ميرغنية مصر بداية مشوارهم الصوفي للسودان

62

بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن
مكثت في مصر عقد و نيف من الزمان؛ اسمع عن أبناء عمومة آل الميرغني في مصر، و لم ألتقيهم إلا في بعض المناسبات، و في زياراتي لدولة آريتريا، أيضا علمت أن للأسرة فرعا في أسمرا، وكل هؤلاء يشكلون العمود الفقري للطريقة الختمية في عدد من الدول التي مر بها السيد محمد عثمان الميرغي الأكبر حيث كان قد تزوج من المجتمعات التي زارها و ترك بذرته فيها. و لكن الفرع الفاعل في العمل السياسي هم آل الميرغني في السودان، و الفروع الأخرى أرتبطت فقط بالدعوة، و قيام أنشطة السجادة مع المريدين، و قبل أيام كان قد صدر بيان من الطريقة الميرغنية في مصر من مولانا السيد عبد الله المحجوب الميرغني، يعزي فيه الخليفة حس حضرة الختمي و القطب الاتحادي، مما يدل على مكانتهم السامية و تقديم أصول المحبة لمريديهم بالعزاء و إعلاء شأنهم.. و قبل يومين أيضا استقبل شيخ عموم الطريقة الميرغنية الختمية بمصر السيد عبد الله المحجوب الميرغني الخليفة الطيب الجد الشيخ العباس ود بدر شيخ عموم السجادة القادرية البدرية بمنزلهم بمصر الجديدة. و كانت خطوة ملفته لها تقدير كبير، و أثرا طيبا عند عموم شيوخ الطرق الصوفية في السودان، و خاصة اتباع الطريقة القادرية، و التي تعد من أكبر الطرق الصوفية في السودان. أن شيخوخ الطريقة الميرغنية في مصر بهذا العمل الكريم من نفر كريم قد أكدوا أن الطرق الصوفية تعكس تماما قيم و اخلاق و مباديء الدين الحنيف. و أيضا لفتوا النظر لقدراتهم على مد حبل الوصل مع الآخرين.

أن الخليفة الطيب الجد خليفة السجادة القادرية في “أم ضوا بان ” و هي المنطقة التي تقع جنوب شرق الخرطوم، و تبعد عن العاصمة 45 كيلومتر. و هي إحدى مدن منطقة شرق النيل، و منطقة أم ضوا بان هي منطقة ” التقابة” المنطقة التي لا تنطفي فيها نيرا القرآن، و أسسها الشيخ العبيد ود بدر في النصف الأول من القرن التاسع عشر. و علاقة خلفاء البادراب بالطريقة الميرغنية علاقة وطيدة تمتد منذ عام 1838 عندما حج الخليفة العبيد إلي بيت الله و التقى بالسيد محمد عثمان الميرغني الأكبر، و أخذ منه العهد الصوفي و المجاورة في البلد حرام.. و طلب السيد الميرغني الكبير الخليفة عبيد ود بدر الرجوع للسودان حتى ينتفع به أهل السودان.. و بعد رجوعه للسودان توسع المسيد و بدأ يقبلون عليه الناس من كل فج عميق. و من أعظم أعماله أنه صالح بين قبيلتي الشكرية و البطاحين و أخ بينهم. و معلوم أن المناطق التي تحيط بمنطقة ” أم ضوا بان” هي مناطق خلاوي و شيوخ صوفية يحج اليها الناس،

فهؤلاء هم الذين يحافظون على قوة النسيج الاجتماعي في البلاد.
عندما بدأت الثورة المهدية تنطلق شرارتها لم يتخلف عنها الشيخ العبيد بل جمع انصاره للقتال مع المهدي، و ركب قاصدا المهدي لكن فاضت روحه قبل ملاقاته و صلى عليه المهدي صلاة الغائب، و خلفه على السجادة أبنه أحمد.. و ظل المسيد يتوسع و يمد اشعة نوره في كل مكان..أن أبناء السيد الميرغني الختم في مصر على دراية و علم بأفضال البادراب في شرق النيل بالسودان، و دورهم العظيم في تحفيظ القران و نشر قيم الدين السمحة، لذلك كانت لفته بارعة من أبناء الميرغني الختم في مصر أن يكرموا أبن الأكرمين.. و كما يقول خلفاء الختمية عندما تلتقي الأنوار الشعشعانية تخلق صورا جمالية متعددة الألوان و الزخارف الضوئية التي تنير البصائر و تسمو بالأروح. فالسيد عبد الله المحجوب الميرغين شيخ عموم الطريقة الختمية في مصر أراد أن يكون مدخله بالترحاب للخليفة الطيب الجد ود بدر هو بداية لمشوار جديد في العلاقة بين أبناء مصر و السودان من خلال أنوار الفلاح لمريدي الطرق الصوفية، فالشعبين يتجذر فيهم حب الرسول عليه أفضل الصلاة و التسليم، و أيضا حب أحفاد البيت الطاهر الشريف، أن رجال الطرق الصوفية هؤلاء هم أكبر سند للشعب و للمحتاجين الذين يقصدون تقابة القرآن و يجدون فيها الطعام و الرعاية، و الكلمة الطيبة.

