آدم تبن يكتب «حكاية من حلتنا»: المسامح كريم

261

أجمل مافى بلادنا أن أهلها متسامحون إلى حد بعيد حتى يخال إليك إنهم من طينة فريدة حباهم الله بزرع الفرح والابتسامة على من يعرفون ومن لايعرفون، لاتنسيهم الدنيا فى زحمة مشاغلها أن يبتسموا فى وجهك حتى وإن كنت لا تعرفهم ولايعرفوك كلمة طيبة منك وأخرى منه تتبدل بعدها المواقف وتصبح العلاقة ممتدة كأنها مستمرة لسنوات طويلة لا ينظرون إلى شىء سوى إنك إنسان سودانى تستحق أن تأخذ حقك من المعرفة والتعارف وتمتين العلاقات.

فكم من علاقة عابرة تولدت بعدها علاقات إجتماعية وإقتصادية وتجارية رسخت جذورها وتقوت صلاتها وامتدت إلى آخرين فكثيرا مايتداول الناس هنا فى بلادنا أن “السودان ضيق” بمعنى إنك تبنى معارف وعلاقات مع شخص أو منطقة فتجد أنك ليس الأول وهناك من سبقوك لهذا الشخص أو المكان وبنوا علاقات متينة وراسخة تتجدد كل فترة من الفترات.

والمسامح كريم، عبارة من لطفها وعبقريتها حتى أصحاب السيارات درجوا على كتابتها فى خلفيات سياراتهم فكم من الحوادث المرورية والمشاكل حلت بكلمة “المسامح كريم”، والمسامحة والعفو شيمة إلاقوياء ومن ينتظرون الجزاء الاوفى من الله سبحانه وتعالى الذى يقول فى محكم التنزيل بسم الله الرحمن الرحيم (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لايحب الظالمين) آيه 40 الشورى.

يالها من قيمة جميلة وسمحة المعانى والاجور فكيف بك والله يخاطبك بأنك ستجد أجرك عنده بعد هذا العفو والمسامحة الكريمة لوجه الله تعالى، فعشرات القضايا التى ذهب أهلها للمحاكم يطالبون بالعدل ورد الحقوق كانت خاتمتها عفواً ومسامحة من الشاكى أو المتضرر لمن ظلمه أو تسبب فى ضرره، لكنها هى النفوس الطيبة التى جبلت على حب الخير للآخرين حتى وإن كانت مظلومة أو متضررة.

ومن عجائب القضاء فى بلادنا أن الشاكى والمشكو وهما يقفان أمام القاضى ليحكم بينهم تجده ينصحهم بأن أخرجا إلى خارج قاعة المحكمة وتفاكرا فى حل يرضيكما قبل أن أحكم فى قضيتكم فتجدهما لا يرفضان للقاضى طلبه هذا فيخرجان إلى الخارج ويجتمعا مع ذويهما لمناقشة الشكوى خارج المحكمة فإذا بهما يقتنعان بالحل الذى ذهب إليه الطرفين ويدخلا مرة أخرى للقاضى يعلنان عن شطب القضية والعفو والعافية ويخرجان من المحكمة وكأن شيئاً لم يكن بينهما تنتهى كل الآثار السالبة للقضية وتتغير نفوسهما وتسرى على قلبيهما الإلفة والمودة والسماحة وشكر الله على نعمة العفو والسماح فيالروعة هذا المشهد الملئ بالمقدرة على تجاوز كل المرارات والكره وعثرات الشيطان ونزغه الذى نشره بين المتخاصمين وبذر بذور الفرقة ذات المذاق المر.

ومن جميل المسامحة وطيبة النفوس أن هناك العديد من الحكايات التى شقت طريقها للمحاكم لكن المتخاصمين يذهبا سويا إلى المحكمة حتى أن المشكو يحمل الشاكى معه فى سيارته أو دابته فى بعضها ليصلا إلى المحكمة سويا ومن ثم يقف كل طرف مدافعا عن قضيته بحججه وبراهينه وشهوده إلى أن تنتهى المحكمة فى الغالب الأعم بالصلح الأهلى الذى يعالج المشكلة بطريقة ترضى الطرفين يصاحبها العفو بينهما فيعودا إلى منطقتهما وكأن شيئاً لم يكن بينهما فختامه مسك وما أجمل الصلح والعفو والمسامحة بين المتخاصمين حتى وإن كان المشكو ضده يستحق أن يحاكم بأشد العقوبات.

Comments are closed.