الزين صالح يكتب: الحسن الميرغني بين خيارين أحلاهما مر

112

بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
المقال السابق قد أشار أن عامل التغيير الجديد الذي دخل علي مؤسسة “الأسرة الميرغنية” هو “التعليم الحديث” وأن التعليم له أثرا كبيرا في طريقة التفكير، ويساعد صاحبه على التفكير خارج الصندوق.

وأيضا يساعد على بناء التصورات حول مسألة الإصلاح السياسي، وخاصة إصلاح المؤسسة الحزبية والتي تحتاج لقدر عالي من الإبداع والإنتاج الفكري، وهل هذا متوفر في جيل الميرغنية الجديد، أم أنهم يريدون السير في ذات الطريق الذي رسمه السيد علي؟ هذا هو التحدي أمام الجيل الجديد في الأسرة، وفرضه عاملان التعليم ووسائل الاتصال الاجتماعي.

وللتعرف على التحدي وكيفية مواجهته، نأخذ “الحسن الميرغني نموذجا” باعتبار أن التصور السياسي عنده أكثر تقدما عن أخيه جعفر الذي وافق أن يكون أداة لحفظ مصالح “رجال حول والده” والمجموعة هي التي سوف تفكر نيابة عنه، وأيضا يريدون واجهة يستندون عليها ويمارسون السياسة بأسمه.

ولذلك يراهنون على وصايا السيد علي الميرغني التي تؤسس على “القدسية” رغم إدراكهم أن الواقع في حالة تغير مستمر، وهذا لا يمنع أن بقية الأخوة سوف لن يطرحوا أنفسهم مستقبلا متنافسين في الساحة السياسية.

أن الواقع المتغير سوف يفرض شروطا جديدة يجب معرفتها واستيعابها من خلال طريقة جديدة للتفكير، أمام الحسن الميرغني أربعة تحديات أساسية، وهي تحديات مرتبطة برؤية الحسن لكيفية التعامل معها، والتحديات تتمحور في الأتي:-

1- الاعتراف أن السياسة التي كان يدير بها والده كانت خاضعة لشروط المجتمع في ذلك الوقت، والآن هي غير مفيدة ويجب أن تتغيير، وخاصة أن الحسن أكثر علما بعلم الإدارة، والحسن عنده قدرة على التفكير لوحده دون وصاية من آخرين. ويجب أن يكون له قاعدة تنطلق من قاعدة معرفية وثقافية، تستطيع أن تقدم استشارات مفيدة.

2 – أن سياسة تعيين قيادات في قمة الحزب من مدخل الولاء سوف تضر بالحزب، ولن تجلب غير العناصر ذات المقدرات المتواضعة، ويجب الاعتماد علي الكفاءة عبر ما تنص عليه لوائح الحزب من خلال التصعيد عبر صناديق الاقتراع، والتنافس الديمقراطي، يجب اعتماد أن تصبح السلطة للمؤسسة ولوائحها، لأنها تفتح الأبواب للعناصر المقبولة من قبل القواعد والعناصر الصلبة وذات المعرفة المطلوبة.

3 – يجب التفريق بين ثقافة الطريقة والثقافة السياسية، والخروج من دائرة الشيخ والحوار. فالكل داخل الحزب لهم حقوق وواجبات والجميع يجب أن يحترموا اللوائح الداخلية للحزب، والجميع يجب أن يشاركوا في الانتخابات، وإحترام نتائجها.

وينتظر المعارضون لانتخابات أخرى دون الخروج لتكوين حزب جديد، كل ما توسعت المواعين الديمقراطية في الحزب سوف تحافظ على وحدته وقوته الاجتماعية، وتجاوز القوانين واللوائح الداخلية للحزب هي التي تبرز مجموعات التكتل والشللية، وهؤلاء غير مفيدين لأنهم عرضة بأخذ عدوى الأمراض الاجتماعية.

4 – وأمام الحسن خيارين الأول إذا كان يريد قيادة الحزب، يعلم أنه سوف يدخل في تنافس مع الأخرين. وإذا كان يريد أن يكون راعيا للحزب، كما كان السيد علي الميرغني هذا موقع خالي كان حتى عام 1985م ويعطى له، لكن دون أن يكون له تدخل مباشر في العمل السياسي وصراعاته كما كان السيد علي الميرغني.

