بعد انقطاع الاتصالات والإنترنت.. ملايين السودانيين يفقدون الاتصال بذويهم

46

رصد:(صحوة نيوز)

لم يكد خالد يخرج هاتفه النقّال من جيبه، لتشغيل راديو الموبايل، حتى أقبل عليه شابان وهما يسألان بلهفة شديدة عن عودة الخدمة لشبكات الاتصالات. لكن سُرعان ما انطفأت بارقة الأمل التي لاحت أمام ناظري الشابين المتلهفين عندما أبلغهما خالد بأن الخدمة لم تعد بعد.

حال أولئك الشابين السودانيين، لم تكن بدعاً أو استثناءً، إنّما جَسّدَت حال الغالبية العُظمى من ساكني مدينة كَسَلَا بشرق السودان، مثلما جسّدت حال ملايين السُّودانيين الذين وجدوا أنفسهم فريسةً لضغط عصبي جديد، مع انقطاع شبكات الاتصالات والإنترنت كليّاً عن البلاد لأسبوع كامل

منذ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع منتصف أبريل الماضي، يعيش غالبية السُّودانيين مشقة اقتصادية ونفسية، سيئة للغاية جَــرّاء فقدانهم أعمالهم ومصادر دخلهم وتركهم منازلهم فراراً من جحيم الحرب، إلّا أنّ وطأة الأزمة ازدادت اشتعالاً بعد قطع خدمة الاتصالات والإنترنت عن البلاد لأسبوع كامل، وشكّلت ضغطاً اقتصادياً ونفسياً هائلاً على قطاعات واسعة منهم، خاصّةً بعد أن حَـدّ كثيراً من حركة الأموال، كما تَعَذّرَ عليهم التواصل مع ذويهم ومعرفة أحوالهم.

واكد  أحمد فضل  فقدانه الاتصال بأفراد أسرته تماماً ونهائياً، بعد أن أقلّتهم عربة لعبور الحدود لإحدى دول الجوار مثل مئات الآلاف من السُّودانيين الذين أجبرتهم الحرب الضروس على ولوج ذلك المُرتقى الوعر، ويضيف الرجل بكلمات مُـؤثِّرة تُبكِي الحجر: “لقد عشت أيّاماً عصيبةً، وكاد القلق والتّوتُّر يقتلاني وأنا لا أعلم مصير زوجتي وأبنائي الصغار، وأنا أسأل نفسي، هل بلغوا مأمنهم أو ابتلعتهم الصحراء القاحلة في جوفها؟! الهواجس والظنون شَـلّت كل حركتي وتفكيري، حتى أنّني أصبحت لا أقوى على فعل أي شيء، وعندما يُداهمني النوم من فرط التعب، استيقظ مذعوراً بعد وقتٍ قصيرٍ، وطيف أبنائي يتراءى أمام ناظري، حتى أُصبت بالحمى والهذيان واستمريت على هذا الحال، حتى اطمنيت على أفراد أسرتي فور عودة خدمة الاتصالات بعد انقطاع دام أسبوعاً”.

حالة الأسواق والمحال التجارية بمدن السودان المُختلفة لم تكن بأحسن من تلك الحالة الكارثية المار ذكرها، فقد ضرب الركود والكَسَاد، المُعاملات التجارية وحركتي البيع والشراء بالأسواق والمحال التجارية، التي دخلت فيما يشبه الشلل الكامل بعد توقف تطبيقات دفع النقود إلكترونياً.

وذكر أحد التجار لـ”العربية.نت” أنّ قطع شبكات الاتصالات والإنترنت زاد من حجم المعاناة الإحباط وسط المواطنين، وحوّلت حياة الملايين لجحيمٍ لا يُطاق خاصّةً مع الارتفاع الجنوني لتكاليف الحياة، وشظف العيش وفقدان الغالبية العُظمى من الأُسر النازحة لمصادر دخلهم لعشرة أشهر تقريباً، وأضاف: “قطع الخدمة يعني توقف الحياة وتعثر التحويلات المالية لملايين السودانيين الذين يرزحون بالداخل”.

إلى ذلك، أدى انقطاع الخدمة لظهور صفوف من نوع جديد بعد صفوف الخبز والوقود واستخراج جوازات السفر، ووثّقت مواقع التواصل الاجتماعي بالسودان عبر مقاطع الفيديو والصور، مَشَاهِد الازدحام الشديد أمام أحد الفنادق بمدينة بورتسودان الساحلية بشرق السودان للحصول على ساعة واحدة فقط على شبكة الإنترنت المتوفرة بالفندق.

أيضاً، فتح انقطاع الاتصالات والإنترنت، الباب واسعاً للاستغلال بصورة بشعة، حيث وصلت تكلفة ساعة الإنترنت لأرقام فلكية، إذ بلغت 30 ألف جنيه سوداني، أي ما يعادل 30 دولاراً أميركياً تقريباً في مدينة بورتسودان، وتجاوزت ذلك الرقم المذكور بكثير في مناطق أخرى

في السياق، دانت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، قطع خدمة الاتصالات والإنترنت، وأكدت أن استخدام الاتصالات كسلاح بالحرب جعل الوضع الإنساني أكثر كارثية وتعقيداً، وذكرت أنّ قطع خدمات الاتصالات والإنترنت أعاق قدرة الأطباء داخل وخارج البلاد على تقديم الاستشارات الطبية والمتابعة الصحية للمرضى عن بُعدٍ، والتواصل والتنسيق بين الأطباء، والفرق الصحية العاملة في مناطق النزوح وأطقم المنظمات الطبية الطوعية العاملة في المجال الطبي وغيرهم، حيث يعتمد التنسيق بشكل كبير على الإنترنت والاتصالات الهاتفية، كما يعيق جهود المنظمات الإنسانية لجمع البيانات اللازمة لتقديم المساعدات في ظل انهيار المنظومة الصحية بعموم البلاد وبشكل خاص الولايات المتأثرة بالحرب والعمليات العسكرية، إضافةً إلى المناطق النائية أو للمرضى غير القادرين على الوصول إلى ما تبقى من المرافق الصحية بسهولة.

في ذات السياق، أكدت مصادر طبية لـ”العربية.نت” أن قطع الاتصالات والإنترنت أفشلت إجراء عدة عمليات جراحية بالمستشفيات الخاصّة والعامة بسبب توقف خدمة دفع النقود إلكترونياً، كما عمّقت مُعاناة المرضى وذويهم، لا سيّما عند الحاجة لصرف الأدوية والعقاقير الطبية أو شراء الأطعمة والمشروبات.

يُذكر أنّ القوات المسلحة والدعم السريع تبادلا الاتهامات بشأن تعطيل شبكات الاتصال بالسودان.

في المقابل، أعلنت السفارات والقنصليات السودانية بدول عدة مثل مصر وسلطنة عمان تعليق إصدار جوازات السفر مؤقتاً لحين عودة أنظمة الاتصالات والإنترنت بالبلاد مرةً أخرى

Comments are closed.