كان المتوقع أن يكون استقبال خليفة خلفاء “أم ضوا بان” الخليفة الطيب الجد ود بدر في القاهرة من قبل أبناء السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي ” جعفر و الحسن و عبد الله المحجوب” و ذلك لمتانة العلاقة بين السجادتين في السودان، و خاصة: أن مناطق شرق النيل هي مناطق نفوذ للاتحاديين.. و الشقيق الرفيع “سيد هارون” المتواجد الآن في القاهرة أحد نواب برلمان 1986م من تلك المنطقة. أن محاولة رمي الخليفة أنه كان تابعا للمؤتمر الوطني هي فرية لا يسندها دليل. باعتبار أن كل رجال الطرق الصوفية و الإدارة الأهلية، هؤلاء لا تنقطع علاقتهم بالدولة و مؤسساتها بهدف خدمة مجتمعهم و مريديهم، و عندما تأتي الديمقراطية يتأكد تماما ولاءهم لأحزابهم.. كما أن التعامل بين أهل التصوف يؤسس على قيم خاصة على أرضية نور القرأن و مكارم الأخلاق..

أن الفته البارعة و الخطوة الكريمة التي قام بها مولانا السيد عبد الله المحجوب الميرغني شيخ عموم الطريقة الميرغنية الختمية في مصر؛ تؤكد على أواصر العلاقة بين الشعبين، و أيضا على قيم الصوفية السمحة، و هي بداية جديدة و خطوة في تمتين العلاقة بين الشعبين على نشر قيم الدين الفاضل في التسامح و تمتين الروابط بين المريدين. في الوقت الذي تحتاج فيه الطريقة الميرغنية الختمية في السودان التي لها بعدين رسالي صوفي يتكيء على قيم الدين، أيضا لها دورا سياسيا في البلاد يؤسس على ذات القاعدة، و الشق الثاني يحتاج إلي قيادات واعية لدورها، و فاعلة في المجتمع، و ذات إتصال بأكبر قاعدة من الاتحاديين، قيادة تبحث عن الأفكار و التصورات التي تعينها على أنجاز مهامها، و في نفس الوقت تحافظ على دور الحزب وسط الجماهير، و فاعليته المؤثرة.. قيادة لا تغلق نفسها على حفنة من الناس، و تسلمهم زمام أمرها، بل تكون في حالة من الانفتاح و سماع الأراء من القاعدة، خاصة؛ أن الحركة الاتحادية بجميع فصائلها و مكوناتها فيها شباب قادر على تقديم الأفكار الجيدة، و الاستنارات المفيدة، قيادات تعرف كيف تتعامل مع التحديات، و تدير أزماتها بجدارة.. أما القيادات التي تتنقل بين الأخوة بناء على مصالح خاصة في مسار دائري، هؤلاء لن يفيدوا الحزب، و لا الطريقة الميرغنية الختمية، لأنهم ينطلقون من مصالح ذاتية ضيقة.
أن الخطوات التي بدأ يقوم بها أبناء الطريقة الميرغنية الختمية في مصر مع اخوتهم السودانيين بهدف التلاحم و التفاع، تنبيء ببداية طريق جديد في العلاقة بين الشعبين، و رسم معالم للعلاقة لكي تؤسس على المصالح المشتركة، خاصة عندما يشعر الشعبين أن العلاقة خرجت من ثوبها القديم المؤسس على شعارات العلادات و التقاليد و وحدة اللغة، و غيرها من أفرازات فترة التحرر، و سطوة مناصري القومية، إلي علاقة تؤسس على المصالح يستفيد منها الشعبين، و هي التي تجعل العلاقة تتجذر في اعماق المجتمع، لأنها تخلق البيئة الصالحة التي تجعل روابط المصالح دائمة، و تحافظ على قوة العلاقة. نسأل الله حسن البصيرة..

Comments are closed.