الزين صالح يكتب: أقوال من الغرف المغلقة لدائرة الضوء

509

بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
تشكل الحرية حجر الزاوية في الديمقراطية، وأن يقول الناس بوضوح ودون أية مواربة آرائهم في القضايا المطروحة، بإعتبار أن الوضوح وطرح الآراء بقوة هي التي تقود إلي الحوار الذي يؤدي إلي التوافق الوطني. ومعلوم أن الديمقراطية تؤسس على صراع الأفكار والبرامج ولكن عبر قوانين وثقافة ومواعين معروفة، يجب أن يحترمها الجميع، وليست هناك آراء تمثل أفضلية على أخرى، إلا عبر صناديق الاقتراع التي تختار فيها الجماهير البرنامج الذي يحقق مصالحها. ولضعف الثقافة الديمقراطية في البلاد لطول النظم الشمولية التي حكمت بعد الاستقلال يحصل عدم فهم لبعض المصطلحات السياسية حيث تحاول بعض القوى السياسية أن توظفها لمصلحتها دون أن توضح مقصد المصطلح. وأيضا هناك بعض القوى تحاول أن تخلق فزاعات تحاول من خلالها أن تمنع قطاع عريض أن يقولوا آرائهم بقوة. والديمقراطية مهما كانت الفزاعات ومحاصرت الأراء إلا أن لها القدرة على تمزيق كل الألبسة الضيقة. والصراع الدائر بين القوى المدنية من أجل السلطة هو الذي يطول من عمر الانقلاب، ومادام الكل باحث عن السلطة دون تفويض شعبي ستظل الأزمة مستمر وسيظل الانقلاب باق.

هذا المقال سوف يتناول ثلاثة قضايا تتعلق بالأحزاب السياسية التقليدية “الحركة الاتحادية وحزب الأمة القومي والحزب الشيوعي” والدور المطلوب منها في هذه الفترة التاريخية التي تشكل منعطفا خطيرا للبلاد، وسوف يتناول الحركة الإسلامية في مقال منفصل. والمقال محاولة للخروج بالقضايا من الغرف المغلقة إلي دائرة الضوء، خاصة أن الأزمة السياسية في البلاد تحتاج للوضوح وليس الغموض الذي يريده البعض لتمرير أجندة حزبية خاصة تتعارض تماما مع الأجندة الوطنية و شعارات الثورة الداعية للدولة المدنية الديمقراطية.

كتب القطب القيادي الاتحادي المهندس محمد فائق يوسف مقالا في جريدة سودانيل بعنوان “إلي الحزب الشيوعي وإبراهيم الشيخ وآخرين من كان منكم بلا مشاركة فليرميها “المقال ينقد آراء بعض الأحزاب في رفضها مشاركة الأحزاب التي شاركت الإنقاذ في الحكم حتى سقوطها، وتحدث المقال عن تاريخ الانقلابات في السودان، والأحزاب التي كانت وراءه، وأيضا الأحزاب التي شاركت في المؤسسات الدستورية للنظم الشمولية التي مرت على السودان. ثم أنتقل للحديث عن دور الحزب الاتحادي في الحراك السياسي، وأكد أن أي غياب للحزب قسرا سوف يشكل أخفاقا للمسيرة السياسية في البلاد.

