يوسف عبدالمنان يكتب(حديث السبت): هل انتحر حزب الأمة بتحالفه مع المليشيا؟

125

*برمة ناصر يقود الحزب بشريحة العطاوة، وقفطان الجيش

*الدومه وإسماعيل كتر والفريق صديق في عين العاصفة

(1)
● منذ أن غيب الموت الإمام الصادق المهدي، وانطوت صفحته بتلك الحادثة المريبة، بعد نقله مستشفياً إلي أبوظبي، التي كانت تعتبره العقبة الكؤود في طريق المشروع البريطاني الأمريكي الإماراتي في السودان. وما أثارته طريقة رحيله من تساؤلات، وإحتفاظ أسرته في سرية تامة وصيتة الأخيرة، التي كتبها الإمام وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، وحدد فيها من هو خليفته في رئاسة الحزب، وفي امامة الأنصار، وهي وصية لو أفرج عنها في أي لحظة لثارت عاصفة كريح صرر في أروقة حزب الأمة، لن ينقشع غبارها قريباً.
● لكن دعنا مما هو مؤجل الان حول الخلافة وترتيباتها، ولنقرأ في مآلات أكبر الأحزاب السياسة عمراً وأكثرها تأثيرا حتى وقتٍ قريبٍ، باعتباره الحزب الذي نال من مقاعد البرلمان مائة وواحد مقعداً في آخر انتخابات تعددية جرت في البلاد، واعترف بها العالم في سنة 1986م ولكن حزب الأمة منذ رحيل الإمام الصادق الذي كان يمثل الموضوعية والاعتدال، تم اختطاف الحزب من قبل مجموعة صغيرة بعضها موصولا بنسب آل المهدي مثل صديق الصادق المهدي واخته مريم، وبعضهم تربطه بالاسرة المهدوية وشائج التصاهر، مثل الواثق البرير.
● الذي يمثل حالة استثنائية، فقد استطاع اختراق الصفوف الي أن بلغ الصف الأول في قمة قيادة الحزب، وربما كان ذلك إيجابياً لتذويب مشاعر عدم الاستلطاف بين الاتحاديين وحزب الأمة، ولكن التصاهر بالزواج من السيدة ابنة السيد الإمام الراحل مهد للواثق الوصول الي قيادة حزب الأمة. فكان له الدور الخفي والمعلن حتى تيسر للقوى التي تدير المشهد في البلاد وهي قوى أجنبية بواجهات سودانية، التحكم في الساحة السياسية عقب سقوط نظام الإنقاذ.

