هل مصطلح المدنية غطاء لفشل سياسي ؟

0 58

إن مصطلح ” القوى المدنية” الذي يحاول البعض احتكاره في مواجهة الآخرين يبين حالة الفقر الثقافي السياسي وسط النخبة السياسية.

والبحث عن المصطلح لا تجده في قواميس السياسة وحتى لا يستخدم في الفكر السياسي.

إلا في عقود قريبة في محاولة للتفريق بين أنظمة الحكم التي تأتي عبر انقلابات عسكرية و أخرى عبر انتخابات حرة.

وتقول “ويكييبيديا” عن المصطلح في بعديه “الدولة المدنية القوى المدنية” الآتي:

(الدولة المدنية هي مصطلح غير علمي لا وجود له في القواميس السياسية، يُستخدم مصطلح الدولة المدنية كبديل لمصطلح الدولة العلمانية في السياق العربي.

وكنقيض للدولة الدينية بسبب السمعة السيئة المشوهة للعلمانية في العالم العربي).

ظهور المصطلح في أمريكا

وكان قد ظهر المصطلح في أمريكا عندما تأسست حركة الأمريكيين الأفارقة للحقوق المدنية (1896-1954) والتي قادت حركة نضال السود من أجل الديمقراطية والعدالة.

وبالفعل قد أدت إلى تحقيق الحقوق المدنية الكاملة والمساواة أمام القانون لكل الأمريكيين.

 والحقوق الأخرى مثل “أحترام حقوق الإنسان والأقليات والتنقل والهجرة وغيرها قد ظهرت على صحف وكتابات التيار الليبرالي.

الذي أسسه اليهود في عشرينيات القرن الماضي، كان الهدف منه هو حماية حقوقهم باعتبارهم يمثلون أقليات في المجتمعات الأوروبية وأيضا أمريكا.

نجد في أوروبا أن التطور الاجتماعي أخذ منحى أخر.. باعتبار أن المجتمع أوروبي في عهده الكنسى أو بعد الثورة الصناعية كان يتكون على شكل هرمي. 

حيث كان رجال الدين والنبلاء والعامة.. وبعد الثورة التي حدثت داخل الكنيسة، والتي قادها مارتن لوثر فتحت الباب لظهور الثورة الصناعية.

وقد أدت إلي تغير في التراتبية سلطة رأس المال والطبقة الوسطى والعامة.

فالطبقة الوسطى هي التي قادت عملية الوعي السياسي الجديدة “الديمقراطي” هي التي نادت بالعقد الاجتماعي وسلطة القانون.

والتبادل السلمي للسلطة عبر الانتخابات العامة بمواقيت محددة.. فالجيش في أوروبا لم يكن جزءا في المعادلة السياسية.

مصطلح المدنية

إن مصطلح المدنية ظهر في السودان من خلال دعوات الحزب الشيوعي للعصيان والاضراب المدني في عقدي الخمسينيات وستينيات القرن الماضي.

وكانت الدعوة موجهة للقوى العاملة والخدمة المدنية، وهي مستلفة من حركة السود في أمريكا للحقوق المدنية.

وأخذت بعدها السياسي بعد مؤتمر نيروبي 1963م الذي عقدته قوى “التجمع الوطني الديمقراطي”.

الهدف منه كان الوصول لصيغة مشتركة تبعد الناس من العلمانية والثيوقراطية.

فكان الوصول “الدولة المدنية الديمقراطية”.. وتبني ما جاء في صحيفة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

وكتب عنها محمد إبراهيم نقد السكرتير الشاب للحزب الشيوعي لكي يتبناها الحزب كحل وسط..

لكن الحزب في عهد محمد مختار الخطيب تراجع عنها ورجع إلى الدعوة للعلمانية عندما وقع وثيقة مع الحركة الشعبية في سبتمبر 2020م..

بعد استلم المكون العسكري السلطة في أكتوبر 2021م بدأ المصطلح يأخذ بعد التفريق بين العسكريين والقوى الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني.

وهي محاولة لإرجاع الحكومة للسلطة، ولكن ظل الصراع بين المكون العسكري والأحزاب الممثلة في ” قحت المركزي”.

ولكن بعد الحرب التي جاءت نتيجة انقلاب الميليشيا واتباعها في 15 إبريل 2023م.

ظلت القوى السياسية تعرف الصراع بينها وبين المكون العسكري، ولكن الحرب قد غيرت المعادلة السياسية مرة أخرى.

فالشارع الذي كان يقف ضد المكون العسكري ويهتف ضده، تحول إلى مؤيد له، بل استجاب إلى لدعوة الاستنفار التي كان القائد العام للجيش دعا إليها. 

مصطلح القوى المدنية

عندما خسرت “قحت المركزي” مكانتها في الشارع، جاءت بالفكرة الأمريكية “تقدم” من خلال البيان السياسي الذي يحمل مصطلح القوى المدنية“.

والذي وقعه كل من “نورالدين ساتي والباقر العفيف وعبدالرحمن الأمين وبكري الجاك”.

وكان الهدف منه هو تغيير القيادات التي خسرت أمام الشارع، وتم تنصيب عبدالله حمدوك بديلا عنهم.

بعد تأسيس “تقدم” بدأت محاولات الداعمين لها أحتكار المصطلح، وأستخدامه للتفريق بينهم والقوى السياسية الأخرى.

أو أية قوى مخالفه لرؤيتهم يحاولون تجريدها من المدنية.. وهي نفس استخدام الفزاعة التي فقدت سطوتها “الكيزان والفلول”.

التي أيضا تستخدم ضد الرأي المخالف بهدف اسكاته.. وهي ظاهرة جديدة في السياسة السودانية تضاف لحالة العداء الأيديولوجي.

التي بدأت منذ عام 1965م بين الإسلاميين والشيوعيين ثم العداء بين الإسلاميين والجمهوريين.

التي بدأت في ستينات القرن الماضي ثم تعمقت في 1983م بعد إعدام محمود محمد طه.

وظلت السياسة تأخذ هذا المنحى العدائي.. واستلفته الأحزاب الجديدة التي تأسست في عهد الإنقاذ.

الغريب أيضا.. أصبحت هناك فئة في الشارع السياسي تنعت كل الذين تختلف معهم بأنهم يقفون ضد القوى المدنية.

كأن المدنية ماركة مسجلة على الفئة القليلة التي أصبحت طواعية داعمة للميليشيا، والأجندة الخارجية التي تديرها دولة الأمارات.

هي مشكلة تبين حالة التدهور التي حدثت في الأحزاب السياسية، وبدلا من استخدام العقول في البحث عن الحلول والمبادرات.

التي تخلق حوارا جادا بين كل مكونات المجتمع، أصبح استخدامها فقط للتخويف وأن يخرسوا اصوات الضد.

نسأل الله حسن البصيرة..

*بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن

 

أقلام: صحوة نيوز

انضم لقروبنا في الواتساب

صفحتنا على الفيسبوك

Leave A Reply

لن يظهر بريدك الإلكتروني عند نشر التعليق

شكرا للتعليق