البرهان و مستقبل العمل السياسي في البلاد

72

بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن

في جولة رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في عدد من معسكرات الجيش و التي ختمها بولاية سنار، قال البرهان (أن الشروع في العملية السياسية تبدأ بعد القضاء على تمرد ميليشيا الدعم السريع أولا، ودعا القوى السياسية للتعاون مع الجيش للقضاء على التمرد. و أشاد البرهان أيضا بوقوف الشعب السوداني مع الجيش في معركته مع الميليشيا) و أضاف قائلا ( أن الحل السياسي يجب أن يكون داخليا دون تدخل أي طرف خارجي. مشددا و على السياسيين الذين يبحثون عن حلول خارج السودان، نقول لهم أن الحلول موجودة داخل السودان) و بالتالي يكون البرهان قد رسم مسار العمل السياسي. مع التأكيد على أن لا يكون هناك وجودا للميليشيا عسكريا أو سياسيا في المرحلة القادمة.

كنت قد كتبت في 26 نوفمبر الماضي مقالا بعنوان ” من الذي يصنع الأحداث في السودان؟” و جاء في مقدمة المقال أن هناك سؤلا جوهريا تتهرب منه النخب السياسية و حتى المثقفين و الكتاب.. من الذي يصنع الأحداث في السودان منذ تشكيل حكومة عبد الله حمدوك الأولى في أغسطس 2019م حتى اليوم و لماذا؟ الإجابة على السؤال سوف تبين أين تكمن القوة و أين يكمن الضعف في المجتمع.. الذي يملك اليد الطولي في صناعة الأحداث هو الذي سوف يكون له الآثر الكبير في تشكيل مستقبل السودان… أن القوات المسلحة هي التي تصنع الأحداث من بعد سقوط الإنقاذ، و بعد الحرب ظلت كل القوى السياسية تشكل غيابا مستمرا وسط الجماهير، و حتى القوى المتحركة فعليا ” تقدم قحت” تتحرك خارج السودان في اعتقاد أن المجتمع الدولي و المنظمات الإقليمية هي التي سوف تكون رافعتها للسلطة، و غاب عنها أن دعم الجماهير للقوات المسلحة سوف يقف مستقبلا ضد أي قوى سياسية لم تؤيد الجيش في معركته مع الميليشيا، و حركة أي قوى سياسية وسط الجماهير في الداخل مرهون بموقفها الذي كان في الحرب..

قال البرهان ( على الذين يبحثون عن حلول خارج السودان يجب عليهم الحضور للسودان و يجلسوا مع القوى الأخرى تحت ظل شجر من أجل الوصول لحل) فالسؤال هل تقبل ” تقدم ” هذا العرض و تتوجه مباشرة إلي داخل السودان؟ هذا ما أجاب عليه عمر الدقير أحد قيادات ” تقدم” في اللقاء الذي كانت قد أجرته معه قناة ” الجزيرة مباشر” و سألته هل لديكم تحفظات حال طلب أن يكون الاجتماع داخل السودان؟ قال عمر الدقير ( مستعدون لعقد اللقاء في أي زمان و مكان و نتمنى عقده بأعجل ما يمكن، و سنمضي إليه واضعين نصب أعيننا مصلحة الوطن و شعبه) و قد أجاب البرهان على طلب ” تقدم” باللقاء معهم من خلال خطاب كان قد وجهه إلي الجماهير و ضباط و ضباط صف و جنود القوات المسلحة.. و إن كان البرهان ربط القاء مع ” تقدم” بالحوار الجامع للقوى السياسية داخل السودان، و هنا يكمن المغزى للخطاب. أن فكرة البرهان أن يجعل ” تقدم ” في مواجهة مع الشعب السوداني.. إذا وجدت ترحيبا من الشعب، و فتح صدره و آذانهم لها سوف يصبح الضوء الأخضر للقاء قيادة القوات المسلحة.. فالقضية ليست لقاء البرهان منفردا كما تطلب ” تقدم” بل أن يكون المسار عبر ما تفصح به الجماهير.