مقال المهندس فائق يعتبر أول مقال يصدر من قيادي في الحزب الاتحادي الأصل ينقد سياسة الإقصاء التي تمارس على حزبه، ويتهم أحزاب بعينها وراء هذا الإقصاء. هذا الحديث جعلني أتصل بالمهندس محمد فائق وعدد من القيادات الاتحادية لمعرفة وجهة نظرها في عملية التحول الديمقراطي وبعدها عن الساحة السياسية. هناك اعتقاد شبه إجماع وسط القيادات الاتحادية أن الخروج من الأزمة السياسية في البلاد لا يتم إلا عبر الحوار الوطني للوصول لتوافق وطني، هو الذي يؤسس القاعدة لعملية التحول الديمقراطي. والذين يعتقدون غير ذلك يريدون أن نظاما شموليا أخر تحت رايات ديمقراطية الهدف منها المناورة والتكتيك فقط. أن الأحزاب ذات القواعد الاجتماعية العريضة يجب أن تقتحم الساحة السياسية دون استئذان من أحد، ويجب عليها أن تعبر عن رؤيتها وتقدم مبادرتها للخروج من الأزمة السياسية، أن الأحزاب تؤكد دورها في المجتمع بفاعليتها وحركتها وسط الجماهير. بعد ما عقدت عدد من المجموعات الاتحادية اجتماعا في القاهرة وشكلت لجنة تنسيقية بينها، أتهم البعض أن الاجتماع تم بدعم من مصر والهدف منه دعم الانقلاب، كان المتوقع أن اللجنة التنسيقية أن تدفع بنفسها للساحة السياسية، وتبدأ عملها بفاعلية لكي تثبت للجماهير السودانية بصورة عامة والجماهير الاتحادية بصورة خاصة، أن اجتماع توحدها في القاهرة كان الهدف منه هو الظهور بقوة في الساحة السياسية لدعم عملية التحول الديمقراطي في البلاد، وتقدم تصورها في الساحة بقوة حتى إذا كان يلاقي معارضة قوية من قبل البعض. القضية الأخرى: لابد من حسم الخلاف داخل البيت الميرغني والإسراع بقيام المؤتمر العام الذي يختار قيادة منتخبة تعبر حقيقة عن الجماهير الاتحادي، أما صراع الاتحادي مع الحزب الشيوعي لم يبدأ بعد سقوط الإنقاذ، ولكنه بدأ منذ النصف الأول لإربعينيات القرن الماضي، وسيظل الصراع مستعرا ومستمرا لكن وفقا ألسس الديمقراطية.

أن الصراع داخل حزب الأمة القومي، يتمثل في عقليتين، العقلية الأولى هي عقلية محافظة تريد أن تحتفظ على الإرث التاريخي للحزب، وأن تميل إلي التوافق الوطني، وتعتقد أن الوصول للانتخابات هو الحل، باعتبار أن الجماهير صاحبة السلطة هي التي سوف تختار من يحكمها، هناك عقلية جديدة تعتقد أن الحزب لا يستطيع أن يخوض معركة الديمقراطية لوحده، و لابد من التحالف مع القوى الأخرى، ولذلك هي لا تريد رفع راية الانتخابات حتى لا تفرز نفسها كقوى لوحدها في الساحة. والصراع الدائر مسألة طبيعية في العمل السياسي. لكن إشكالية حزب الأمة ظهرت بقوة بعد رحيل الإمام الصادق المهدي، الأمر الذي ترك فراغا كبيرا في الحزب حيث غاب دور المفكر الذي يطرح الفكرة والحل ويتبناها الحزب و الكل يعمل من أجل تنزيلها للواقع. غياب المفكر أصبح الكل في دائرة الضوء مطالب أن يقدم رؤية يعزز بها دوره القيادي في الحزب، الأمر الذي يخلق صراعا داخل الحزب يجعل الحزب بمظهرين.

هناك البعض، الذين يعتقدون أن الصراع يتمظهر في صور مناطقية و قبلية، و هذا اعتقاد خاطيء و رؤية غير صائبة، بل هو انعكاس طبيعي لغياب قائد كان فاعلا في طرح الأفكار والأراء تمثل وقودا للحزب، إلي غياب هذه الأفكار والمبادرات. وهذا ما ذكره الدكتور إبراهيم الأمين في اللقاء التلفزيوني لقناة “البلد” الذي كان قد أجراه معه بكري المدني في برنامج ” تسريبات” حيث قال أن إشكالية الأزمة السياسية في البلاد غياب العناصر التي تشتغل بالفكر، وقال أنه يتفرغ الأن من أجل الكتابة. وعندما سألت شخصيا الدكتور بشكل مباشر بالتلفون، عن حقيقة الصراع؛ قال نعم هناك صراعا داخل الحزب يتمثل في تيارين يمثلان رؤيتين مختلفتين، لكنهما سوف يحسمان عبر المؤتمر العام لذلك لابد من التعجيل به. لكن المؤتمر العام سوف يبرز الصراع بحجمه الطبيعي لأنه يمثل دائرة للاستقطاب الحاد بين التيارات المختلفة، لذلك البعض لا يريد التعجيل به. وهذه المرة الأولى التي لا يستطيع التنبأ بالذي بالشخصية التي سوف تختار لقمة الهرم، حيث لم يبرز شخص أو شخصية بصورة واضحة من بيت الإمام لكي يكون مرشحا بعينه لرئاسة الحزب.

