حكاية من حلتنا يكتبها آدم تبن: طقس السودان.. الصيف نموذجاً

222

فى بلادنا السودان تنحصر فصول السنة فى ثلاثة فصول صيفا وشتاءا وخريفا ولكل واحد منها ميزاته التى تميزه على البقية فالصيف يتميز بسخونة الأجواء والشتاء يتميز بالبرودة الشديدة، أما الخريف فتميزة الأمطار الغزيرة، ومابين سخونة الأجواء وبرودتها وغزارة الأمطار، يعيش الناس حياتهم اليومية يتأقلمون مع هذه الطبيعة التى تميز مناخ السودان، فعندما يدخل عليهم فصل الصيف الحار يلجأون إلى ظلال الأشجار و(الراوكيب) وهى تتخذ عند أهل الأرياف مكانا للراحة والاستجمام وتبنى بالمواد المحلية(القش والحطب والنسع) بجانب الشواطئ النيلية لللذين يسكنون جوار الأنهار والبحيرات وديل هم أهل الريف والبوادى ولا يتضايقون من سخانة الصيف وحره الشديدة فهم جبلوا على طولة البال ومد حبال الصبر والتكيف مع طبيعة الأجواء مهما قست عليهم وأعملت فيهم شدتها فالإنسان إبن بيئتة، ويالها من شدة وقساوة لا يعرفها إلا من جرب العيش فيها وشهد ما تفعله بأهلها، فالناس هناك يقولون لك أسأل مجرب ولا تسأل طبيب، فالمجرب له من الخبرات والتجارب العملية مالا يدركه الطبيب.

وللصيف فى بلادى حكايات منها الجميل ومنها غير ذلك، ولك أن تتخيل أن الصيف لم يأت فى عام من الأعوام وتقاسم الشتاء والخريف شهوره فهل نستطيع أن نصبر على برد الشتاء ستة أشهر وغزارة الأمطار ستة أشهر؟ ومهن كثيرة إرتبطت بفصل الصيف فإن لم يأت فصل الصيف فكيف يصنع أهلها فى غيابه؟ وعموما يمر الصيف على أهل الأرياف والبوادى وهمهم الأول أن تتوفر لهم مياه الشرب الصالحة لهم ولسعيتهم و(السعية) وردت كثيرا فى حكاية من حلتنا لكن لابأس أن نعرفها مرة أخرى للقارئ فهى أى السعية الثروة الحيوانية مثل الابل والابقار والأغنام (الماعز والضأن) فهى تستهلك الماء بكميات كبيرة تعجز مرات كثيرة الآبار والدوانكى والحفائر من سقيا السعية لكثرتها وقلة الماء فهنا يتملك الرعاة وأصحاب السعية الخوف من هلاكها فيتحركون بها مورد ماء الى آخر أملأ فى الحصول على كميات المياه التى تروى ظمؤها وتجعلها على قيد الحياة.

وعلى ذكر أيام فصل الشتاء وحاجة الإنسان والحيوان لمياه الشرب التى تمنحهم القوة والنشاط لمواصلة رحلتهم فى الحياة، وتستوقفنى عبارة ذات معنى كبير تتردد فى أفواه أهل الريف والبوادى فهم يقولون لك (راجى الرى) والرى لمن لايعرفه هم مجموعة من أفراد المنطقة أو القرية أو الفريق يخرجون راكبين على ظهور دوابهم أبل أو حمير ويحملون عليها الاوانى المستخدمة فى جلب مياه الشرب مثل الجركانات البلاستيكية أو القرب المصنوعة من الجلود، وينطلقون فى رحلة طويلة لإحضار الماء لأسرهم التى تنظرهم بفارق الصبر حتى يعودون من موارد المياه البعيدة عن مناطقهم، لذا تظل العبارة (راجى الرى) حية ومتوارثة فى ظل عدم وفرة مياه الشرب أو قلتها رغما عن حاجة الناس إليها لأن حياتهم اليومية تعتمد عليها إعتمادا كليا، وعندما يأتى أهل الرى بمائهم العذب تدب الحياة من جديد فى الناس وحيواناتهم الأليفة مثل الماعز والجداد فتسمع لأصواتهم صدا بعيدا يلتقطه الناس من حولهم، وتصلهم الرسالة بأن (الرى جاء) وما أجمل أن يعود أهل الرى ودوابهم تحمل على ظهورها الماء الذى يتشارك فيه الجميع وتعم الفرحة كل البيوت.

Comments are closed.