“حكاية من حلتنا” يكتبها آدم تبن: يامزارع ليك ألف تحية

150

وفصل الخريف حكاياته لاتنقطع فهو فصل يستمر لأربعة أشهر تزيد أو تنقص قليلا، فهو فصل للعمل والجد والنشاط لاراحة لمزارع أو راعى على طول أيامه، فكليهما يعملان لمرحلة الحصاد والتميز بين بعضهم البعض، فالمزارع الذى إهتم بزراعته سيجنى ثمار جهده واهتمامه حصادا وفيرا، أما الراعى الذى يرعى سعيته والسعية كما عرفناها من قبل هى الأبقار والابل والضأن والماعز وإهتم بها سيقطف ثمار جهده لبنا سائغا للشاربين ولحما طريا يشتهيه الناس وهكذا يتمدد الخريف ليشمل بخيراته حتى أولئك الذين لاهم زراع ولارعاة فانتاجه وخيره يعم الإنسان والحيوان والطير وحتى دواب الأرض تجد غذاؤها من منتجات فصل الخريف، وهو فصل يختلف عن الصيف والشتاء بإنتاجه مختلف المحاصيل الزراعية والغابية، وهى أى المحاصيل الزراعية والغابية تختلف من منطقة إلى أخرى لذا تجد كل أهل منطقة يحتفون بفصل الخريف لما يقدمه لهم من منتجات غذائية ونقدية تعينهم على تسيير حياتهم طوال العام .

وفصل الخريف يأتى فى بلادنا السودان فى مطلع شهر يوليو فى غالب الأعوام وتسمى هذه العينة ب “الضراع” وهو ضراع الأسد حيث تكون أمطاره قوية وتستمر لساعات طويلة،ففيها يحرص المزارعين على زراعة مساحاتهم الزراعية فى أسرع وقت ليستفيدوا من هذه الأمطار الغزيرة والقوية التى تساعد فى نمو المحاصيل بسرعة كبيرة، ومعها كذلك تنمو الحشائش والنباتات الطفيلية التى تعيق نمو المحاصيل، وهنا يحرص المزارعين على إكمال زراعة مساحاته المخصصة ويأتى ذلك حرصا منه ليتفرغوا لنظافة زراعتهم فى وقت مبكر وهذه المرحلة تسمى “النظافة أو الكديب” وهى من أصعب المراحل الفلاحية حيث تستمر لقرابة الشهرين وتسمى المرحلة الأولى منها ب “المر” وهى مرحلة صعبة لأن الأرض تكون قوية ومليئة بالحشائش والثانية ب “الجنكاب” وهى أخف حالة من المر لقلة الحشائش وهشاشة الأرض، وهكذا يعيش المزارعون مع هذه المراحل الصعبة إلا أنهم فى قمة السعادة والفرح بمتابعة نمو محاصيلهم المزروعة لحظة بلحظة وهى سعادة لاتدانيها سعادة كما غنى لهم المغنى “يامزارعين يلا فى حبور يلا نزرع أرض الجدود”.

عموما أهل الزراعة فرحون بعودة فصل الخريف ومستعدون للعمل طوال النهار يتحملون شمس الظهيرة اللاهبة وتساقط الأمطار الغزيرة وصعوبة العمل وسط الحشائش خوفا من التعرض للدغات الثعابين والعقارب والحشرات السامة، حيث لاتوجد أمصال طبية لعلاجها بالسرعة المطلوبة إلا من بعض الحشائش والنباتات التى يعتقد أنها تساعد فى التعافى من لدغاتها القاتلة والتى قد تصدق فى بعض الأحيان وتكذب فى بعضها، لكن ذلك لايثنيهم من ممارسة مهنتهم التى يحبونها ويخلصون من أجلها، فالزراعة عندهم مهنة توارثوها أبا عن جد وليس لهم خيار غيرها، فتجدهم قد خبروا التعامل معها بصورة واقعية يعرفون منازل الخريف وعينه المختلفة ونوعية المحاصيل التى تزرع فى “الأراضى البور” وهى الأراضى التى تزرع حديثا وتسمى بور بضم الباء والأراضي “السراية” وهى الأراضى الباردة ومضى على زراعتها أكثر من عامين.

ويعرفون كذلك مراحل إنتاج المحاصيل بمعنى أنهم لهم معرفة بالمدة الزمنية التى تنتج فيها المحاصيل فهناك محاصيل فترة إنتاجها تتراوح بين الشهر ونصف الى شهرين وأخرى بين الشهرين والشهرين والنصف أخرى تبلغ الثلاثة أشهر أخرى بين الثلاثة أشهر والأربعة أشهر، ويعرفون كذلك الآفات التى تفتك بالمحاصيل الزراعية وطرق الوقاية منها، ويعرفون الأوقات التى يبدأ فيها إدخال المحاصيل للأسواق، وهم ماشاء الله عليهم أصبحوا خبراء فى الزراعة بالتجربة والخبرة الطويلة التى أكسبتهم حصيلة كافية من المعلومات التى تساعدهم فى أنجاح فصل الخريف بصورة مرضية لهم فلهم منا آلاف التحيا “يامزارع ليك ألف تحية”.

Comments are closed.