(2)
● اختار حزب الأمة أو اختير له أن تبقى مسألة الرئاسة معلقة حتى المؤتمر العام للحزب الذي كان يمكن دعوته بصورة استثنائية وبعضوية آخر مؤتمر عام، وانتخاب رئيسياً للحزب، ولكن القوى الأجنبية التي تمسك بملف السودان وجدت في فضل الله برمة ناصر مواصفات القائد المطلوب لهذه المرحلة بعد دراسة شخصيته من حيث نقاط الضعف والقوة وميوله العقائدية، وبعده عن اصولية الدعوة الأنصارية، وبعده عن وطنيته العسكرية، وتماهيه مع مشروع تفكيك السودان، وإعادة هندسة المجتمع، بما يتوافق مع الليبرالية الاجتماعية، والقبضة الدكتاتورية باسم المدنية!! ولما تعثرت خطي المشروع، وفشل عبدالله حمدوك بضعفه وقلة خبرته وإذعانه لمجموعة صغيرة من اليساريين وبقايا الحزب الشيوعي ومطرودي محمد ابراهيم نقد، ولجوئه الي القوى الرباعية التي كانت تمثل الوصي على السودان، وتسلسل الأحداث بإختيار الفريق حميدتي لقيادة انقلاب عسكري يطيح بالبرهان، ويعيد قوى الحرية والتغير للسلطة، وتفكيك الجيش والشرطة والأمن بدعاوي انها تمثل قوى الردة.
● وفي تلك المرحلة بدأ حميدتي في تشكيل شبكات اجتماعية وسياسية واسعة تمهيداً للخطوة القادمة، وتفتقت عبقرية فضل الله برمة ناصر لفكرة مشروع العطاوة في السودان وهو مشروع بلا سيقان، باستثناء استدعاء تاريخ بالي لثلاثة مجموعات قبلية في السودان هي المسيرية والرزيقات والحوازمة وهؤلاء يقولون في التاريخ الشفاهي أن جدهم واحد وتم تأسيس دار للعطاوة في الخرطوم مقر المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي وجاء حميدتي بمستشاريين بعدد الحصى لهذا المشروع الذي كان يشرف عليه ويراسه عمه جمعة دقلو وهو رجل امي لايكتب ولايقرأ !! لكن يجلس حوله حثالة المثقفين، يسبحون بحمده، وتفيض جوانبه من مال وسلطة وجاه، فركب اللواء فضل الله برمة قطار العطاوة.
● وبدأ آخرون يتململون من تحته رفضاً للتحالف مع القوى اليسارية من جهة، وهؤلاء يمثلهم التيار الأنصاري العقائدي المرتبط بفكرة المهدية ومشروعها التحرري من الاستعمار، وهذا التيار ضعف ووهن رغم وجوده العميق في الحزب خوفاً من التصنيف والتنميط الذي مثلما يصف اي إسلامي بقوى الفلول، وفي ذات الوقت هناك تيار التحالفات الاجتماعية التي يتشكل منها حزب الأمة وله فيها تاريخياً حاضنة معتبرة، وهؤلاء يرفضون من حيث المبدأ التحالف مع قوات الدعم السريع التي تحمل في سجلها تاريخاً مخزياً لبعض مكونات دارفور بصفة خاصة، باعتبارها القوى العسكرية التي استخدمها البشير لقمع ثورة المهمشين، بعد رفض المجاهدين خوض حرب دارفور كموقف عقدي وجاء البشير كرئيس بقوات الدعم السريع التي لم تقرها مؤسسات الجيش ولا الحزب ولا الحركة الإسلامية، وإنما أُرغم نواب البرلمان على إجازة قانون يشرعن لوجودها، برغبة البشير وحده. لقد وقف فضل الله برمة في ذات مكان البشير واصبح أقرب لحميدتي من حبل الوريد، وفي عنقه، ولكن الحزب كان ينظر ويرى ويتابع تداعيات هذا التحالف حتى اندلعت الحرب في منتصف أبريل من العام 2023م وباندلاع الحرب اختارت كل قوى الحرية والتغير الوقوف مع حميدتي، باستثناء تحالف القوى الديمقراطية والمثقفين المتمردين على ذلك.