أن سياسة البرهان تضع القوى السياسية امام تحدي حقيقي، و رهان بأنها عاجزة أن تحدث تغييرا في الساحة السودانية، لأنها لا تملك أدوات صناعة الأحداث، و أيضا عاجزة أن تقدم مشروعا سياسيا يكون جاذبا لقطاع واسع من الجماهير. أن صانع الأحداث هو الذي يرسم للقوى السياسية الطريق الذي يجب أن تسير فيه، و أيضا الطريقة التي يجب أن تفكر بها، و المادة التي يجب أن تتناولها في حوارها، أن كان داخل مؤسساتها أو خارجها.. أن القوى السياسية اصبحت تنتظر خطاب البرهان في الحاميات العسكرية، أو في زياراته الخارجية حيث يعقد مؤتمرا صحفيا يبين فيه نتائج الزيارة، ثم تبدأ عملية التعليق على الحدث. هذا العقل السياسي الجامد لا يستطيع أن يحدث تغييرا في الواقع، لأنه بنى كل تصوراته على رهان السلطة و كيفية المساومة للوصول إليها، و مادام يساوم عليها سوف يقدم أكبر تنازلات تطلب منه. لكن هل الجانب الأخر سوف يقبل بهذهالمساومة و التنازل من جانبه، خاصة بعد ما ضعفت أدوات ضغط منافسه، و ساحة الحرب بدأت الآن تفرض معادلة جديدة هي التي جعلت البرهان يطالب ” تقدم” أن تجلس مع الآخرين تحت ظل شجرة داخل السودان.. الذي يصنع الحدث و يمسك بخيوط اللعبة هو الذي يرسم المسار الذي يسير عليه الآخرين.

أن أغلبية القيادات السياسية و حتى مجموعة المثقفين الذين يلتفون حولهم عجزوا أن يغيروا طريقة تفكيرهم، و يحددوا مع من معركتهم؟ هل هي مع الفلول و الكيزان؟ و إذا كانت مع هؤلاء ما هي الميادين التي يجب أن تدار فيها المعارك؟ و هل هي معركة سياسية يشكل فيها الحوار و التفاوض حجز الزاوية، أم هي معركة إقصاء تتطلب أدوات الحرب؟أم معركتهم مع القوات المسلحة و الجماهير التي تقف معها في صف واحد؟ و هل المعركة السياسية على فضاء افتراضي أم واقع بحيثياته و أدواته و الفاعلين فيه؟ الإجابة على الأسئلة تحتاج للمنطقية و الواقعية و ليست شعارات معلقة في الهواء لا تخدم عملية التحريك السياسي، و أيضا تحتاج إلي تفكير خارج الصندوق.. هؤلاء يؤكدون ما قاله أنطونيو غرامشي ( أن المثقفين الذين هم في الدرجة الثانية لا يريدون أن يجهدوا عقولهم و إن أرادوا الظهور بمظهر من يعرف كل شيء) هؤلاء في السودان قد ابتكروا مصطلحي ” الفلول و الكيزان” في مواجهة الذين يخالفونهم الرأي، و بالتالي يخفف عنهم عبء الاجتهاد الفكري.. لآن الاجتهاد الفكري يتطلب من المرء الشجاعة لكي يصدع برأيه دون خوف أو وجل، و أيضا الاستعداد للحوار في الفكرة التي يصل إليها عبر الاجتهاد. أما من يريد أن يرمي المصطلحين في مواجهة الآخرين يؤكد عن عجزه و تواضع قدراته. و بالتالي هؤلاء لا يستطيعون أن يكونوا مؤثرين في الحدث، و لا يقدرون على صناعته..

أن الغائب الأن عن الساحة السياسية تماما الأحزاب بكلياتها، فهي مجرد مؤسسات خاملة تكتفي فقط بالبيانات من فترة إلي أخرى، في اعتقاد أن الحرب تمنعها من الحركة، أو تصدر بيانات تحمل مضامين غير واقعية الهدف منها أثبات وجود، و القوى الأخرى التي تعتقد إنها فاعلة لا تراهن على الجماهير تراهن على الخارج في تحقيق أهدافها، لأنها لم تستطيع أن تتجاوز فكرة الاتفاق الإطاري، و هي تعلم أن العجلة لن تعود مرة أخرى لتلك الفترة، بحكم المتغيرات التي طرأت على الساحة السياسية، و إذا هزمت الميليشيا و خرجت خارج الملعب سوف يخرج معها العديد من مؤيديها. نسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.