عطاف محمد مختار يكتب: الشهيد محمد صديق.. الفداء لم يخن
ارتقى الملازم أول معاش، محمد صديق، شهيداً، مرفوع الرأس، أراد الله له الشموخ في حياته وعند مماته. ولعمري هذا مقام عليٌّ.
رأيته أول مرة؛ في الأيام الأولى لاعتصام ميدان القيادة.. كان فارساً نبيلاً مِقداماً، حمى المعتصمين حينها من الغدر، يحثهم على الثبات.
حينما كان الشهيد محمد صديق أيقونة للثورة؛ يقف تحت نفق الجامعة، رافضاً سحب قوته من ميدان الاعتصام؛ ويقول لأحد كبار الضباط (مخالف سعادتك.. لن أسحب قواتي.. ويا إخواني في مختلف الرتب بالقوات المسلحة “دفن الدقن ما بينفع” تعالوا اقيفوا مع الشعب هنا لحدي ما يحصل تغيير، والرهيفة التنقد)، كان حينها حميدتي لم يحسم أمره بعد، هل يفض الاعتصام لمصلحة عمر البشير، أم يجير الاعتصام لصالحه!.
وحينما اعتلى حميدتي بانتهازيته الفطرية؛ مقاليد السلطة نائباً لرئيس المجلس العسكري ومن بعدها نائباً لرئيس مجلس السيادة، يتلقّى التحية العسكرية من كبار الضباط، والمداهنة من السياسيين، كان الشهيد محمد صديق، على رأس قائمة الضباط الذين يتم تسريحهم من الجيش، في عز ريعان شبابه، ثمناً لذوده ودفاعه عن الشعب، الذي أدى القسم في الكلية الحربية على حمايته.. ولأن أمثاله يجب أن لا يكونوا في مؤسسة الجيش السوداني، الذي يسعى حميدتي وبعض الخونة من الضباط لتحطيمه وتركيعه وفقاً لمخططات إقليمية.
وعندما اندلع تمرد مليشيا الدعم السريع، وعلى قيادتها كبار من ضباط الجيش، اللواء عثمان عمليات وآخرون، لم يتردد بطل الفداء محمد صديق ولم يتلجلج، قدم نفسه لإحدى الفرق، وتم رفضه. هل اكتفى بذلك وقال أنا عملت العلي!. لا، وألف لا، حمل أب ضراعاً أخضر كلاشه والتحق بالمستنفرين في المقاومة الشعبية، عندها كانت المليشيا تهدد باجتياح شندي، وأقسم أب ضراع؛ اليمين، أنه سيذهب في أثر المليشيا إلى الجيلي، ولن يسمح لها بتدنيس شندي. وبر البطل بيمينه ولم يحنث به، فقسمه ليس قسماً غموساً مثل الغدار ولد دقلو – الذي يلحس اليمين الغموس كما يلحس أموال السودان والناس بالباطل – بل قسم ويمين راجل ود رجال تربى على حب الوطن مدافعاً عن أرضه وشعبه وعرضه. والآخر الغدار ولد دقلو، عَلَا في الأرض، كما فرعون، سفاحاً قاطع طريق همباتي شفشاف، يستضعف أهل السودان يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين.
رحل محمد صديق واقفاً كالنخيل، بعد أن نفد رصاص بندقيته، لم يجبن أو يجري ويرتعد أمام لصوص مليشيا الغدر.. ولكأنه يغني: (أخواتي البنات الجري دا ما حقي حقي المشنقة والمدفع الثكلي وحالف باليمن أعز بنات أهلي).
لقد أعز الله محمد، وأعز أهله، إذ اصطفاه شهيداً، مخلداً اسمه بأحرف من نور على جدار التاريخ، بطلاً أسطورياً تحكي عنه القصص والروايات لمئات السنين.
الشهيد محمد صديق، هو المثال الرائع في مخيلة الناس عن الجيش والمفترض أن يكون عليه، فداء وتضحية ونبلاء وفراسة، هو (العسكري أب قلباً حار ما بدور الحقارة وفي عيونه شرارة، وبنصر الغلابى).
وكما قال لي الأخ محمد فاروق (محمد صديق، من ناحية هو توضيح لنظرة المواطنين دائماً للجيش، إنه قابلٌ للإصلاح، ومن ناحية ثانية يوضح مدى استحالة إصلاح الدعم السريع).
رحم الله محمد صديق برحمته التي وسعت كل شيء.. سيظل شامة وهامة وعلامة في جبين الوطن، رمزاً للشجاعة والإقدام والتضحية، ولما يجب أن يكون عليه الجندي..
نحن جند الله جند الوطن
إن دعا داعي الفداء لم نخن
نتحدّى الموت عند المحن
نشتري المجد بأغلى ثمن
هذه الأرض لنا
فليعش سوداننا عَلَمَاً بين الأمم
يا بني السودان هذا رمزكم
يحمل العبء ويحمي أرضكم.
Comments are closed.