(3)
● باندلاع الحرب في السودان لم يخفِ حزب الأمة انحياز كاملاً للملشيا في كل السودان، من الخرطوم وحتى الجنينه، وأول ضحايا مليشيا الدعم السريع التي تحظى بدعم حزب الأمة كانت قاعدته العريضة في الجنينة التي ظلت تاريخياً تمثل دائرة مغلقة لحزب الأمة، وآخر نواب الحزب من الجنينه طارق بحر الدين الذي سفح الاوباش الجنجويد دماء أهله المساليت، وقتلوا  الوالي خميس أبكر بوحشية لم تشهدها دارفور من قبل، ولكن الحزب الذي يقوده فضل الله برمة كان تقديره السياسي الوقوف إلى جانب العطاوة، وخسر نائبه محمد عبدالله الدومه، كما خسر إسماعيل كتر رئيس حزب الأمة بشمال دارفور، بل خسر القاعدة الاجتماعية العريضة من القبائل ذات الجذور الأفريقية، إذ جميعها وقفت مناهضة لحرب دقلو برمة. ولم يكسب حزب الأمة من القبائل العربية الا نذراً يسيراً، وخسر الزغاوة والمساليت والداجو والبرتي.!! وحزب الأمة اصلا رصيده وسط قبيلة الفور لايغطي ثمن أكثر من دائرة واحدة. وأصبحت عناصر حزب الأمة في الأحياء السكنية بالمدن تمارس مهنة الإرشاد وقوادة الجنجويد لبيوت الضباط وحيث السيارات الفارهة لنهبها، والقتل العمد لما يسمونه بالفلول وعناصر دولة 56 ووقفت عناصر حزب الأمة مع الجنجويد في الولايات مثل الناظر هباني في النيل الأبيض، والذي يعتبر شريكاً فيما حل بالمواطنين خاصة في ودالنورة، وفي قرى الجزيرة التي شهدت أبشع الانتهاكات والتطهير العرقي، وصمت حزب الأمة على كل التجاوزات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، بل تصدر حزب الأمة قائمة القوى المناهضة للجيش، وظل يدين الجيش في كل البيانات التي يصدرها ويتغاضي تماماً عن انتهاكات الجنجويد *وبهذا الموقف فإن حزب الأمة قد خسر في كردفان البديرية وحمر والداجو في دائرة الدكتور بشير عمر فضل الله، وحزب الأمة اصلا لا وجود له في مناطق العباسية ورشاد وحتى منطقة تلودي التي كانت حديقة خلفية للحزب والزعيم قمر حسين رحمة فقدها برحيل عمر كما فقد دوائر دار حمر بعد رحيل بكرى عديل وموقف الحزب من حمر المناهضين للتمرد والداعمين للجيش.
● وحتى البديرية وقف الناظر الزين ميرغني حسين زاكي الدين مع القوات المسلحة، وهو موقف يناهض ويتعارض مع موقف حزب الأمة، حينما أصدر الأمير الزين ميرغني بيانا شديد اللهجة ضد الجنجويد بعد ارتكابهم لجريمتهم البشعة بقتل عشرين مواطناً من أهالي قرية الدموكية وباسم محاربة دولة 56 بينما حزب الأمة وضع يده في فمه وصم أذنيه عن أصوات الرصاص الذي حصد أرواح الأبرياء. وحزب الأمة اصلا لا وجود له في جبال النوبة رغم فوز حبيب سرنوب في انتخابات سته وثمانين ولكن الآن المتغيرات على الأرض والدعم الذي وجده الجيش مقابل المليشيا ربما افقد حزب الأمة أكثر من سبعين في المائة من رصيده الذي ناله في آخر انتخابات شارك فيها وكان رائدا فيها الا ان الحزب تحت قيادة فضل برمة فقد رصيده واكل سنامه وشرب (قربته) ومد عنقه للمليشيا ظنا منه أنها سوف تنتصر في معركتها مع الجيش، ويتطلع العجوز فضل برمة الذي غادر الجيش برتبة اللواء عام 1986م للعودة بعد ثمانية وثلاثين عاما للسلطة مرة أخرى.

(4)
● عندما تجد حزب الأمة مصطفاً مع القوى السياسية التي ترفض الانتخابات، وتسعى لإقامة فترة انتقالية طويلة لتشبع فيها وطرها من السلطة فإن الحزب محقا بحسابات الواقع لأن أي انتخابات ديمقراطية في البلاد سيجد حزب الأمة نفسه في وضعٍ بائسٍ جداً، فالمواطنيين الذين قتلوا وشرد منهم أثنى عشر مليونا إلى مصر ومثلهم لمدن الشرق والشمال لايصوتون لجلاديهم مهما كانت المغريات وان النيل الأبيض التي حصل الصادق المهدي في دائرة ربك الجزيرة ابا على واحد وثلاثين الف صوت في آخر انتخابات، يصعب عليه الحصول عليها حتى لو رشح صديق الصادق المهدي، لأن القوى الصماء التي كانت تصوت مغمضة العينين ماعادت كذلك وجاءت حرب الجنجويد لتقضي على رصيد حزب الأمة في كل المناطق التي دارت فيها الحرب رغم أن هناك تيارات قوية وقادرة من حيث الرصيد وسط العضوية من تبديل وتغير مسار الحزب ولكن أصبح المال يشكل نقطة ضعف وقوة وقيادات مثل صديق محمد إسماعيل وهو من عرب البقارة البنى هلبة يقف مع الجيش ويرفض مواقف الحزب وسياسات فضل الله برمة، ولكن مجموعة صديق محمد إسماعيل ومحمد عبدالله الدومة وإسماعيل كتر لن تستطيع الإطاحة بتيار الواثق البرير وأبناء الصادق مريم وصديق حتى لو توافقت مع عبدالرحمن الصادق المهدي ومبارك الفاضل المهدي لأن المال الإماراتي قادر على فعل الكثير، ولكن حزب مثل حزب الأمة كان مرجواً منه الوسطية والاعتدال، فإختار لنفسه الانتحار مع بدو الدعم السريع في دارفور والجزيرة والنيل الأبيض والخرطوم ورمال كردفان..
السبت 12أكتوبر 2024م

Comments are closed.