غاب العقل عن القوى السياسية؟

0 25

بقلم :: زين العابدين صالح عبد الرحمن

يقول الحكماء عن العقل ( أعمق خطايا العقل الإنساني أن يعتقد شيئا دون أدلة) و يقولون أيضا ( العوائق تقوي العقل كما يقوي العمل الجسم) و ( العقل الواعي هو القادر على احترام الفكرة حتى ولو لم يؤمن بها)

أن أفضل النعم التي منَ الله بها على الإنسان هي نعمة العقل.. و كما قال الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت أن (العقل أعدل قسمة بين الناس) و لكن هل كل الناس قادرين على استخدام العقل؟ أن ثورة ديسمبر 2018م لم تسقط فقط نظام الإنقاذ، و لكنها أيضا كشفت عوار القوى السياسية في عقولها التي عطلتها بإرادتها مجتمعة، جعلها تفشل في إدارة الأزمات بحكمة يكون العقل رائدها.. رفعت شعار عملية التحول الديمقراطي؛ و سعت على تحقيقه بذات الثقافة الشمولية المناهضة لها، والتي كانت قد خلتفتها النظم  الشمولية منذ انقلاب عبود في نوفمبر 1958م مرورا بنظام مايو حتى نظام الإنقاذ، دون أن تحكم العقل لكي تتبين ماهية الفروقات بين الثقافة الشمولية و الديمقراطية، و عدم تبيانها يخلق عقبة كبيرة في مسار الديمقراطية، و معلوم أن معرفة الفروقات تجعلها أكثر وعيا في  تأسيس أدوات لكي تنتج لها الثقافةالسياسية الديمقراطية، لكنها لم تفعل ذلك بل غيبت العقل تماما و جعلت البديل لكل ذلك أن تبحث عن السلطة وفق شعارات لا تكلفها جهدا كبيرا ترهق به عقلها…

الغريب في الأمر: أن القوى السياسية ذهبت تصيغ مع المكون العسكري “وثية دستورية” رغم أن دستور 2005 كان أمامها، و هو دستور شاركت في صياغته كل القوى السياسية، و كان يحتاج لبعض التعديلات، و حتى يصبح مسودة للدستور الدائم لا يطيل أمد الحوار في مؤتمر دستوري، لكنها لم تفكر بمتطلبات العقل لسببين.. الأول القيادات السياسية التي كانت الأعلى صوتا من قبائل اليسار بمختلف مكوناته ” بعثيين و ناصريين و شيوعيين و مرافيدهم” هؤلاء ليس في مرجعياتهم الفكرية أية ثقافة للديمقراطية يمكن أن تساعدهم على تنزيل الشعار على الأرض.. الثاني حالة العداء بينهم و الإسلاميين جعلوا من الثورة أداة لتنفيذ عقوبات يحملونها منذ عام 1965م ” قضية معهد المعلمين” و حل الحل حزب الشيوعي.. حالة الغضب تضيع العقل.. الغريب في الأمر بعد المفاصلة التي حدثت في النظام 1999م و خروج الترابي ثم معاهدة ” نيفاشا 2005″ سمح للمؤتمر الشعبي أن يكون عضوا في قوى الاجماع الوطني التي كان يقودها الحزب الشيوعي.. و عاد الترابي إلي منابر يتحدث فيها الترابي و نقد من أجل الوصول لهدف واحد اسقاط النظام.. لكن الترابي غادر قوى الاجماع بعد خطاب الوثبة 2014م. السبب الثاني حدثت الجفوة مرة أخرى.. الفرق بين تفكير الترابي و قيادة الحزب الشيوعي.. الفارق بين الترابي و الآخرين.. أن الترابي لا يقف عند خيار واحد، بل تتعدد عنده الخيارات، و كان مقتنعا أن القيادات و الشباب الذين معه قادرين أن يحققوا مكاسب في أي خيار يدخله حزبهم.. القوى السياسية الأخرى كانت قياداتها تتخوف من تعدد الخيارات، لأنه سوف يجعل القيادة غير قادرة على التحكم في عضويتها، ربما تتسبب الخيارات المتعددة في انقسامات داخل التنظيم.. الصادق المهدي أيضا كان يرغب الدخول في عدة خياراتلكنه غير واثق من القيادات التي معه، و التي بالفعل ذهبت في طرق مختلفة.. المؤتمر السوداني كانت لدى بعض القيادات ذات الخاصية تعدد الخيارات، عندما أعلنوا دخول انتخابات 2020م بهدف خوض انتخابات يعلمون لن يكسبوها لكن سوف تدفع بحزب إلي المقدمة، و خاصة سوف يجدون تأييد وسط الشارع بهدف منازلة النظام، لكن بعد الثورة أغرتهم السلطة في اعتقاد أن السلطة سوف تجلب لهم التأييد، و السلطة هي صراع مستمر لا تأمن عواقبه..