أن ذهاب قيادة الحزب الشيوعي إلي كاودا، والإلتقاء مع عبد العزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية، والالتقاء في جوبا بعبد الواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السودان بهدف الحوار معهم لتأسيس تحالف جديد تحت مسمى “حلف الأقوياء” الذي يجمع القوى الثورية على صعيد واحد بهدف العمل للحل الجذري للمشاكل في البلاد، إلي جانب سقوط الانقلاب، أن الثورية التي ينادي بها الحزب الشيوعي لا تعني الهدف منها هو الوصول إلي “الدولة المدنية الديمقراطية” ولكن نظام أخر يعبر عن فكر الحزب، لذلك تجد الحزب الشيوعي لا يتقبل أي مبادرات تأتي من أي قوى سياسية أخرى. واستطاع الحزب الشيوعي أن يستقطب إلي جانبه عدد من الصحف التي تخدم الفكرة. وفي ذلك يحاول الحزب أن يمارس القتل المعنوني لشخصيات لها أراء في الحل الأزمة لا تتوافق مع الحزب الشيوعي. وتحاول بعض الصحف التي تعمل بأمر الحزب أن تساعده في هذا القتل المعنوي. والسؤال لماذا يطارد الحزب العناصر التي خرجت منه وتحمل أراء مخالفة للحل عن رؤية الحزب. أين الديمقراطية؟

إشكالية الحزب هي الصراع الداخلي، الذي بدأ منذ طرح الخاتم عدلان رؤيته في مستقبل الماركسية بعد سقوط حائط برلين أوائل تسعينات القرن الماضي، وظل هذا الصراع يتسع داخل الحزب، كما أن الأجيال الجديدة في الحزب التي تطلع على كتابات الماركسيين الجدد في فلسفة “ما بعد الحداثة” جعلتهم يتمردوا على الارثوذكسية الماركسية، التي تتمسك بها القيادات التاريخية الاستالينية القابضة على مفاصل الحزب، وأغلبية القيادات التاريخية مفرغة للعمل السياسي، وتمسكها بالقيادة ورفضها فتح باب تصعيد قيادات جديدة خوفا من فقدها هذه الامتيازات، لذلك تجدها الأن تتبنى التروتسكية في استمرار الثورية. رغم أن هناك طرق عديدة للحل السياسي في البلاد التي تعجل بإبعاد العسكر عن السياسة. أن الحزب في دعوته الثورية ليس بهدف إنهاء للانقلاب، بل مرتبط بالصراع الداخلي. وقيادات الحزب الشيوعي تعلم أن الانقلابيين في اضعف حالاتهم. وكان عليهم استغلال الوجود الدولي والعمل من أجل نجاح مبادرته، لكنهم لا يرغبون في الحل باعتبار أن حل الأزمة في البلاد سوف تفتح باب الأزمة في الحزب الشيوعي.

أن الإشكاليات الداخلية للأحزاب التقليدية ذات القواعد الجماهيرية هي السبب في حل الأزمة السياسية، وكل يحاول أن يخلق مبررات لعدم الحل. لذلك كل حزب يقدم خطوة ثم يرجع خطوتين للوراء. والشعب هو الذي يدفع ضريبة ذلك معاناة وسوء خدمات وشظف في العيش، وفقد أروح شباب عزيز على الوطن. نسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.