، أيضا يبحثون عن شماعة و يرموا أخطائهم على أهل الشريط النيلي الذين يمثلون هامش الهامش. و أيضا زعماء الحركات المسلحة من الحركة الشعبية و مرورا ببولاد إلي زعمائها اليوم لا يبحثون عن حقوق المواطنين الذين يدعون أنهم يقاتلون من أجلهم، كل يبحث عن مصالحه و ليس مصالح المواطن. حركات تحمل سلاح و تقف تتفجر على الذين ينادون بإسمهم يقتلون و يشردون، غض النظر عن الذي وجه سلاحه للمواطنين.. لماذا وقفت الحركات على الحياد في معركة التطهير العرقي و التهجير للمواطنين؟ أليست البنادق التي تحملها من أجل المواطن و يجب أن تدافع عنه؟ لماذا جعلته يواجه مصيره لوحده و هي تقف مكتوفتة الأيدي؟و الآن يبحثوا لهم عن أعذار و يرموا موقفهم السلبي على دولة 56، اليس هؤلاء هم الذين اسقطوا اتفاق جوبا، و اتضح إنهم لا يمثلون غير مصالحهم الخاصة.

عندما يقال أن الحرب الدائرة الآن سوف تخلق واقعا جديدا، و قيادات جديدة بقدر مسؤولية الضرر الذي وقع على الوطن و مؤسساته و على المواطنين، هذا صحيح بحكم التجارب التاريخية و تجارب السودان، لآن الحرب قد مست كل المواطنين في الحم الحي، و في ممتلكاتهم، و في كبريائهم، و في شرفهم، و في عرضهم، حرب أكبر المتضررين فيها هو المواطن البسيط الذي يدفع ثمن فشل النخب السياسية التي توزعت بين العواصم، في القاهرة و في أديس أبابا و اسمرا و في جوبا و في كمبالا و نيروبي و أبوظبي و في انجمينا، كل هؤلاء ينتظرون إعلان الحوار السياسي لكي تبدأ عملية المحاصصات، و ينسون في ذت الوقت المأسي التي كانوا يعلقونها على دولة 56، و يبدأون في إعادة إنتاج ذات الأفعال غير مكترسين. أن الحرب هي ضربة كبيرة على الفكر الذي قاد إلي الفشل، و التي شاركت فيه كل القوى السياسية كل بمقدار. و الدعوة لوقف الحرب دون أن يكون هناك مشروعا سياسيا واضحا و مطروحا للنقاش، تصبح دعوة بهدف العودة لذات الأجندة التي قادت للحرب. الآن الكل لا يتحدث عن مشروع سياسي مغاير يمكن أن يطرح للحوار، و يشكل مرحلة جديدة يصبح الهم كله مصوبا نحو الوطن و المواطن، مرحلة تتغير فيها طريقة التفكير، و الأدوات و الثقافة، لأنها هي الوسائل التي تخلق الوعي المطلوب من أجل التغيير و بناء الوطن. فهل القوى السياسية جميعها مهيأ لذلك أم ما تزال تقف عند حافة الهاوي نسأل الله حسن البصيرة

 

 

Comments are closed.