عبدالرحمن عبدالله.. شقيش قول لي مروح

413

كتب: معتصم طه
للراحل المقيم الشاعر عبدالله محمد خير نص اثير عندي اسمه التومات يغنيه فنانين هما صديق احمد والراحل المقيم الفنان عبدالرحمن عبدالله.

وفي قصيدة التومات اوجد الشاعر تبريراً جميلاً لبقائهن سويا بعد ان تقدم أحد الخطاب لواحدة منهن، وساق شاعرنا في خط دفاعه مسوغات كثيرة تارة انه يعشقهن ولا يريد ان تذهب إحداهن وتبقي الاخري وثانية بحجة السحر او “العين” خايف العين ما تعوقن
خلهن سوا لا تفرقن
يالله توماتى انا بعشقن
دوره دوره انا بنتاوقن
لحظة مابقدر أفارقن
ليه عيونى الشوق حارقن
والدموع دايرى تغرقن
والدن قال ما يمرقن
خايف النظرات تلحقن.

ودارت عجلة الزمان او مرت الايام كما يقول الرائع عبدالدافع عثمان، ولما حانت لحظة فراق احداهن مر شريط من طفولتهن امامه طويلاً وهن اللاتي كن يسقين الشتل وهو ذاك الشتل الذي يقول فيه “وخضر الشتل المصفح وجاب قلوب لي سيدو فرح”.

ولفائدة القاري فان الشتل المصفح هي عملية تنظيف لصغار النخلة ووضعها داخل اناء سواء حديدي او بلاستكيي وتعهده بالسقيا وبعدها يتم فصله عن الشجرة الام وكانت التومات من يقمن بسقاية ذلك الشتل (ومرة في اللوبي يورقن) اي يقطعن الصفق عن اللوبيا حتي يتمكن من انشاء الثمار.
كان زمان لى شتلو يسقن
ومره فى اللوبى يورقن
ديمه بالقعده ينقنقن
ويحلفن لو ابي ما يصدقن
هن وين تانى بيتلقن
وليه يحفظن الخالقن
يا عيونى انا لا تزهجن
ولى مشاعرى انا لا تزعجن
لى خيوط السعد انسجن.

أمس الجمعة غادرنا صاحب النغم الشجي والذي تغني بمئات النصوص المحفورة في ذاكرة الشعب السوداني لحلاوتها وطلاوتها.

ووفقا لموقع ويكيبيديا فقد انطلق “عبدالرحمن عبدالله” الذي كان يسمى باكراً بـ”ود بارا” من المدينة ذاتها التي حمل اسمها، واتجه نحو الأبيض التي أفردت له شارعها فمشى عليه مطمئناً في درب الإبداع الذي بلغ فيه شأواً.

بعد إجازة صوته انطلق عبدالرحمن عبدالله يؤسس لمشروعه الفني فهو الفنان الوحيد الذي قام بتلحين أكثر من 305 من الأعمال الغنائية دون أن يلجأ إلى ملحن.

قدّم عبدالرحمن عبدالله للمكتبة السودانية أجمل الأغنيات التي صنعت له نجومية كبيرة، وكان آخر ظهور إعلامي للراحل حينما زاره رئيس مجلس السيادة الإنتقالي عبدالفتاح البرهان في منزله في يوليو الماضي.

ظهرت موهبة عبدالرحمن عبدالله الغنائية في مدينة ”بارا“ منذ وقت مبكر، ولفت الانظار اليه وهو يردد اغاني كبار الفنانين، فكانت بداية انطلاقته الحقيقية في دنيا النغم بمدينة الأبيض التي لا تبعد كثيراً عن بارا.

ولأن الابيض معقل الشعراء وجد ضالته في الشاعر عبدالرحمن عوض الكريم الذي اهداه عدد من الاغنيات “ﺯﻳﺪ ﻏﺮﻭﺭﻙ” “ﺑﻨﺤﺒﻚ ﻛﺘﻴﺮ”، فانتبه إليه الناس واعتمدوه فنانا.

جاء صوت عبدالرحمن مختلفاً عن السائد، فهو صاحب حنجرة قوية ريانة بالعشق وضاجة بالحنين، فرض حضوره وصنع نجوميته، قدم شدواً أسر القلوب وملك النفوس، وداعب الأحاسيس وعزف على ألاوتار أجمل سيمفونيات العشق،
ست الفريق اللادن قواما
اللهيحة سكر طاعم كلاما
ياقلبي طير واجلس أماما.