خرج حزب الأمة و الحزب الشيوعي من التحالف، ثم أحدث الحزب الشيوعي انقساما في تجمع المهنيين، أضعفا التحالف الذي فشلت قيادته الاحتفاظ بعلاقته مع الشارع، رحل الأمام الصادق الأمر الذي خلق حالة من الهوة بين رؤى الصادق و العناصر التي جاءت للقيادة التي ركزت على السلطة دون أية خيارات أخرى، و تركيزها على السلطة جعلها تتماهى مع القوى السياسية الأخرى كحليف تغلق بعده أبواب المشاركة، و نسيت هذه القوى السياسية أن الرهان على المصالح ذات البعد الواحد ” لا خيار غير السلطة” سوف يجعلها أمام تحدى مع كل المكونات الأخرى إذا كانوا عساكر أو مدنيين.. أولا لم يفكروا أن هذا الصراع سوف يضعفهم في تحدي مع القوى السياسية الأخرى، و أيضا العسكر.. و ثانيا ليس عندهم أية تأييد شعبي يخلق لهم توازن القوى مع الآخرين.. و عندما بدأ يظهر للعيان ضعفهم، كان تغيير 25 أكتوبر 2021م الذي أطاح بحكومة حمدوك و الذين معه.. و لم يجدوا من يدافع عنهم.. بل عندما خرج الشارع كان ضدهم ” بيكم بيكم قحاته باعوا الدم” لذلك لم يترددوا مطلقا عندما طلبت منهم مساعدة وزير الخارجية الأمريكية ” مولي في” أن يجلسوا مع العسكر في بيت السفير.. دخلوا الاجتماع و لم تكن لديهم أية رؤية غير أنهم يريدون الرجوع للسلطة فقط، و كان العسكر يصرون على توسيع قاعدة المشاركة، رجعوا للعسكر برغبتهم و عندما فشل انقلاب الميليشيا بدأوا يعيبون على الذين وقفوا مع الجيش موقفهم..

أن القوى السياسية حقيقة لم تستفيد من تجارب الماضي، و لم تتعامل مع القضية وفقا لمتطلبات الواقع.. و كان الرغائب الخاصة عند القيادات في تحالف ” قحت” لا تجعلها تفكر ابعد من موطئ قدمها، لذلك تبريرها في الفشل اسقطته كله على ” الفلول و الكيزان” و هنا يكون السؤال إذا القوى السياسية كانت تعرف أن ” الفلول و الكيزان” أفضل منها في إدارة الصراع و قادرة على التحدي لماذا هي لم تفكر كيف تخوض التحدي الذي يضمن أولا عملية التحول الديمقراطي للشعار الذي رفعته و عجزت أن تخطو فيه خطوة واحدة.. و الثاني أن القوى السياسية على إطلاقها تحتاج إلي إعادة قراءة للواقع السياسي السوداني، و كيف تستطيع أن ترسم ملامح السودان بعد الحرب.. أي؛ كيفية عودة العقل لمسار التفكير.. لآن التغيير لا يتم إلا بضخ الأفكار.. نسأل الله حسن البصيرة..

Leave A Reply

لن يظهر بريدك الإلكتروني عند نشر التعليق

شكرا للتعليق