المقاومة الشعبية تقدم برنامجها للشعب

46

زين العابدين صالح عبد الرحمن

يقول أنطوني غرامشي في كتابه “كراسات السجن”يقول ( إن إهمال ما يسمى بالحركات التلقائية و الأسوأ من ذلك إحتقارها، و الفشل في توفير القيادة الواعية لها و الإرتقاء بها إلي مستوى أعلى بإنخراطها في السياسة غالبا ما تكون له نتائج بالغة الخطورة)

أن فكرة المقاومة الشعبية التي ولدت من رحم معاناة الشعب بسبب الهجوم الهمجي الذي تقوم به ميليشيا الدعم على مساكن المواطنين، بهدف السرقة و النهب و الاغتصاب و غيرها من الأفعال الشائنة. نجد أن فكرة المقاومة الشعبية قد أرقت مضاجع الميليشيا و الذين يتعاونون معها، و حتى لمست عصب قوى سياسية بعينها، حيث بدأوا يقولون أن الفكرة سوف تتحول إلي حرب أهلية، كأن الذي يجري في البلاد ليست حربا يتضرر منها المواطنين. أن الفكرة التي انتظمت في كل أقاليم السودان، و بدأت تتسع رقعتها كل يوم أيمانا من قبل الجماهير بها. بدأت الفكرة تتحول إلي واقع معاش تتفاعل معه الجماهير، و هي التي تتخلق وسطها فكرة أن تتسع دائرة المقاومة لكي تفرض شروطا جديدة في الشأن السياسي. و أيضا المقاومة بدأت تخلق قيادتها في إدارة الإزمة بوعي و حنكة سياسية.

تفاعلت المقاومة الشعبية مع فكرة خلق قيادة مركزيةو ولائية للمقاومة الشعبية بهدف تفادي النتائج الخطرة التي أشار إليها غرامشي، و عقدت اجتماعا في اسمرا بدولة أريتريا، حيث أرسلت الأقاليم ممثليها، و هؤلاء المناديب كانوا يمثلون مدراس فكرية متعددة، و هناك أيضا عدد من المستقلين الذين لا ينتمون لأي قوى سياسية، و كان محور الحوار إجابة على السؤالين.. ما هو دورهم و حدود عملهم في هذه الحرب؟ و ما هو برنامجهم كقوى اجتماعية؟ جاءت الوفود من أغلبية الولايات، و أتفقوا على دعمهم غير المشروط للقوات المسلحة في الحرب. و أن يكونوا تحت إمرة و سلطة القوات المسلحة عندما يشاركوا في عمليات عسكرية هجومية، أما في الأحياء و القرى أن مهمتهم فقط حماية المواطنين و ممتلكاتهم، و يشتبكوا فقط مع عناصر الميليشيا عندما تهاجم الأحياء و القرى النائية، و تتعرض ممتلكات المواطنين للنهب. و أكد المجتمعون على إعترافهم بالسلطة القائمة الآن،فهي السلطة الشرعية المعترف بها في البلاد، و أن يكون في البلاد جيشا واحدا، و رفض التدخلات الخارجية في الشأن السوداني و عدم مشاركة الخارج في أي حوار يتم بين السودانيين. و السلطة الشرعية الآن هي التي يقع عليها عبء الدعوة للمؤتمر الدستوري بعد الإنتهاء من الحرب، على أن تشمل الدعوة كل القوى السياسية و الحركات و شخصيات وطنية بهدف الوصول إلي دستور دائم للبلاد.

أيضا أكد المجتمعون أنهم منفتحين على كل القوىالتي تريد أن تتعاون معهم من أجل وحدة الصف الوطني، و العمل من أجل عملية التحول الديمقراطي، أي الإسراع بالانتخابات لكي تختارالجماهير القيادة التي يجب أن تقود البلاد وفقا للدستور الذي يتفق عليه الجميع، و يتم الاستفتاء عليه من قبل الجماهير. قالوا إنهم يمدون أياديهم إلي الجبهة الوطنية التي تم تشكيلها في شرق السودان، و أي تحالف يقف مع الجيش في معركة الكرامة. و أكدوا أن السلاح الذي سوف يوزع على المقاومة الشعبية مربوط بفترة الحرب، ثم يتم سحبه من قبل الجماهير عندما ترى القوات المسلحة أن البلاد أصبحت أمنة، و أن مؤسسات الدولة الأمنية قادرة على حفظ الأمن في كل أقاليم السودان.

أن المقاومة الشعبية فرضتها ظروف الحرب الدائرة الآن، و بدأت بالاستنفار الذي كان قد دعا إليه القائد العام للجيش، بسبب أن الجيش يملك قوات محدودة، و أن الميليشيا بدأت تجند اعددا كبيرة في عدد من الدول، خاصة تشاد و النيجر و مالي و ليبيا و أفريقيا الوسطى، إضافة إلي مرتزقة مستجلبين من أثيوبيا و جنوب السودان و اليمن و غيرها، و هؤلاء جميعا جاءوا من أجل السرقة و النهب. الأمر الذي جاء بفكرة المقاومة الشعبية و هي تمثل خلق إبداعي جماهيري بهدف حماية المواطنين و الحفاظ على وحدة الوطن.. رغم أن الفكرة شعبية خالصة؛ و أهدافها نبيلة؛ لكنها قد وجدت أعتراضا من بعض القوى السياسية التي لا تنظر للأزمة إلا من ثقب السلطة، و كيفية الوصول لها بأي ثمن.

أن الأزمة السياسية عندما تستمر طويلا دون حل؛ تؤكد أن القيادات السياسية التي تديرها قد عجزت،و بالتالي لا تستطيع أن تقدم أفكارا جديدة للخروج، بل سوف تجتر مقولاتها السابقة فقط من خلال أوعية جديدة، أن التحجر الذي اصاب النخب السياسية لا يمكن ان يستمر طويلا، لآن المجتمع سوف يبرز قيادات جديدة بأفكار جديدة، و أول من يعارضها القوى المحافظة، و جميع العناصر المنتمية لها، هؤلاء سيظلوا يرفضون أي تغيير جديد يتم في الساحة، و الرفض ليس مبني على وقائع منطقية بل محاولة لحماية مصالح شخصية و حزبية ضيقة. أن تكثيف الهجوم على المقاومة الشعبية التي بدأت فكرتها في شمال ادارفور لحماية الفاشر من هجوم الميليشيا قد توسعت دائرتها حيث انتظمت كل أقاليم السودان.

أن القوى المحافظة في المجتمع و الذين عجزوا ان يقدموا أفكارا جديدة سوف يقفوا امام تيارات الفكر الجديد في المجتمع، و الحلول سوف تشكل صدمة كبيرة لهم، و هؤلاء أن كانوا في الأحزاب التقليدية أو الأيديولوجية التي لا تستطيع أن تفكر خارج دائرة أفكارها التي أثبتت الفشل. أن التيارات الجديدة هي التي سوف ترجع الحق للشعب لكي يختار قيادته دون أي ضغوط و فزاعات تمارس عليه، هم الذين يؤمنون أن الشعب مصدر التغيير. و نسأل الله حسن البصيرة.

 

Comments are closed.