خبير مصرفي يكتب: البنك المركزي في قلب معركة الكرامة.. يدٌ واحدة تُصفق
رصد: (صحوة نيوز)
منذ بداية هذه الأحداث التي تشهدها البلاد لم نطالع يوماً تعليقاً للخبراء الاقتصاديين ولا الاعلاميين ولا الدكاترة الأكاديميين علي أداء منظومة الدولة الاقتصادية بمكوناتها المختلفة (الوزارات والمؤسسات الاقتصادية).
فالمعلوم أن بنك السودان هو جزء من منظومة اقتصادية متكاملة إن تقاعس منها عضو عن أداء دوره تداعي له سائر الاقتصاد بالعجز والتدهور ، فما بالك بتقاعس أغلب أعضاء هذه المنظومة عن دورهم وأعمالهم .
بل إن عبء هذا كله قد وقع علي البنك المركزي الذي تصدي لحرب الكرامة الاقتصادية موفراً لاحتياجات الحكومة وجيشها من مرتبات القوات النظامية واحتياجات الحرب من التسليح والعتاد الحربي والذخائر إلى المؤن والأغذية للجنود واحتياجات المعسكرات.
فوقف سداً منيعاً وحاجزاً خرصانياً مانعاً انهيار الدولة وموفراً أسباب النصر للقوات المسلحة فالبنك المركزي تحمل اخفاقات الآخرين.
وعمل علي سد الفرقة باتخاذ اجراءات اقتصادية صعبة تؤدي في مجملها الي انفلات في معدلات التضخم ومعدلات عرض النقود هذه الاجراءات وإن بدت في ظاهرها مخالفة للنظرية الاقتصادية فإنها كانت إجراءات ضرورية لمنع انهيار الدولة وهزيمتها في معركة الكرامة ضد هذا التمرد الغاشم.
كما أن البنك المركزي لم يألو جهداً في استخدام أدوات السياسة النقدية لامتصاص الآثار التضخمية لنتائج هذه الاجراءات التوسعية وتحييد أثرها علي انفلات أسعار صرف العملة الوطنية.
فأنشأ محفظة لتمويل السلع الاستراتيجية في محاولة جادة لزيادة عرض النقد الأجنبي لمقابلة احتياجات استيراد السلع الاستراتيجية و لمنع تدهور سعر صرف الجنيه السوداني ومحاربة السوق الموازي وقد نجح البنك في توفير معظم هذه الاحتياجات إن لم يكن كلها.
كما عمل البنك المركزي علي اتخاذ حزمة من الاجراءات لتحييد الطلب علي النقد الاجنبي للاستيراد رابطاً استيراد السلع وجميع الاحتياجات بالاجراءات المصرفية ومنع الاستيراد بدون قيمة لتقليل الطلب علي النقد الأجنبي من السوق الموازي .
اجتهد البنك المركزي في مجال سوق النقد الأجنبي رغماً عن توقف معظم قطاعات الصادرات عن عملها وبالتالي عجزها عن توفير موارد نقد أجنبى تُسهم في تحقيق توازن الميزان التجاري (جانب العرض) .
أما في جانب الصادر وحصائله فقد بذل البنك المركزي جهداً كبيراً لاسترداد حصائل الصادر باذلاً مرونة معقولة تراعي ظروف المصدرين وتحقق استرداد هذه الحصائل فمنح المصدرين مدة زمنية تراوحت بين شهرين وثلاثة أشهر مع استخدام عقوبة الحظر المصرفي للمقصرين بعد فترات السماح .
تحمل البنك المركزي عبء توفير الموارد المحلية لاحتياجات الدولة المتمثلة في الفصل الأول للقوات النظامية كما عمل علي توفير احتياجات الحرب من النقد الاجنبي (التسليح والذخائر والمؤن والعتاد الحربي) يعمل البنك المركزي للوفاء بهذه الالتزامات دون اي عون او سند من اي جهة داخلية او خارجية مما يعكس قدرة قيادة البنك علي ادارة الموارد الشحيحة وحسن وترشيد استخدامها.
أما ملحمة استعادة النظم المصرفية وتسيير أعمال القطاع المصرفي لخدمة جمهور المواطنين ومساعدة القطاع المصرفي علي توفير الحد الأدنى من الخدمات المصرفية.
علاوة علي توفير بعض التمويل لنشاط القطاع الاقتصادي فهذه ملحمة للتاريخ تجلت فيها قدرات العاملين بالقطاع المصرفي والعاملين في ادارات السياسات والرقابة والتنمية المصرفية ببنك السودان فقد قام البنك بدراسة آثار الحرب علي القطاع المصرفي.
واتخذ حزمة من الاجراءات لمعالجة خسائر القطاع المصرفي بسبب السلب والنهب الذي تم لرئاسات وفروع البنوك في المناطق المتاثرة بالحرب فاصدر منشورات التعامل مع العملاء المتعثرين وجدولة مديونياتهم وعمل علي مساعدة المصارف على تجاوز أزمات السيولة تارة بالدعم الفني مروراً بالمساعدات المباشرة لبعض المصارف.
وكجزء من مهامه الأساسية في توفير وحماية العملة الوطنية من التزييف بدأ البنك مشروع طرح طبعة جديدة من فئة الالف جنيه معتمدا علي موارده الذاتية ومستنداً علي خبرات منسوبيه المتراكمة في هذا المجال .
لانقول أن البنك المركزي قد حقق كل المطلوب في ظل ظروف يعلمها القاصي والداني وفي ظل اقتصاد حرب وقفت فيه كل القطاعات عن أداء دورها وشحّت فيه موارد الموازنة العامة للدولة وعجزت عن توفير فصلها الأول وتسيير أعمال وحداتها ولكنه بذل جهداً كانت ثماره بقاء الدولة وقدرتها علي مواجهة تحديات المرحلة.
إنّ ما حققه البنك المركزي وأنجزه هو جهد كبير يستحق الاشادة والثناء ولا يعني هذا عدم النقد ولكن لابد أن يكون النقد هادفاً وبعيداً عن الأغراض الشخصية والسياسية وموضوعياً بحيث يفيد في تقييم وتقويم الأداء ودفعه للأفضل .
كما أن النقد لابد أن يكون شاملاً لكل المنظومة الاقتصادية بوزاراتها المختلفة وليس للبنك وحده، فيد البنك المركزي الواحدة صفقت في تحدٍ واضح لكل الظروف مخالفة للمثل (اليد الواحدة مابتصفق) صفقت يد البنك المركزي وبشرت وستطلق باذن الله زغردوة الفرح بتعافي الاقتصاد لا يهمها تخذيل المخذلين ولا حسد الحاسدين، وسيمضي البنك في أداء دوره خدمة للبلاد والعباد، لا يريد جزاءً ولا شكورا.
خبير مصرفى
١٦ نوفمبر ٢٠٢٤م