الزين صالح يكتب: خالد عمر والقول بنصف الحقيقة

199

بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
استمعت للندوة التي أقامها حزب المؤتمر السوداني بعنوان “قضايا الثورة والانتقال الديمقراطي” وتحدث فيها خالد عمر القيادي بالمكتب السياسي بالمؤتمر السوداني، ركز خالد في حديثه على قضيتين أساسيتين، الأولي كيفية إعادة الحكم المدني من خلال وحدة قوى الثورة، أن إعادة الحكم المدني مرتبط بالصراع على السلطة، ويحكمها قانون المصلحة، وهي القضية محور الأزمة السياسية في البلاد. والثاني كيف يتم الانتقال الديمقراطي، وهي القضية المرتبطة بالمناورة والتكتيك أكثر من إرتباطها بالمباديء، وتدل على ذلك الفترة الانتقالية منذ سقوط النظام في 11 إبريل 2019م ، لآن الغائب فيها هو مشروع الانتقال عند كل القوى السياسية، إذا كان ذلك في قوى الحرية والتغيير الذي حكم، أو الذين انسحبوا في مراحل مختلفة، لذلك نجد أن خالد عمر قد ركز حديثه فيها بنسبة 75% ، الأمر الذي يؤكد أن قضية الانتقال الديمقراطية ماتزال في دائرة المناورة لأنه لم يقدم عنها رؤية تتجاوز الفترة السابقة المتعلقة بأذهان الناس من أخطاء، وفشلت القوى السياسية في تلك الفترة الشروع في تأسيس وتشكيل المفوضيات والمؤسسات التي تدعم عملية التحول الديمقراطي. فكانت مهمومة بتوزيع الحقائب الدستورية في المركز والولايات.

دافع خالد عمر في حديثه عن الوثيقة الدستورية، وقال أن العسكر انقلبوا على الوثيقة لأنهم يريدون أن يحكموا، هذا صحيح لا يجادل اثنان؛ أن للعسكر رغبة في الاستمرار في الحكم، وأيضا القوى السياسية التي انقلبوا عليها كانت راغبة في الاستمرار في الحكم، ودون تحديد زمني للفترة الانتقالية، بل وافقت على الاستمرار في السلطة دون أن تكون مهمومة بتشكيل المجلس التشريعي، والذي يقع عليه رقابة السلطة التنفيذية في المجلسين، وقبلت بتكوين مجلس الشركاء بمثابة “مجلس جودية لحل المشاكل في المجلسين” وهي تعلم تماما أن تشكيل المجلس التشريعي سوف ينهي مسألة ” الحاضنة السياسية” باعتبار أن الصراع السياسي جله سوف يتحول إلي ساحة المجلس التشريعي، ونسيت الأحزاب ونسي خالد عمر أن السلطة صراع مستمر لأنه مرتبط مباشرة بالمصالح “الشخصية والحزبية والعسكرية” ومادامت السلطة صراعا سوف تستخدم فيه كل الأدوات وحتى ” Dirty games ” والصراع الذي يدخل فيه العسكر بالضرورة يقود إلي انقلاب. وكان الخطأ القاتل ” ق ح ت المركزي” أنها رمت قضية التحول الديمقراطي وراء ظهرها وتفرغت للصراع على السلطة، إذا كان في الساحة بين المدنيين أنفسهم أو المدنيين والعسكرييين، وهذا الذي أشار إليه رئيس الوزراء حمدوك في تشخيصه للأزمة السياسية.

أن عملية الانتقال الديمقراطي في أي دولة خرجت من حكم شمولي استمر طويلا، لابد أن تفكر بعقلانية خارج الحسابات العاطفية، ومن أًصعب مراحل الحكم هي عملية الانتقال الديمقراطية، لأنها تسير عكس تيار الثقافة السياسية الشمولي الذي خلفته النظم غير الديمقراطية، ومخلفات الثقافة الشمولية تلعب دورا كبيرا في إعاقة عملية الانتقال، لذلك تتجه القوى السياسية الداعمة للانتقال الديمقراطي إلي إنتاج ثقافة ديمقراطية بديلة للثقافية السائدة، وهذه لا تتأتى إلا من خلال الممارسة التي كان يجب استيعاب قطاع واسع في المشاركة السياسية، كما أن الانتقال الديمقراطي يؤسس على الجراح والمظالم التي خلفت من جراء ممارسات انتهاكات حقوق الإنسان. فإذا كانت القوى السياسية ركزت بالفعل على عملية الانتقال الديمقراطي كانت سوف تواجه تحديات كثيرة جدا، وأسئلة يجب أن تجاوب عليها بشفافية. فالذي يريد الانتقال الديمقراطي لابد أن ينطلق من قاعدة فكرية تساعده على الانتقال، ومن شعارات تعبر عن ذلك بوضوح، فالقوى السياسية كان تركيزها على السلطة وتريد أن تحافظ عليها أطول فترة ممكنة، لذلك كانت تضجر حتى من النقد، وكانت قيادات من الأحزاب الحاكمة تقول ذلك في المنابر واللقاءات التلفزيونية والصحفية، أن الذين ينتقدون السلطة هؤلاء يدعمون القوى المضادة.

