حكاية من حلتنا يكتبها: آدم تبن: إذاعة كردفان إبداع فى زمن الحرب
(كردفان بلدى ليك جد مشتاق) مقطع موسيقى تردده إذاعة كردفان فى ساعات بثها اليومى لبرامجها المختلفة حيث أصبح مألوفا لسامعيها من مختلف المناطق وقاد ذلك لصهر نسيجها الإجتماعى فى قالب كردفانى لايختلف عليه إثنان ، فأغلب من وطأت أرجلهم أرض كردفان (الغرة أم خيرا جوه وبره) وسكنوا مع أهلها أصبحوا كردفانيين أصيلون لايغيبون عن أفراح وأحزان أهلها بل تجد منهم من يتقدم صفوفهم وهو ليس منهم ، وهكذا أنصهر المجتمع وأصبح الغريب ليس غريبا عنهم بل قريبا منهم وتلاشت الجزر التى تفصل بين الناس وعاش الجميع فى إلفة ومودة وطمأنينة قد لاتجدها فى بعض مناطق السودان ، وكانت إذاعة كردفان رائدة فى تهيئة هذا الدور الإيجابى الكبير الذى حصد ثماره مجتمع كردفان أمنا وسلاما إجتماعيا ميزه على كثير من المجتمعات ، وحتى عند قيام حرب الخامس عشر من أبريل الماضى لم يتخلى الناس عند رفقتهم الجميلة التى عاشوها لسنوات طويلة وإن غادر البعض دياره ومكان معاشه فى كردفان إلا أن حبهم وتقديرهم لها ولأهلها لايفارفقهم وإن بعدت الشقة بينهم ، لكن قلوبهم تحمل المحبة لمن شاركوهم الأفراح والأحزان وأكلوا معهم الملح والملاح كما يقول مثلنا الشعبى وهنا تعظيم سلام لمجتمع كردفان الذى لم تزده الحرب إلا تماسكا وتلاحما رغما أن هناك من شذ عن هذه القاعدة وهذا من الطبيعى الذى لايكترث الناس لمثله ، فمسيرة الحياة تمضى بغيره وكأن شيئا لم يكن.
ومعلوم أن إذاعة كردفان صوت إعلامى ألفها المستمعون منذ سنوات طويلة قدمت خلالها جميع فنون العمل الإعلامى الإبداعى الذى كانت ثمرته النسيج الكردفانى المتميز والمتماسك والمتواصل فى أحلك الظروف ، وقدمت الإذاعة إبداعاتها بشكل مبسط يناسب كل أنواع المستمعين إن متعلمين أو أميين رجالا كانوا أو نساءا صغارا أو كبارا أصحاب مهن أو غيرها ، عندها إلتقط المستمعون أثيرها أحبوها وألفوا برامجها ومبدعيها فى مختلف مجالات العمل الإعلامى الإذاعى ، يعرفون مديرها مثل مايعرفون مذيعيها ومخرجي ومعدى ومقدمى برامجها وتوقيت نشرات أخبارها وبرامجها المختلفة ، ولما لا فالإذاعة الى وقت قريب كانت أقرب وسائل الإعلام للملتقى لإنها تخاطب كل فئات المجتمع فهى تعتمد على حاسة السمع أضف الى ذلك أن الراديو الرابط بين المتلقى والإذاعة يسهل الإستماع إليه وحمله والتنقل به وسهولة إقتناؤه ، لذا فقد نشأ أغلب الناس على حب الإذاعة والاستماع إليها فى جميع الأوقات ، فكانت رافدا ساهم فى التنمية البشرية لمختلف المجتمعات فى الحضر والريف ، فكانت هنالك برامج موجه تستهدف مجتمع معين تخاطبه بلغته التى يعرفها .
وهاهى الأيام تعود تحمل أجمل الذكريات فى حضرة أهل الإبداع فى إذاعة كردفان حيث تشرفت مع زميل العمل الأخ والصديق أحمد عيسى بزيارة الإذاعة خلال رحلتى مؤخرا لمدينة الأبيض (عروس الرمال) كما يحب أهلها ذلك ، فكان لإستقبال الأستاذ محى الدين محمد عثمان المدير الإدارى الأثر الطيب فى نفوسنا وإكتملت الجلسة بحضور أعمدة الإذاعة خليل ونجوى وآمنة ومحمد مرحبين بقدومنا إليهم أيما ترحيب ، وجدناهم كالعهد بهم يبدعون وينافسون أنفسهم ليقدموا مايفيد مستمع الإذاعة لم تلن عزيمتهم ولم تكن الحرب معيقا لهم بل زادتهم إصرارا على أن تواصل الإذاعة بثها كل يوم من السابعة صباحا حتى الخامسة مساءا على موجة الإف إم والمتوسطة ويطمحون أن تبث الإذاعة برامجها على الشبكة العنكبوتية لتصل الى مستمعيها فى خارج البلاد، وهنا نقول أن الحرب رغم قسوتها فقد كان أهل الإبداع فى إذاعة كردفان يطوعنها فى إذاعتهم لتخرج لمستمعيها رحيقا مبدعا من كل فن من فنون الإبداع الإعلامى ، فهل تجد هذه الإذاعة ومبدعيها بعضا من التقدير والإهتمام من الجانب الرسمى أولا ويتبعه الجانب الشعبى لتواصل الإذاعة فى أداء رسالتها تجاه المجتمع لتساهم فى تحقيق التطور والريادة فى المستقبل القريب .
Comments are closed.