الحركة الإسلامية من الحكم إلي المعارضة (3 – 3)

69

بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن

في المقال السابق؛ توقفت عندما قررت الجبهة الإسلامية القيام بانقلاب عسكري، كانت تبرر ذلك لتعدد الانقلاب التي كان يخطط لها من عدة تنظيمات في ذلك الوقت، و حقيقة الأمر؛ أنها تخوفت من اتفاق الميرغني قرن، و الذي كان سوف يقلب المعادلة السياسية، و قررت الانقلاب.. أن علاقة الجبهة الإسلامية بالعسكريين بدأت منذ عهد نميري عندما بدأت تعمل ورش و محاضرات و تحفيظ للقرآن في المجلس الإسلامي الإفريقي، و إذا رجعنا للوراء أيضا مشاركتها في التخطيط لانقلاب 1959م عندما كان على رأس قيادتها الرشيد الطاهر بكر، لكن الحركة أصبح لها تأثير في الواقع السياسي بعد ما أصبح على قمة هرمها الدكتور حسن الترابي.

بعد انقلاب الجبهة الإسلامية القومية 1989م، قبضت على مفاصل الدولة تماما، و أول شيء فكرت فيه أن تضرب القوى الفاعلة التي يمكن أن تستفيد منها الأحزاب التي ذهبت للمعارضة، لذلك فصلت العديد من العاملين في الخدمة المدنية، و خاصة العناصر التي كانت نشطة في النقابات العمالية و المهنية، ثم صادرت الصحف، ثم من خلال وزارة التخطيط الاجتماعي عملت على بروز رأسمالية جديدة، لذلك بدأت مضايقة الرأسماليين الذين تعتقد أنهم يمثلون دعامة لأحزابهم.. كانت الجبهة تعتقد إنها قد أغلقت كل المنافذ التي يأتي منها الهواء الساخن و يشكل لها تحديا، في الوقت الذي خرجت قيادات الأحزاب و كونت تحالفا للمعارضةبأسم ” التجمع الوطني الديمقراطي” و ساعدها ذلك على أن ترتب أوضعها بهدوء.. و لكنها نسيت أن صراعها الذي من المفترض أن يكون مع خصومها السياسيين الآخرين سوف يتحول داخلها، لأن المنافسة سوف تنتقل داخل عضوية الجبهة الإسلامية نفسها.. و قد حدثت المفاصلة بالفعل 1999م و التي قسمت الجبهة بشكل طولي، و خلال هذه الفترة ذادت خبرة و قدرات عناصرها على كيفية إدارة الأزمات و الصراع مع الأخر..

أن المفاصلة أخذت الكثير من القوى الداعمة لانظام الإنقاذ، لآن العناصر الصلبة المؤمنة بمباديء التنظيم ذهبت مع الترابي، و العناصر التي زاوجت بين المباديء و الرغائب الخاصة ظلت مع عمر البشير في الدولة، و عندما شعرت بالضعف فتحت بابا للحوار مع مجموعات في الحزبين التقليديين ” الأمة و الاتحادي” مجموعات الشريف زين العابدين الهندي من الاتحاديين و مجموعات عبد الله مسار و مجموعة نهاز و الزهاوي، قدامة اليساريين، لكي تقوي قاعدة النظام من جانب، و من الجانب الأخر تضعف قوى المعارضة.. و كانت الإنقاذ قد بدأت عملية التجيش  في المجتمع والتجنيد الإجباي و قوات الدفاع الشعبي .. و في المشهد الأخر بدأت المعارضة تتبنى مسألة الكفاح المسلح، و الغريب أن أحزاب المعارضة ” الاتحادي و الأمة و الشيوعي و القيادة الشرعية للجيش و قوات التحالف و قوى البجة و الأسود الحرة جميعهم لم تحصل قواتهم الف شخص. أضطرت الحركة الشعبية أن تنقل ثلاثة ألاف مقاتل لجبهة الشرق، و أتضح أن الأحزاب عاجز عن الحشد و التعبئة العسكرية لعناصرها..