استحق عبدالرحمن بجدارة أن يكون ملكاً متوجاً على عرش البهجة وحارساً لحقول الفن المتفرد، مايميز غناءه هو “إيقاعه الكردفاني” ولحونه الموحية النشطة الشاردة في مدى متعتها.
هي ﺑﺪﻭﺭﻙ ﺗﺴﺄﻟﻲ ﻋﻨﻲ
ﻃﺒﻴﻘﺎً ﻟﻠﻌﺴﻞ ﺩﻓﻖ
ﺧﺪﺍﺭﺍً ﺍﻟﻠﻴﻞ ﺑﻴﺎﺕ ﺻﻔﻖ

حلق عبدالرحمن عبدالله في فضاءات الإبداع والتميز، وتغنى بأغنية “ضابط السجن” ذات اللحن العذب والكلمة الرصينة التي جعلته يتبوأ مكانة كبيرة في الساحة الفنية، بالرغم ان لجنة النصوص وقتها لم تجزها الإ بعد تغيير اسمها “لأجمل حلم” فهي لشاعر الاغنية الكردفانية محمد حامد ادم فكانت من اجمل اغانيه :
صبرك لحظه واحده

ياضابط السجن الزود بنظرة وارجع انسجن

خمسه سنين طويله
مرت ليله ليله
ودمع الشوق الهميله
ورى الدمعه الهميله
تسرح شايله حالى
وتكتب فى مثيله
قصة ورده جفت
من فرق الخميله

حمل الفنان عبدالرحمن عبدالله أمانة التميز والعشق اللامحدود لرسالة الفن وعنفوان الكلمة الممزوج بالاحساس الصادق تجاه الأرض والانسان:

ويا حليلا عروس الرمال

يا بلومي شيل السلام
كردفان الصيد و قويزو
والتبلدى الشامخ بعزو
والشباب النفخر بكنزو
ياحليلا عروس الرمال

ولأن ”بلوم الغرب” تفرد في كل شي وامتاز بصوته العذب وألحانه الشجية التي تطرب الأبدان وتستعذبها الأرواح صار الناطق الرسمي باسم الأفراح، يغني في حفلات الحناء “ساعة ساعة انا بتاوقن ولحظة مابقدر افارقن لي عيوني الشوق حارقن”.

يشدو في صالات المناسبات فتتماوج الدواخل وتتمايل الأجساد على إيقاع “يغني يغني الوجدان.. يفر جنحيهو توبة.. يصفق للزهور نشوان”.

بلوم الغرب فنان بكل ما تحمل الكلمة من معنى، أغنياته كثيرة، وإبداعاته فريدة، صوته عذب طروب، تخرج منه المفردات ناصعة وواضحة، يتميز بانتقاء النصوص الجميلة، فاغنياته تنثر البهجة في النفسْبِيَدٍ تَحُدُّنَا.

رحل بلوم الغرب ليلحق بالعندليب الاسمر زيدان ابراهيم ويلتقي بابن البادية وغيرهم من النجوم الزواهر الذين أثروا حياتنا بجميل منهم وشجوهم وتركونا نردد نص يتأبي علي النسيان اسمه نحن والردي لصلاح احمد ابراهيم:
لَمْ نُبْدِ لِلموْتِ ارْتِعاداً أَوْ فِرَق
ُنَتْرُكُ الدُّنْيَا وَلَنَا إِرْثٌ مِنْ الحِكْمَةِ وَالحُلْم ِ وَحُبَّ الكادِحينَ
.. وَوَلاءٌ حينما يَكذِبُ أهليهِ الأَمين
ْوَلنا في خِدْمَةِ الشَّعْبِ ، عَرَق
ْهكذا نحنُ فَفَاخَرْنا
وقد كان لنا أيضا سؤالٌ وجوابْ .. ونُزوعٌ لِلذي خَلْفَ الحِجاب
بُرْهَةٌ مِنْ سَرْمَدِ الدهرِ أقمْنَا وَمَشَيْنا ، ما عَرفنا بم أو فيم أتينا وانتهينا
ْوخبِرْنا تَفَهَ الدنيا وما مِنْ بَهْرَجٍ فِيها حَقير
عَرَضاً فَانٍ لفانينَ فَمَا نملِكْهُ يفلِت مِنْ بَينِ يَديْنا ، أو ذَهَبْنا دونهُ حين بَقي”.

اللّهٌم استَودعتك مَن بَات فِي قَبره وحِيداً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبدك وَرَسُولِكَ، ربِي اجعَل أعمَاله مٌؤنسةً له. وأجعَله مٌطمئنا بِرضاك وعَفوك وتجاوز عن زلاته إنك غني عن عذابه.

اللهم أرحم روحاً كانت معنا، اللهم بشره بالفردوس الأعلى بجوار نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام اللهم أغفر لروح نُحبها رحلِت وتوّسدت التراب ، اللهُم في كل دقيقـه تمر ‏​على كل ميّت وهو فِي قبره أسألك؛ أن تفتَح ﻟـه باباً تهُبّ منهُ نسائِم الجنهَ، وتؤنس وحدَته وتهوّن عليه وحشة قبرَه وتثبته عند السؤال.

Comments are closed.