الزين صالح يكتب: الجماهير ترقص على أنغام الوطن
بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
المنهجية دائماً تدفع الباحثين أن يجاوبوا على الأسئلة التي تطرح من قبل الظاهرة السياسية، ومحاولة لفهم انعكاسات الظاهرة على المجتمع، وعلى المسرح السياسي، ومستقبلها مقارنة بتاريخيتها، خاصة إذا فرضت الظاهرة على الشعب أن يتدخل مرتين لكي يقدم رؤيته.
وتدخل الشعب إذا حاولنا مقارنته بظاهرة ثورات الربيع العربي وإرتداداتها، نجد أن الشعب السوداني ظل متمسكاً برؤيته حول ديمقراطية الدولة، ومدافعاً عنها، بل أن الشعب ظل هو المتحكم في ميزان القوى في المجتمع.
بعد سقوط النظام كان الشعب قد طرح شعاره “حرية سلام وعدالة”، وكان يعتقد أن ثلاثين عاماً عجافاً كانت كافية أن يتعلم السياسيون أن طريق الديمقراطية هو الطريق الأفضل، ويجب عليهم أن يشرعوا مباشرة في تشييد المؤسسات التي تعزز منها في المجتمع، وتخرج الأحزاب في ثوب سياسي قشيب تتفاعل مع الجماهير، وتدفعها دائما للمشاركة لكي توسع قاعدة الشباب في العمل السياسي، لكن الأحزاب لم تعي الدرس وأهملت تكوين المؤسسات الديمقراطية حتى لا تكون حجر عثرة أمام الرغبات الخاصة والحزبية.
لذلك خرج الشعب للمرة الثانية ليقول الكلمة الفصل “الدولة المدنية الديمقراطية” ملحقاً بها بشعاره الأول، لآن الدولة الديمقراطية تبني على “حرية – سلام – عدالة” الشعب لم ينتصر لفصيل ضد الأخر، بل أنتصر للوطن، وعزز من قيمة الوطن، هل القوى السياسية جمعيها والعسكريين وغيرهم في الساحة قد فهموا الدرس أم مايزالون يتكالبون على السلطة كما تتكالب الأكلة على قصعتها..!؟
خرجت الجماهير يوم 21 أكتوبر، لكي تصحح الأخطاء، لا لكي تنتصر لجانب على الأخر، بل لكي ترد الجميع لجادة الطريق، وأنها السلطة العليا في الساحة السياسية، وتؤكد أنها متمسكة بالدولة المدنية الديمقراطية.
المتابع لكل الحراك الذي جرى في البلاد، يجد أن الشعار المتفق عليه من قبل الجميع هو شعار “الدولة المدنية الديمقراطية” وهذه الدولة المعرفة بمدنيتها وديمقراطيتها تتطلب التعامل معها بشروط الديمقراطية، ليس بشروط تكتلات وتحالفات وعسكرية، أنما بالوضوح والشفافية واحترام القوانين والتعامل من خلال المؤسسية وغيرها.
إن الشعار أصبح هو المعتمد من قبل الجماهير، ولا جدال ولا تفاوض ولا مساومة حوله، أما الشعارات الباقية هي شعارات محمولة على حوامل حزبية وتكتلات سياسية، هي شعارات لا تخدم عملية التحول الديمقراطي في البلاد، أنما كل يناجي ليلاه.
أن الديمقراطية لا تقبل فرض الأراء بالقوة ،أو بالقسر، أنما بالحوار الجاد ومطلوب من كل تحالف أو تجمع أو تكتل أن يقدم رؤيته بشكل واضح للشعب السوداني أنطلاقا من شعار “الدولة المدنية الديمقراطية”، رؤيته في عملية إنجاح مهام الفترة الانتقالية المطالب فيها أن تحضر البيئة الصالحة لإجراء انتخابات نزيهة يختار فيها الشعب الذين يمثلونه.
كما أن الديمقراطية تطالب الجميع أحترام الوثائق والاتفاقات بينهم، لا تكسيرها والنكوص عنها، من إيجابيات هذه الأزمة، أنها أظهرت أن الشعب يقظ على ثورته ولا يجامل في مشروعها الديمقراطي، وأيضا من إيجابياتها أن الكل أصبح يتحدث عن الديمقراطية باعتبارها خيار الشعب.
قبل الأزمة التي جاءت بعد عملية “الانقلاب العسكري” كانت العلاقة سمنه على عسل بين العسكريين وقحت، وقد اسقطت هذه العلاقة تماماً من خطابها السياسي مصطلح “التحول الديمقراطي” الكل كان مفتون بالسلطة، وراغبا في تمديدها لعشرة سنوات وما فوق، وظلت السلطة هي محور الصراع بين الفرقاء، وبات الشعب يتضور جوعا وانعدام للخدمات، وأهمل تكوين المؤسسات التي تعزز من الديمقراطية والعدالة والتحضير للانتخابات والإحصاء.
السؤال لماذا القوى السياسية القابضة علي السلطة نسيت أنها في فترة انتقالية لها أهداف محددة منصوص عليها في الوثيقة الدستورية ويجب عليها أن تشرع في تشكيل مؤسسات الديمقراطية؟.
لكن دائما: أن صراع السلطة يقود للمصادمة، وكانت خيرا على الوطن، وخسر فيها أصحاب المصالح الخاصة والحزبية، حيث الكل استيقظ علي هدير الشارع أنه مراقب الوضع السياسي بيقظة تامة، الإيجابية أن الكل الآن يتحدث عن المدنية والديمقراطية وتشكيل المؤسسات العدلية والتشريعية والمفوضيات وغيرها من البناءات التي تسير بالوطن على طريق الديمقراطية بعد ما تم نسيانها، خسر كل الذين ساروا في طريق غير طريق الوطن. الكاسب من هذه المعركة وحده الشعب والوطن.
السؤال هل استوعبت كل النخب السياسية بكل تياراتها الفكرية الدرس أم أنهم يمدون في طغيانهم يعمهون؟ نسأل الله حسن البصيرة.
Comments are closed.