عندما تبنت المعارضة الكفاح المسلح كنت قد كتبت مقالا نشر في جريدة ” الخرطوم” التي كانت تصدر في القاهرة، ذكرت فيه أن تبني المعارضة للكفاح المسلحة سوف يكون من مصلحة الإنقاذ لأنه سوف يساعدها على عمليتي ” التعبئة و الحشد” لكن إذا تبنت النضال السياسي داخل السودان سوف يكون أثره أفضل.. أتذكر في ذالك الوقت جاء القطب الاتحادي الحاج مضوي القاهرة، و دعا محمد الحسن عبد الله يسن مجموعة من الاتحاديين لحفل مرطبات في منزله و حضر الحفل ” الحاج مضوي و محمد توفيق أحمد و عبد الله فرح و محمد الحسن إلي جانب اللواء عمر قناوي وكيل المخابرات المصرية و اللواء محمود عبد الخالق الذي كان مسؤولا عن ملف السودان و شخصيالضعيف.. قال اللواء عمر أن تبني المعارضة الكفاح المسلح ليست في مصلحتها لأنها بالفعل تساعد النظام كما ذكر زين العابدين في مقاله على التعبيئة و الحشد.. قلت مقاطعا أنتم قرأتم المقال،قال نحن نقرأ الجريدة من الغلاف للغلاف، ثم واصل و قال أن العمل المسلح أيضا سوف يكون مشكلة لوحدة السودان.. أتذكر أيضا في عام 1995م كان ” المركز السوداني للثقافة و الإعلام” نظم مهرجان للثقافات السودانية في الجامعة الأمريكية بدعم مالي من منظمة ” Ford Foundation ” داخل حوش الجامعة الأمريكية في القاهرة و كان المهرجان ناجحا، و دعتنا مؤسسة فورد الداعمة لتقيم المهرجان في فندق شبرد بالقاهرة.. حضره من المنظمة رئيسها و مسؤولة القطاع الثقافي و رئيس قسم الدراسات الأفريقية في الجامعة الأمريكية، و هو أمريكي و السفير الأمريكي بالقاهرة، بعد التقييم انحرف الحديث للسياسة قال السفيرالأمريكي و حديثه عن الديمقراطية أن الأحزاب التقليدية ” الأمة الاتحادي الشيوعي” ليس لديهم جديدا يمكن أن يضيفونه للديمقراطية في السودان، هم في السلطة سقطت الديمقراطية عدة مرات، السودان في حاجة لقوى جديدة تخلق معادلة مع الإسلاميين حتى تنجح الديمقراطية.. و قال أن حزبي الأمة و الاتحادي لهم جماهير لكنها خاملة تذهب لصناديق الاقتراع لكنها غير فاعلة دون ذلك.. و قال أن الإسلاميين لهم قاعدة اجتماعية أقل لكن الأغلبية فاعلة، و عندها خبرة متسعة في المناورة..

أن فترة حكم الإنقاذ حدثت العديد من الصراعات بين الإسلاميين، و خرج بموجبها المؤتمر الشعبي 1999م، و خرجت مجموعة الإصلاح الآن 2013م بسبب فظائع القتل على الذين خرجوا في ثورة سبتمبر، و أيضا أصبحت هناك قوى جديدة ” التنمية و البناء” و هناك أيضا سائحون , و هناك مجموعات من النخب الإسلامية التي انتقدت النظام، و هناك مجموعة الحبر يوسف نور الدائم و غيرها.. كان المتوقع أن القوى السياسية تكون مدركة لهذا الواقع، و تتعامل معه بحكمة، إذا كان الهدف بالفعل هو عملية التحول الديمقراطي، لكن للأسف أن المجموعات الجديدة أعتقدت أن سقوط الإنقاذ يعني نهاية الإسلاميينو سوف يرفعوا الراية البيضاء، و تصبح السلطة من حق قحت، نسيت أن السلطة صراعا مستمرا. و سوف يشكل لها تحديا، و هي تلعم لا تملك مقومات الصراع معهم، الأمر الذي جعلها أخيرا أن تلجأ للخارج أن يكون نصير لها دون القاعدة الشعبية.. لنا رجعة.. نسأل الله حسن البصيرة..

Comments are closed.