أن التحديات التي تواجه “أسرة الميرغني” سوف تفرض نفسها، وتزيد ولا تنقص، وفقا لإزدياد الوعي في الشارع، وخاصة في “الأجيال الجديدة” باعتبار أن المعلومة منتشرة في النت، وأن التعبير عن الرآي مسموح به، ويشكل ضغطا علي أي قيادة.

وهذا التعبير لا تحكمه معايير محددة، خاصة في بدايات التحول الديمقراطي، ويمكن أن يشكل حالة من التمرد على كل القديم، وبالتحديد على الأحزاب التقليدية، وينظر إليها واحدة من مسببات الفشل السياسي في البلاد، هذه التحديات تحتاج إلي عقليات متفهمة لواقع التغيير، وباعتباره حالة تمرد على كل الموروث.

وإذا كان يريد الحسن الميرغني أن يتعامل معها من خلال أن يتدثر بالقداسة سوف يجد قبولاً متواضعا ثم يتراجع اجتماعيا، ويجب عليه أن يدرك أن التحدي يحتاج لعقلية جديدة تستوعب هذا التغيير، وأثره على الأجيال الجديدة.

من خلال التعامل السياسي للحسن الميرغني في هذه الفترة الزمنية القصيرة ما يزال مؤمن بدور الكاريزما في المؤسسة الحزبية، رغم علمه أن الكاريزما ضد المؤسسية، وهي التي اقعدت الحزب في أن يمارس دوره باعتباره دولة محورية سياسية في السودان، حيث غاب الحزب الاتحادي الديمقراطي غيابا كاملا عن الساحة السياسية ويرجع ذلك لدور الكاريزما.

ويجب أن يطرح الحسن الميرغني مسألة الكارزمة لحوار مفتوح بين قواعد الحزب. لأنها ليست قضية متعلقة بفئة محصورة في القيادة أو في أسرة بعينها، هي قضية تتعلق بحركة الحزب الجماهيرية وأيضا بالمشاركة الواسعة في أتخاذ القرار.

أن الطريقة الختمية هي رافد كبير للحزب جماهيريا، لكن الطريقة لها ثقافتها الخاصة التي يجب أن تكون على مسافة من الممارسة السياسية، باعتبار أن الثقافة السياسية القائمة على الندية تختلف تماما عن ثقافة الطريقة القائمة على الولاء وتبعية الحوار للشيخ وعدم مجادلته في رؤيته إذا كانت دينية أو غيرها.

هذه المسالة يجب أن يجعلها الحسن نصب عينيه، وهي التي كانت قد قادت لانقسام الحزب الوطني الاتحادي من قبل وتكوين حزب الشعب الديمقراطي بمباركة السيد علي الميرغني، ويجب أن لا تتكرر مرة أخرى.

ومعلوم أن أي معادلة لها جانبين. والجانب الآخر في المعادلة هي الجماهير، أو الحاشية التي تحاول أن تجتمع حول الكاريزما، هؤلاء هم الذين يشكلون أكبر عائق لإنطلاقة أي حزب سياسي لأنهم هم الذين لا يعرفون البوح في الهواء الطلق ويفضلون الغرف المغلقة التي يكثر فيها الهمس علي آذان الكارزمة، وهي فئة موجودة في أي حزب سياسي.

الغريب في الأمر أن وجوهها متحجرة وأجسادها متلونة تقبل العيش في أي وضع كان، هي الفئة المشحونة بالأمراض الاجتماعية “الانتهازية – التملق – الوصولية وغيرها” هي من يعلوا صوتها عندما يضعف الحزب ويصبح منطقة طاردة للعناصر ذات القدرات العالية، ويضعف صوتها عندما تسحب الكاريزما كل المقاعد التي حولها.

فهل الحسن سوف يدرك هذه الفترة التاريخية الصعبة التي يمر بها الوطن وحاجتها لأحزاب ديمقراطية مفتوحة.
نسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.