أن خالد عمر لم يركز على عملية الانتقال الديمقراطي في حديثه بالقدر المطلوب، ولم يقدم تصورا للعملية، وهو يعلم إنها ليست بالعملية السهلة، الأمر الذي يؤكد أن العقل السياسي مايزال محصورا على قضية السلطة، وكيف الرجوع لها من خلال مساومة جديدة. أن لجان مقاومة الخرطوم قدموا تصورا لحكم الفترة الانتقالية “وثيقة سلطة الشعب” وعملية الانتقال الديمقراطي، قد سبقوا بها الأحزاب في ذلك. رغم الخلاف مع العديد من بنودها التي تتعارض مع عملية التحول الديمقراطي،، ولكن يظل جهد مقدر ويحترم، ونذكرهم أن الديمقراطية لا تؤسس إلا عبر الحوار والتفاوض، أي وسيلة غير ذلك تصب في مجرى معاكس للديمقراطية.

أن أغلبية القوى السياسية في ظل الصراع الأيديولوجي الذي يطغى علي العملية السياسية، يجعلها تتخوف من الإجابة على الأسئلة المهمة. والعقل السياسي الذي يسعى للتغيير مطالب أن يفتح كل الجراحات لكي يطهرها، ويجاوب على الأسئلة بشكل واضح دون أي مواربة. واستيقاظ العقل الفكري ممكن، والدلالة الوثائق المتعددة التي قدمها شباب الثورة، فهي تعد نقلة كبيرة في الساحة السياسية، هؤلاء الشباب استطاعوا أن ينتقلوا من رفع الشعارات في المسيرات إلي تقديم برامج سياسية ممثلة ” الوثائق” وأكدوا من خلالها أنهم قادرين على تحريك الساكن في الفكر.

هل تعتقد القوى السياسية أن الانقلابيين سوف يسلموا السلطة دون الدخول في تفاوض يجيب على أسئلتهم؟ ما هي الخيارات المطروح إذا رفضوا أن يسلموا السلطة إلا عبر مساومة سياسية جديدة؟ ما هو الموقف من القوى السياسية الأخرى غير المؤتمر الوطني؟ هل يتم إقصائها وعدم مشاركتها في كل المراحل؟ وهل تضمن القوى السياسية أن لا تشكل لها تلك القوى كوابح لعملية الانتقال إذا تم إقصائها؟ ما هي المعايير التي سوف يتم تطبيقها في المشاركة؟ هل “ق ح ت المركزي” تريد أن تكون هناك حاضنة سياسية مرة أخرى، وهي التي يقع عيها عبء اختيار رئيس الوزراء والوزراء وهي التي تحدد مسار الفترة الانتقالية؟ أم المجلس التشريعي هو الذي يجب أن يقود العملية السياسية؟ ومن هي الجهة التي تختار ممثلي المفوضيات والمؤسسات الأخرى الداعمة لعملية التحول الديمقراطي؟

هذه الأسئلة التي يجب أن تجيب عليها القوى السياسية مجتمعة، لآن تقديم المشاريع مكتوبة والإجابة على الأسئلة الحرجة، هو الذي يفتح منافذ الحوار بين القوى السياسية ويقرب بين المسافات، فالعقل السياسي يحتاج لعصف ذهني يتجاوز به ما هو مطروح في الصندوق حتى يدخل في القضايا الحيوية وتقديم حلول. لكن الوقوف عند الشعارات تعني “الكسل السياسي” الذي لا يريد الشغل الفكري الذي يقدم حلولا. أن حديث القيادي السياسي خالد عمر مع كل الاحترام يقدم وصفا للذي حصل ومايزال في عتبة المنادة لوحدة القوى الثورية دون أن يقدم مشروعا سياسيا للوحدة والفترة الانتقالية، والانتقال الديمقراطية. لكن خالد عمر يعتبر واحد من القيادات الجريئة التي تقدم قناعتها بوضوح، الأمر الذي يجعل الشخص يتحاور مع ما يقدمه. نسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.